ما هي سيرة زيد بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)
السلام عليكم ورحمة الله : إنّ زيد بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام شخصيّةٌ معروفة, يلقّب زيد النار, وله ترجمة معروفة بين الرجاليين ولا إشكال فيه من جهة هويّته, إنّما الإشكالُ وقع في بعض أفعالهِ وأعماله, وكذلك وقع إشكالٌ في عقبه؛ إذ طعن في عقبهِ بعض النسّابين الثقات, وإليك ما وقفنا عليه من أحواله:
في كتاب (أعيان الشيعة) للسيّد محسن الأمين العامليّ (ج7/ص128).قال: زيد بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق (ع) الملقب زيد النار توفيَ حوالي سنة 247 في آخر خلافة المتوكّل بسرّ من رأى وقيل قبره بولاية مرو.
قال المفيد في الإرشاد وغيره: أمّه أمُّ ولد وقال المفيد أيضاً في إرشاده لكلّ واحد من أولادِ أبي الحسن موسى بن جعفر ع فضلٌ ومنقبة مشهورة وكان الرضا ع المقدّم عليهم في الفضل.
وهذا العموم يدخلُ فيه زيد. وقال الصدوق في العيون حدّثنا أبو الخير عليّ بن أحمد النسّابة عن مشايخه أنّ زيد بن موسى كان ينادمُ المنتصر وكان في لسانه فضلٌ وكان زيديّاً وكان ينزل بغداد على نهر كرخايا وهو الذي كان بالكوفة أيّام أبي السرايا فولّاه, فلما قتل أبو السرايا تفرّق الطالبيون فتوارى بعضهم ببغداد وبعضهم بالكوفة وصار بعضهم إلى المدينة وكان مـمّن توارى زيد بن موسى هذا فطلبه الحسن بن سهل حتّى دلّ عليه فأتى به فحبسه ثُمَّ أحضره على أن يضرب عنقه وجرّد السيّاف السّيف فلمّا دنا منه ليضرب عنقه وكان حضر هناك الحجّاج بن خيثمة فقال أيّها الأمير إنْ رأيت أن لا تعجل وتدعوني فإنّ عندي نصيحة ففعل وأمسك السيّاف فلمّا دنا منه قال أيّها الأمير أتاك بما تريد أن تفعله أمرٌ من أمير المؤمنين؟ قال لا. قال: فعلام تقتل ابن عمِّ أمير المؤمنين من غير إذنه وأمره واستطلاع رأيه فيه, ثُمَّ حدّثه بحديث أبي عبد الله بن الأفطس أنّ الرشيد حبسهُ عند جعفر بن يحيى فأقدم عليه جعفر فقتله من غير أمره وبعث برأسه في طبق مع هدايا النيروز فإنّ الرشيد لـمّا أمر مسروراً الكبير بقتل جعفر بن يحيى قال له إذا سألك جعفر عن ذنبه الذي تقتله به فقل له إنّما أقتلك بابن عمّي ابن الأفطس الذي قتلته من غير أمري, ثُمَّ قال الحجّاج بن خيثمة للحسن بن سهل أفتأمن أيّها الأمير حادثة تحدث بينك وبين أمير المؤمنين وقد قتلت هذا الرجل ليحتجَّ عليك بمثل ما احتجّ به الرشيد على جعفر بن يحيى؟ فقال الحسن للحجّاج: جزاك الله خيرا ثُمَّ أمر برفع زيد وأن يردَّ إلى محبسه, فلم يزل محبوساً إلى أن ظهر أمر إبراهيم بن المهديّ فحشد أهل بغداد بالحسن بن سهل فأخرجوه عنها فلم يزل محبوساً حتّى حمل إلى المأمون فبعث به إلى أخيه الرضا (ع) فأطلقه وعاش زيد بن موسى إلى آخر خلافة المتوكّل ومات بسرّ من رأى. وفي مروج الذهب ج 2 ص 331 في سنة 199 خرج أبو السرايا السرّي بن منصور الشيبانيّ بالعراق واشتدّ أمرهُ ووثبَ بالبصرة عليّ بن محمّد بن جعفر بن عليّ بن الحسين (ع) وزيد بن موسى بن جعفر فغلبوا على البصرة. وفي عمدة الطالب ص 196 زيد النّار بن موسى الكاظم وهو لأمّ ولد وعقد له محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) أيّام أبي السرايا على الأهواز, ولـمّا دخل البصرة وغلب عليها أحرق دور بني العبّاس وأضرمَ النار في نخيلهم وجميع أسبابهم فقيل له زيد النار, وحاربه الحسن بن سهل فظفر به وأرسله إلى المأمون فأُدخل عليه بمرو مقيّداً فأرسله المأمون إلى أخيه عليّ الرضا ووهب له حرمه فحلف علي الرضا أن لا يكلمه أبداً وأمر بإطلاقه, وفي العيون بسنده أنّه لما جئ بزيد بن موسى أخي الرضا (ع) إلى المأمون وقد خرج إلى البصرة وأحرق دور العباسيين وذلك في سنة 199 هـ فسمّي زيد النار قال له المأمون: يا زيد خرجت بالبصرة وتركت أن تبدأ بدور أعدائنا من أميّة وثقيف وغني وباهلة وبال زياد وقصدت دور بني عمّك فقال وكان مزاحاً: أخطأت يا أمير المؤمنين من كلِّ جهة وإنْ عدت للخروج بدأت بأعدائنا فضحك المأمون وبعثه إلى أخيه الرضا وقال قد وهبت لك جرمه فأحسن أدبه فعنّفه وخلّى سبيله وحلف أن لا يكلمه أبداً ما عاش.
