هل يوجدُ تنافٍ بينَ العصمةِ والتكليفِ ولماذا ؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،عُرِّفَت العصمةُ في كلماتِ العلماءِ بتعاريفَ عديدة، قالَ السيّدُ المُرتضى في [الرسائلِ ج3 ص326]: « العصمةُ هيَ اللطفُ الذي يفعلهُ تعالى، فيختارُ العبدُ عندَه الامتناعَ مِن فعل القبيح »، وقالَ الشيخُ الطبرسيّ في [مجمعِ البيان ج5 ص338]: « العصمةُ هيَ اللطفُ الذي يختارُ عندَه التنزّه عن القبائحِ والامتناع عَن فعلِها »، وقالَ العلّامةُ الحليّ في [البابِ الحادي عشر]: « العصمةُ لطفٌ خفيٌّ يفعلُ اللهُ تعالى بالمكلّف، بحيثُ لا يكونُ له داعٍ إلى تركِ الطاعةِ وارتكابِ المعصيةِ معَ قُدرتِه على ذلك »، وغيرِها. المُلاحظُ في هذهِ التعاريفِ أنّ المعصومَ مختارٌ في الامتناعِ عن المعصيةِ، يقولُ المُرتضى: « فيختارُ العبدُ عندَه الامتناعَ مِن فعلِ القبيحِ » فإنّه فرضَ كونَ العبدِ مُختاراً في ظرفِ كونِه معصوماً، ويقولُ الطبرسيّ: « اللطفُ الذي يختارُ عندَه التنزّه عن القبائح » وهوَ أيضاً يفرضُ أنّ الاختيارَ مفروضٌ ومُتحقّقٌ، ويقولُ العلّامة: « معَ قُدرتِه على ذلك » أي قدرة المعصومِ على تركِ الطاعةِ وارتكابِ المعصية. وحقيقةُ العصمةِ متقوّمةٌ بالعلمِ والطهارة، فإنّ الإنسانَ إذا كانَ طاهرَ النفسِ وعلمَ علماً يقينيّاً بما يترتّبُ على الذنوبِ منَ الموبقاتِ والعذابِ ومنَ البُعدِ عن ساحةِ الرحمة، فإنّه لا يقدمُ على هذا الفعل، وهذا نظيرُ ما لو قُدِّمَ للإنسانِ قاذوراتٌ فإنّه لا يُقدِمُ على أكلِها لو كانَ طاهرَ النفسِ وعالماً بكونِها قاذورات، فعدمُ إقدام الإنسانِ على أكلِ القاذوراتِ مُترتّبٌ على علمِه وطهارةِ نفسِه، وإلّا فلو لم يعلم بأنّها قاذوراتٌ أو لم يكنُ طاهرَ النفسِ فإنّه قد يقدِمُ على ذلك. والعصمةُ الثابتةُ لحُججِ اللهِ تعالى هي ناشئةٌ عن علمِهم بالمفاسدِ الواقعيّةِ المُترتّبةِ على ارتكابِ المعاصي والذنوبِ معَ طهارةِ أنفسِهم وذواتِهم، فإنّهم (عليهم السلام) يرونَ المعاصي على واقعِها ويرونَ نتائجَها ومفاسدَها مع طهارةِ أنفسِهم وشرافتِها. فالعصمةُ لا تسلبُ قدرةَ المعصومِ على المعصية، بل المعصومُ قادرٌ على فعلِ المُحرّمات، وقادرٌ على تركِ الواجبات، إلّا أنّه معَ قُدرتِه على ذلكَ فإنّه لا يتركُ الواجباتِ ولا يفعلُ المُحرّمات، فالعصمةُ لا تسلبُ قدرةَ المعصومِ على المعصيةِ حتّى يستلزمَ الجبرَ على الطاعاتِ فيبطلُ التكليف، أي أنَّ العصمةَ تكونُ في ظرفِ القدرةِ والاختيار، لا أنّها تجعلُ المعصومَ موجَباً عاجزاً فاقداً للاختيارِ والقدرة. وبهذا صرّحَ العلماءُ ـ كما تقدّمَ نقلُ بعضِ كلماتِهم ـ، فهُم ينصّونَ على أنّ المعصومَ قادرٌ على المعصيةِ، ولكن لا تصدرُ عنه المعصيةُ لطهارةِ نفسِه وعلمِه بالمفاسدِ، فالمعاصي بالنسبةِ للمعصومِ كالقاذوراتِ بالنسبةِ لسائرِ الناس، فكما أنّ الناسَ طيّبيّ النفسِ لا يُقدِمونَ على تناولِ القاذوراتِ كذلكَ لا يُقدِمُ المعصومُ على المعاصي.
اترك تعليق