حُكّام على خُطى قارون

: السيد مهدي الجابري الموسوي

حُكّام على خُطى قارون يستحوذون على موارد هذا البلد وخيراته دون حسيب ولا محتسب، ولا رقيب ولا مرتقب، في وقت يرزح فيه الملايين من أبناء الشعب تحت خط الفقر، يعانون من الفقر والفاقة, واولئك الحكام لا تتحرك لديهم شفقه ولا رحمة ولا إنسانية ولا حياء من الناس, ومن المؤسف انّ أمثال هؤلاء ينسبون أنفسهم إلى التشيع وانّهم أتباع أهل البيت عليهم السلام وهم يأتون بطوام لا تُطاق بحال.

بات من الواضح لكلِّ أبناء هذا البلد انّ هؤلاء الإفراد ما جاءوا إلى السلطة حبّاً بالوطن ولا لرفع الفاقة عن كاهل أبنائه ولا راموا له حياةً كريمةً ابدا, انما جاءوا حبواً إليها وحبّاً بها لكونها مكسباً لا يُطال من دونها مكسب ولو عمّر أحدهم مئات السنين .. وببركتها يتم الاستحواذ على المال العام وتتحقق بذلك كل الآمال.

بلدٌ تفشى فيه الفقر وتنامت فيه نسبة البطالة وتدنت فيه مستويات الخدمات وهو يحتضن أغنى الموارد في العالم وينتج أعلى كميات من النفط ويبيع بملايين الدولارات، وفي الوقت ذاته يشاهد ويسمع سجال الحكومات الثلاثة وجدالها وبعضها يكشف سر الاخر بسرقات بلغت ارقامها ما هو اغرب من الخيال استحوذ عليها ذاك المسؤول وهذا المسؤول وهلم جرا.. فحري بشعب هذا حاله ان يستنكر ويطالب بحفظ المال العام من تخوّض السفهاء امتثالا لأمر الله القائل (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) .. هذا البلد فقد كل مقومات الحياة وانقلبت فيه كل الموازين فالديمقراطية انقلبت الى ديكتاتورية! والشفافية انقلبت الى ضبابية! والاكثرية انقلبت الى أقلية! والقوانين التشريعية تجري بما يشتهي مقننوها! ووزير النفط قادر على ان يكون وزير التربية!! ووزير التربية قادر على ان يكون وزير الدفاع والداخلة!! والمسؤول المختلس لملايين الدولارات بريء مفترى عليه, وطفل جائع يسرق ثلاثة علب مناديل ورقية (كلينكس) مجرم مستحوذ على المال العام !! يا لله العجب يا لله العجب .

فعلى الحكومات الثلاث احترام مشاعر أبناء هذا البلد سيما علمائنا الاعلام ومراجعنا العظام الذين نعتبرهم آخر ما تبقى من صمامات الأمان للحفاظ على هويتنا ومكتسباتنا ومقدساتنا.. كفاكم ما أخذتم وما كنزتم وستلقون ما لقي قارون من العقوبة العاجلة في الدنيا ، فقد خسف الله تعالى به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، تضيق عليه ويحترق بنيرانها جزاء وفاقاً هو ومن يسير في ركابه .

فهؤلاء الذين طُمست بصائرهم ، فما عادوا يرون إلا ذواتهم  يستعلون على عباد الله فيخرجون متعاظمين كما فعل قارون حين " خرج على قومه في زينته " متباهياً مفتخراً بأكمل زينته ، يليه أتباعه الكثيرون متحلين بملابس الذهب والحرير ، على خيول موشحة بالذهب والعقيان ، ومعه الجواري والغلمان في موكب حافل باهر فيسبي قلوب أهل الدنيا ، فيتمنون أن يكونوا مثله ، أو يكون لهم ما له ، ويعتقدون مخطئين أنه ذو حظ عظيم .

فقارون كان يمثل السلطة المالية التي تُجمع بغير حق وقد وعظوه بأربعة مواعظ مرتبة:

الأولى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ).

الثانية:(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)..

الثالثة :(وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).

الرابعة :(وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ).

فالعاقل يا سادة من اتعظ ، والجاهل من تنكب الطريق السويّ ، فأورده موارد الهلاك .

فنهب خيرات البلاد وحرمان العباد مقتل المتكبرين ، وهلاك المتجبرين الذين لا يتعلمون ممن غبر ، ولا يتعظون من مصائر أمثالهم .

ومن الإساءة يا سادة أن يكون الإنسان فاسداً ، وأشد منه اساءة أن يكون مفسداً , والإفساد طرقه كثيرة ، منها : البغي في الأرض ، وكثرة المعاصي ، والاستحواذ على المال العام ... ومن سمات العاقل اللبيب البعد عن الإفساد والفساد ، وعكس ذلك من سمات اللئيم الذميم . والله تعالى يمقت الذي يفسد في الأرض ، ومن يمقته الله فهو من الخاسرين .