وفي العيون أيضاً بسنده أنّه خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن (ع) بالمدينة وأحرق وقتل وكان يسمّى زيد النار فبعث إليه المأمون فأُسِرَ وحمل إلى المأمون فقال المأمون: اذهبوا به إلى أبي الحسن فلمّا أُدخل إليه قال أبو الحسن: يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيتها على النار ذاك للحسن والحسين خاصّة, إنْ كنت ترى أنّك تعصي الله وتدخل الجنّة وموسى بن جعفر أطاع الله ودخل الجنّة فإذاً أنت أكرم على الله عزّ وجلّ من موسى بن جعفر, والله ما ينال أحدٌ ما عند الله إلّا بطاعته, وزعمت أنّك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت فقال له زيد أخوك وابن أبيك فقال له أبو الحسن أنت أخي ما أطعت الله عزّ وجلّ إنّ نوحاً (ع) قال ربّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين فقال الله عزّ وجلّ يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عملٌ غير صالح فأخرجه الله عزّ وجلّ من أن يكون من أهله بمعصيته. وفي العيون أيضاً بسنده عن الحسين الحسن بن موسى الوشّاء البغداديّ، كنت بخراسان مع عليّ بن موسى الرضا (ع) في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول نحن ونحن وأبو الحسن (ع), وأقبل على قوم يحدّثهم فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال يا زيد أغرّك قول ناقلي الكوفة إنّ فاطمة (ع) أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيتها النار, والله ما ذلك إلّا للحسن والحسين وولد بطنها خاصّة فأمّا إنْ كان موسى بن جعفر يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنت ثمَّ تجيئان يوم القيامة سواء لأنت أعزُّ على الله عزّ وجلّ منه, إنّ عليّ بن الحسين يقول كان لمحسننا كفلان من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب الحديث. وفي العيون أيضاً بسنده عن الحسن بن الجهم: كنت عند الرضا (ع), وعنده زيد بن موسى أخوه وهو يقول يا زيد اتّق الله فإنّا بلغنا ما بلغنا بالتقوى فمن لم يتّق الله ولم يراقبه فليس منّا ولسنا منه, يا زيد إيّاك أن تهين من به تصل من شيعتنا فيذهب نورك يا زيد إنّ شيعتنا إنّما أبغضهم الناس وعادوهم واستحلّوا دماءهم وأموالهم لمحبّتهم لنا واعتقادهم لولايتنا فإنْ أنت أسأت إليهم ظلمت نفسك وأبطلت حقّك, ثمَّ التفت إليّ فقال يا ابن الجهم من خالف دين الله فابرأ منه كائناً من كان من أيِّ قبيلة كان ومن عادى الله فلا تواله كائناً من أيِّ قبيلة كان فقلت يا ابن رسول الله ومن الذي يعادي الله قال من يعصيه.
وأمّا الإشكال في عقبه فقد أثاره بعض النسّابين الثقات كأبي الحسن العمريّ وتبعه على ذلك أبو نصر البخاريّ , إذ أورد أبو نصر البخاريّ في كتابه (سرّ السلسلة العلويّة), تحقيق وتعليق السيّد محمّد صادق بحر العلوم في الصفحة (37), أورد هذه العبارة في كلامه على عقب زيد النّار قائلاً: ((قال العمريّ زيد بن موسى عليه السلام لم يعقّبْ، وجماعة من المنتسبين إليه بأرجان اليوم، وهم على ما يزعمون من ولد زيد بن عليّ بن جعفر بن زيد بن الكاظم عليه السلام، وهو غير صحيح)).
وفي كتاب (عمدة الطالب) لابن عنبة,ص221: قال: قال الشيخ أبو نصر البخاريّ: زيد بن موسى لم يعقّبْ, وجماعة من المنتسبين إليه بأرجان اليوم, وهم على ما يزعمون من ولد زيد بن عليّ بن جعفر بن زيد بن موسى وهو غير صحيح وقال غير البخاريّ وعليه الشيخ العمريّ وشيخ الشرف العبيدليّ وأبو عبد الله ابن طباطبا وغيرهم: أعقبَ زيد النار بن موسى الكاظم ( ع) من أربعة رجال الحسن ولده بالمغرب والقيروان، والحسين المحدّث، وجعفر، وموسى الأصم فمن ولد موسى بن زيد النار موسى خردل بن زيد بن موسى المذكور له عقب منهم محمّد ضغيب بن محمّد بن موسى خردل المذكور، يقال لولده بنو ضغيب منهم بنو مكارم بالمشهد الغرويّ، وهم بنو محمّد مكارم بن عليّ بن حمزة بن محمّد ضغيب وبالغريّ وبغداد قوم ينتسبون إلى عليّ بن محمّد بن موسى خردل، ولم يذكر عليّاً هذا أحد من النسّابين ونسبهم مفتعل والله أعلم بالصواب.(إنتهى).وبنحو ذلك نقل الفخر الرازيّ في كتابه (الشجرة المباركة في أنساب الطالبيّة) في كلامه على عقب زيد النّار في صفحة (99 وما بعدها) تحقيق السيّد مهديّ الرجائيّ.
ومِـمّا تقدّم ظهر لك أنّ أصلَ الخلاف بين النسّابين في عقب زيد النار , (أي في الأبناء, وليس في الأب زيد نفسه), إذ منهم من يطعن في عقبه, ومنهم من يثبته بحسب ما ورد عن ابن عنبة صاحبِ كتاب عمدةُ الطالب وغيره. ودمتم سالمين.
اترك تعليق