هَل هُناكَ عصمةٌ صُغرى وعصمةٌ كُبرى؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
بحسبِ الأخبارِ والرّواياتِ لا وجودَ لهذا التّقسيمِ في موضوعِ العصمةِ، فهوَ مُجرّدُ إصطلاحٍ عمدَ إليهِ البعضُ للتّمييزِ بينَ العصمةِ المُطلقةِ التي لا تكون إلّا للأنبياءِ والأئمّةِ وبينَ العصمةِ التي ينالُها عامّةُ المؤمنينَ وهيَ درجةٌ عاليةٌ منَ التّقوى تعصمُ صاحبَها منَ الزّللِ والمعصيةِ، فقَد أعطى اللهُ الأنبياءَ والأئمّةَ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) العصمةَ المُطلقةَ لأنّهُ علمَ منذُ الأزل بما يكونُ عليه حالُهم منَ العلمِ وقوّةِ الإرادةِ وشدّةِ الصّبرِ باختيارهم، ففضّلَهُم لذلكَ واصطفاهُم وكلّفَهم برسالاتِه، ففي زيارةِ الزّهراءِ (عليها السّلام) إشارةٌ لهذهِ الحقيقةِ فقد جاءَ فيها: (يا ممتحنةُ إمتحنَكِ اللهُ الذي خلقكِ قبلَ أن يخلقكِ فوجدَك لِما إمتحنَك بهِ صابرةً). وعليهِ يُقصدُ بالعصمةِ الكُبرى ما عليهِ الأنبياءُ والأئمّةُ مِن درجةٍ عاليةٍ منَ العلمِ تنكشفُ بهِ حقائقُ الأشياءِ ومِن درجةٍ عاليةٍ منَ القُربِ للهِ تعالى فلا يرونَ غيرَه وهوَ الحقُّ المُبينُ، وفي المُقابلِ يكونونَ موضعَ عنايةِ اللهِ وتسديدِه فيصنعونَ بعينِه وحمايتِه، فلا يصدرُ منهُم ذنبٌ ولا يقعُ منهُم خطأٌ، أمّا العصمةُ الصُّغرى فهيَ درجةٌ عاليةٌ منَ التّقوى والورعِ عَن محارمِ اللهِ وكلُّ مؤمنٍ يمكنُه الوصولُ لذلكَ مِن حيثُ الإمكانُ إذا إلتزمَ بأوامرِ الشّرعِ وعملَ بما جاءَ في القرآنِ على حقيقتِه، أمّا مِن حيثُ الحدوث الفعليّ فهيَ ليسَت مُتيسّرةً إلّا للقليلِ ممَّن كمُلَ منَ المؤمنينَ مثلَ العبّاسِ وعليٍّ الأكبرِ وزينبَ (سلامُ اللهِ عليهم) الذينَ شهدَ لهُم الأئمّةُ بالمنزلةِ الرّفيعةِ والمكانةِ العاليةِ، فمثلاً جاءَ في زيارةِ عليٍّ الأكبرِ ضمنَ زيارةِ أبيهِ في رجبَ وشعبان (اَلسَّلامُ عَلَيكَ اَيُّهَا الصِّدّيقُ الطَّيِّبُ الزَّكِيُّ الحَبيبُ المُقَرَّبُ وَابنَ رَيحانَةِ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيكَ مِن شَهيد مُحتَسِب وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، ما اَكرَمَ مَقامَكَ وَاَشرَفَ مُنقَلَبَكَ، اَشهَدُ لَقَد شَكَرَ اللهُ سَعيَكَ وَاَجزَلَ ثَوابَكَ، وَاَلحَقَكَ بِالذِّروَةِ العالِيَةِ، حَيثُ الشَّرَفُ كُلُّ الشَّرفِ وَفِي الغُرَفِ السّامِيَةِ كَما مَنَّ عَلَيكَ مِن قَبلُ وَجَعَلَكَ مِن اَهلِ البَيتِ الَّذينَ اَذهَبَ اللهُ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرَهُم تَطهيراً، صَلَواتُ اللهِ عَلَيكَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَرِضوانُهُ، فَاشفَع اَيُّهَا السَّيِّدُ الطّاهِرُ اِلى رَبِّكَ فِي حَطِّ الاَثقالِ عَن ظَهري وَتَخفيفِها عَنّي وَارحَم ذُلّي وَخُضُوعي لَكَ وَلِلسَّيِّدِ اَبيكَ صَلَّى اللهُ عَلَيكُما) وعليهِ منَ الصّعبِ إثباتُ العصمةِ الصّغرى إلّا لمَن ثبتَ في حقِّهم هذهِ الكمالاتُ بشهادةِ الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ولا يعني هذا أنَّ بابَ الكمالِ وبلوغِ درجاتِ التّقوى مُمتنعٌ على غيرِهم وإنّما اللهُ وحدُه هوَ العالمُ بعبادِه ولا طريقَ لنا نحنُ لمعرفتِهم.
اترك تعليق