هل يلزم ان يكون لكل نبى وصى؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منَ العقائدِ المُسلّمةِ عندَ شيعةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) هوَ كونُ الأرضِ لا تخلو مِن حُجّةٍ للهِ على خلقِه، وقَد أكّدَتِ الكثيرُ منَ الرّواياتِ هذا الأمرَ، فقَد أوردَ الكُلينيّ في الكافي رواياتٍ عديدةً تحت عنوان (لو لم يبق في الأرضِ إلّا رجلانِ لكانَ أحدُهما الحُجّة) ومنها ما جاءَ عنِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) قولُه: (لو لَم يكُن في الأرضِ إلّا إثنانِ لكانَ الإمامُ أحدَهما) (أصولُ الكافي للكُليني 1/ 180). وكذلكَ ذكرَ رواياتٍ تحتَ بابِ (أنَّ الأرضَ لا تخلو مِن حُجّةٍ) كما عنِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) عندَما سُئلَ: أتخلو الأرضُ بغيرِ إمامٍ؟ قالَ: لو بقيَت الأرضُ بغيرِ إمامٍ لساخَت بأهلِها) (الكافي كتابُ الحجّةِ 1/ 179). وكذلكَ أوردَ إبنُ بابويه القمّي في عيونِ أخبار ِ الرّضا، عنِ الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرّضا (عليه السّلام): (أتخلو الأرضُ مِن حُجّةٍ؟ فقالَ: لو خلَت الأرضُ طرفةَ عينٍ مِن حُجّةٍ لساخَت بأهلِها) (عيونُ أخبارِ الرّضا 1/ 272). وكذلكَ بوّبَ القُمّيّ باباً مُستقلّاً في كتابِه (كمالُ الدّينِ وتمامُ النّعمةِ) العلّةُ التي مِن أجلِها يُحتاجُ إلى إمامٍ: وأوردَ فيه أكثرَ مِن عشرينَ روايةً؛ منها ما رواها عنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السّلام): (لو أنَّ الإمامَ رُفعَ منَ الأرضِ ساعةً لماجَت بأهلِها كما يموجُ البحرُ بأهلِه) (كمالُ الدّين وتمامُ النّعمة البابُ الحادي والعشرون 1/ 202). وأوردَ العلّامةُ المجلسيُّ في البحارِ أكثرَ مِن مائةِ روايةٍ في هذا المعنى، منها ما رواها عنِ الإمامِ عليٍّ بنِ الحسينِ (عليهما السّلام) أنّهُ قال: (ولَم تخلُ الأرضُ منذُ خلقَ اللهُ آدمَ عليه السّلام مِن حُجّةٍ فيها، ظاهرٍ مشهور أو غائبٍ مستور، ولا تخلو إلى أن تقومَ السّاعةُ مِن حُجّةٍ للهِ فيها، ولولا ذلكَ لم يُعبَد الله) (بحارُ الأنوارِ ج23 في أكثرِ مِن موضِع). وقَد كشفَت هذهِ الرّوايةُ عَن استمرارِ حُججِ اللهِ منذُ آدمَ (عليه السّلام) إلى قيامِ السّاعةِ، كما أكّدَت الرّوايةُ على أنَّ الحُجّةَ ليسَ بالضّرورةِ أن يكونَ مشهوراً معروفاً وإنّما قَد يكونُ غائِباً مستوراً، ويبدو أنَّ فلسفةَ وجودِ الحُجّةِ ليسَ بالضّرورةِ أن يكونَ مِن أجلِ قيادةِ النّاسِ إجتماعيّاً وسياسيّاً وبيانِ التّشريعاتِ وإنّما فلسفةُ الحُجّةِ ترتكزُ في جوهرِها الإعتقاديّ على تحقيقِ الصّلةِ بينَ الغيبِ والشّهودِ بمعنى أنَّ الولايةَ ليسَت تشريعيّةً فحسب وإنّما تكوينيّةٌ أيضاً، وبناءاً على ذلكَ يمكنُنا الجزمُ بأنَّ الأنبياءَ وأوصياءهم هُم الذينَ يُمثّلونَ ولايةَ اللهِ على الخلقِ، ومِن هُنا نفهمُ عدمَ إحتمالِ بقاءِ الأرضِ بغيرِ حُجّةٍ. ففي روايةٍ عَن أبي عبدِ اللهِ الصّادقِ (عليه السّلام) قالَ: قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليه وآله): أنا سيّدُ النّبيّينَ، ووصيّي سيّدُ الوصيّينَ، وأوصيائي سادةُ الأوصياءِ، إنَّ آدمَ سألَ اللهَ عزَّ وجلّ أن يجعلَ لهُ وصيّاً صالحاً، فأوحى اللهُ عزَّ وجلّ إليه: إنّي أكرمتُ الأنبياءَ بالنّبوّةِ، ثمَّ إخترتُ خلقي وجعلتُ خيارَهم الأوصياءَ ثمَّ أوحى اللهُ عزّ وجلّ إليه: يا آدمُ أوصِ إلى شيث، فأوصى آدمُ إلى شيث، وهوَ هبةُ اللهِ بنُ آدم، وأوصى شيث، إلى إبنِه شبان، وهوَ إبنُ نزلةَ الحوراءِ التي أنزلَها اللهُ على آدمَ منَ الجنّةِ فزوّجَها إبنَه شيث، وأوصى شبانُ إلى محلث وأوصى محلثُ إلى محوق، وأوصى محوقُ إلى عميشا وأوصى عميشا إلى أخنوخ وهوَ إدريسُ النّبي، وأوصى إدريسُ إلى ناحور... ثمَّ قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله): ودفعَها إلى بُردة، وأنا أدفعُها إليكَ يا علي، وأنتَ تدفعُها إلى وصيّكَ، ويدفعُها وصيّكَ إلى أوصيائِكَ مِن ولدِك واحداً بعدَ واحد حتّى يدفعَ إلى خيرِ أهلِ الأرضِ بعدَك ولتكفُرنَّ بكَ الأمّةُ، ولتختلفنَّ عليكَ إختلافاً شديداً، الثّابتُ عليكَ كالمقيمِ معي والشّاذُّ عنكَ في النّارِ والنّارُ مثوىً للكافرينَ (أمالي الصّدوقِ: 242، البحارُ 23: 57 - 58).
• وبحسبِ ما جاءَ في الأخبارِ بأنَّ الوصيّةَ قد تكونُ سرّاً كما عَن هشامٍ بنِ الحكم: قالَ أبو عبدِ الله (عليه السّلام): لمّا أمرَ اللهُ آدمَ أن يُوصي إلى هبةِ اللهِ أمرَه أن يستُرَ ذلكَ فجرَتِ السّنّةُ في ذلكَ بالكتمانِ، فأوصى إليهِ وسترَ ذلكَ (تفسيرُ العياشيّ 1: 309ـ 311)، وقَد يكونُ السّببُ في ذلكَ بعضُ الظّروفِ التي تقتضي أن يكونَ أمرُ الوصيّةِ سرّاً ولا يمنعُ ذلكَ مِن معرفةِ المُؤمنينَ المُخلصينَ له. وقَد جاءَ في روايةِ هشامٍ بنِ سالم، عَن حبيبٍ السّجستانيّ، عَن أبي جعفرٍ (عليه السّلام): فلمّا دنى أجلُ آدم أوحى اللهُ إليه أن يا آدمُ إنّي مُتوفّيكَ ورافعُ روحكَ إليَّ يومَ كذا وكذا، فأوصِ إلى خيرِ ولدكَ وهوَ هبتي الذي وهبتُه لكَ فأوصي إليه، وسلِّم إليه ما علّمناكَ منَ الأسماءِ والإسمِ الأعظمِ، فأجعَل ذلكَ في تابوتٍ فإنّي أحبُّ أن لا تخلو
أرضي مِن عالمٍ يعلمُ علمي، ويقضي بحُكمي، أجعلُه حُجّتي على خلقِي (البحار ج 23: 60). وعليهِ فإنَّ الوصيّةَ سُنّةٌ إلهيّةٌ ماضيةٌ منذُ آدم إلى قيامِ السّاعة.
اترك تعليق