هل "مروان بن الحكم "صالح ام طالح.. ؟

هل مروان صالح ام طالح.. ؟ هل تنطبق عليه الرواية المروي عن احد المعصومين انه من بكى على الحسين كجنح ذبابة وجبت له الجنة.... وهذا يحيلنا الي سؤال محير... هو.. إذا سمع انسان مذنب بهكذا حديث وهو شائعة ومنتشرة بين خطباء المنبر الحسيني هذه الأيام فسوف يقول لك لابأس علي سوف أذنب الذنب واذهب إلى المجلس الحسيني فابكي أو اتباكا فسيغفر الله ذنبي ويدخلني الجنة.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

مروانُ بنُ الحكمِ منَ الشّجرةِ الخبيثةِ والملعونةِ على لسانِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله)، وقَد فاحشَ في عدائِه للإمامِ عليّ (عليه السّلام) وأهلِ بيتِه الكرامِ (سلامُ اللهِ عليهم)، قالَ إبنُ كثيرٍ: (وَلَمَّا تَوَلّى مروانُ بنُ الحكمِ عَلَى المَدِينَةِ لِمُعَاوِيَةَ كَانَ يَسُبُّ عَلِيًّا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى المِنبَرِ، وَقَالَ لَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: لَقَد لَعَنَ اللَّهُ أَبَاكَ الحَكَمَ وَأَنتَ فِي صُلبِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الحَكَمَ وَمَا وَلَدَ. (البدايةُ والنّهايةُ، ج 11، ص 712.)  

 

وهناكَ الكثيرُ منَ الأخبارِ المرويّةِ في كتبِ الشّيعةِ والسّنّةِ التي تكشفُ عَن خُبثِ مروانَ وحقارةِ منزلتِه، وممّا جاءَ في مصادرِ السّنّةِ، كما في البدايةِ والنّهايةِ لابنِ كثيرٍ، عَن رَاشِدٍ بنِ سَعدٍ، أنّهُ قالَ: أَنَّ مَروَانَ بنَ الحَكَمِ لَمَّا وُلِدَ دُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ (صلّی اللهُ عليه وآله وسلّم) لِيَدعُوَ لَهُ، فَأَبَى أَن يَفعَلَ، ثُمَّ قَالَ: إبنُ الزَّرقَاءِ، هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيهِ وَيَدِي ذُرِّيَّتِهِ. (البدايةُ والنّهايةُ، ج 9، ص 270) في تاريخِ دمشقَ لابنِ عساكر، رويَ عَن نافعٍ بنِ جُبيرٍ بنِ مطعمٍ عَن أبيهِ قالَ كُنّا معَ النّبيّ (صلّی اللهُ عليه وآلِه وسلّم)، فمرَّ الحكمُ بنُ أبي العاص، فقالَ النّبيّ (صلّی اللهُ عليه وآله وسلّم): ويلٌ لأمّتي ممّا في صُلبِ هذا. (تاريخُ دمشق، ج 57، ص 267) وذكرَ إبنُ عبدِ البرّ في الإستيعابِ عَن عائشةَ مِن طُرقٍ ذكرَها إبنُ أبي خيثمةَ وغيرُه أنّها قالَت لمروان: أمّا أنتَ يا مروانُ فأشهدُ أنَّ رسولَ اللهِ لعنَ أباكَ وأنتَ في صُلبِه. (الإستيعابُ في معرفةِ الأصحابِ، ج 1، ص 360) وغيرُ ذلكَ منَ الأخبارِ عَن حالِ مروانَ وأبيه الحكمِ. 

 

وقَد شاركَ مروانُ في حربِ الجملِ وقاتلَ الإمامَ عليّاً (عليه السّلام)، وبعدَ هزيمتِهم في الجملِ فزعَ مروانُ إلى الإمامينِ الحسنِ والحُسينِ (عليهما السّلام) وهوَ مِن ألدِّ أعدائِهم، وطلبَ منهُما أن يشفعا لهُ عندَ أبيهِما، فخفّا إليه وكلّماهُ في شأنِه، وقالا له: «يبايعُكَ يا أميرَ المؤمنين». فقالَ (عليه السّلام): «أوَلم يبايعني قبلَ قتلِ عثمان، لا حاجةَ لي في بيعتِه؛ إنّها كفٌّ يهوديّةٌ، لو بايعني بيدِه لغدرَ بسُبّتِه. أما إنَّ لهُ إمرةً كلعقةِ الكلبِ أنفَه، وهوَ أبو الأكبشِ الأربعةِ، وستلقى الأمّةُ مِن ولدِه يوماً أحمر». فسُرعانَ ما إنتكسَ وسارعَ إلى معاويةَ يشاركُه في حربِه على أميرِ المؤمنين (عليه السّلام) في صفّين، وبعدَ أن إستولى معاويةُ على الحُكمِ، نصّبهُ والياً على مكّةً والمدينةِ والطّائفِ وعزلَه عام 57 هـ عنِ المدينةِ وجعلَ الوليدَ مكانَه في المدينةِ، وعندَما طلبَ يزيد منَ الوليدِ والي المدينةِ أخذَ البيعةِ منَ الحُسينِ (عليه السّلام) وعبدِ اللهِ بنِ عُمر وعبدِ اللهِ بنِ الزّبيرِ وطلبَ منهُ تشديدَ الأمرِ على الحُسينِ (عليه السّلام) إستشارَ الوليدُ مروانَ، فأشارَ مروانُ على الوليدِ فقالَ له: إبعَث إليهم في هذهِ السّاعةِ فتدعوهم إلى البيعةِ والدّخولِ في طاعةِ يزيد، فإن فعلوا قبلتَ ذلكَ منهُم وإن أبَوا قدّمهم واضرِب أعناقَهم قبلَ أن يدروا بموتٓ معاويةَ؛ فإنّهم إن علموا ذلكَ وثبَ كلُّ رجلٍ منهُم فأظهرَ الخلافَ ودعا إلى نفسِه، فعندَ ذلكَ أخافُ أن يأتيكَ مِن قِبَلِهم ما لا قِبَلَ لكَ به، إلّا عبدُ اللهِ بنُ عمَر فإنّهُ لا ينازعُ في هذا الأمرِ أحداً ... معَ أنّي أعلمُ أنَّ الحُسينَ بنَ عليّ لا يجيبُكَ إلى بيعةِ يزيد ولا يرى لهُ عليه طاعةً، وواللهِ، لو كنتُ في وضعِك لم أراجِع الحُسينَ بكلمةٍ واحدةٍ حتّى أضربَ رقبتَه كانَ في ذلكَ ما كان. وعندَما جزعَ الوليدُ مِن هذا الأمرِ، سخرَ منهُ مروان وراحَ يُندّدُ به قائِلاً: لا تجزَع ممّا قلتُ لكَ! فإنَّ آلَ أبي تراب همُ الأعداءُ مِن قديمِ الدّهرِ ولم يزالوا، وهُم الذينَ قتلوا الخليفةَ عثمانَ بنَ عفّان ثمّ ساروا إلى أميرِ المؤمنينَ ـ يعني معاويةَ ـ فحاربوه. وبعدَ أن حضرَ الحسينُ إلى مجلسِ الوليدِ فقالَ (عليه السّلام): إنَّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً ولا أراك تجتزئُ بها منّي سرّاً، فإذا خرجتُ إلى النّاسِ ودعوتُهم للبيعةِ دعوتَنا معَهم، وكانَ الأمرُ واحِداً، فانبرى الوغدُ الخبيثُ مروانُ بنُ الحكمِ فصاحَ بالوليدِ: لئِن فارقكَ السّاعةَ ولم يُبايع لا قدرتَ منهُ على مثلِها أبداً حتّى تكثُرَ القتلى بينَكم وبينَه، إحبسهُ فإن بايعَ وإلّا ضربتَ عنقَه. فقالَ له الحسينُ (عليه السّلام): يا بنَ الزّرقاءِ، أأنتَ تقتلُني أم هوَ؟ كذبتَ واللهِ ولؤمتَ، ثمَّ إلتفتَ إلى الوليدِ قائِلاً: أيّها الأميرُ، إنّا أهلُ بيتِ النّبوّةِ ومعدنُ الرّسالةِ، ومُختلفُ الملائكةِ ومحلُّ الرّحمةِ، بنا فتحَ اللهُ وبنا يختِم.

ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمرِ، قاتلُ النّفسِ المُحرّمةِ، مُعلنٌ بالفسقِ، ومثلي لا يبايعُ مثلَه، ولكِن نُصبِح وتُصبحونَ، وننظرُ وتنظرونَ أيُّنا أحقُّ بالخلافةِ والبيعةِ؟» (تاريخُ إبنِ الأثيرِ 3 / 264، والفتوحُ لابنِ أكثم 5/ 18). 

 

كلُّ ذلكَ يكشفُ لنا ما يحملُه مروانُ إتّجاهَ البيتِ النّبويّ الشّريفِ وبخاصّةٍ الإمامِ الحسينِ (عليه السّلام) الذي حرّضَ على قتلِه، فكيفَ بعدَ ذلكَ يمكنُنا تصديقُ دموعِ مروانَ على قتلِ الحسينِ (عليه السّلام) وهوَ المطرودُ مِن رحمةِ اللهِ على لسانِ النّبيّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم).

أمّا الرّواياتُ التي تُؤكّدُ على ثوابِ الباكي على الحسينِ (عليه السّلام) لا خلافَ على صحّتِها إلّا أنّها في واردِ الكشفِ عَن عظيمِ منزلةِ الحُسينِ (عليه السّلام) وعظيمِ منزلةِ شيعتِه وأنصارِه ولا تدلُّ أبداً على عدمِ مسؤوليّةِ الإنسانِ عَن معاصيهِ، بلِ الدّموعُ التي تجري على الحسينِ (عليه السّلام) هيَ التي ترتفعُ بالإنسانِ إلى درجةِ الورعِ عن محارمِ اللهِ تعالى، والذي تفيضُ عيناهُ على مُصيبةِ الحسينِ يفترضُ فيه معرفتُه للحقِّ والوقوفُ في صفِّه بالقولِ والفعلِ وليسَ مُجرّدَ دموعٍ عابرةٍ لا تكشفُ عَن موقفٍ حقيقيٍّ وانتماءٍ صادقٍ لخطِّ الحسينِ (عليه السّلام) الذي لم يخرُج إلّا ليأمُرَ بالمعروفِ وينهى عنِ المُنكَر.