ما معنى ودلالةُ الكتابةِ على بابِ الجنّة « فاطمةُ أمةُ الله »؟

: - اللجنة العلمية

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

ينبغي الكلامُ حولَ هذا الحديثِ الشريفِ في مقامين:

 المقامُ الأوّل: مصادرُ الحديث: روى الشيخُ الصدوقُ في [الخصالِ ص323]، وابنُ شاذانَ في [المائةِ منقبة ص87]، وابنُ مردويه في [مناقبِ عليٍّ ص67]، والخوارزميّ في [مقتلِ الحُسين ص108] بالإسنادِ عن الإمامِ موسى الكاظمِ (عليهِ السلام)، عن آبائِه (عليهم السلام)، قالَ: قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « أدخلتُ الجنّةَ، فرأيتُ على بابِها مكتوباً بالذهب: (لا إلهَ إلّا الله، محمّدٌ حبيبُ الله، عليٌّ وليّ الله، فاطمةُ أمةُ الله، الحسنُ والحُسين صفوةُ الله، على مُبغضيهم لعنةُ الله) ».

وروى الشيخُ الطوسيّ في [الأمالي ص355]، وابنُ عساكرَ في [تاريخِ دمشق ج14 ص170]، والموفّقُ الخوارزميّ في [المناقبِ ص302]، والكنجي الشافعيّ في [كفايةِ الطالب ص274]، بالإسنادِ عن ابنِ عبّاس، قالَ: قال رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « لمّا عُرجَ بي إلى السماءِ، رأيتُ على بابِ الجنّةِ مكتوباً: (لا إلهَ إلّا الله، محمّدٌ رسولُ الله، عليٌّ حبيبُ الله، الحسنُ والحُسين صفوةُ الله، فاطمةُ أمةُ الله، على باغضِهم لعنةُ الله) ».

ورواهُ الخطيبُ البغداديّ في [تاريخِ بغداد ج1 ص274] وفيه: « فاطمةُ خيرةُ الله ».

 المقامُ الثاني: دلالةُ الحديث: يحتوي الحديثُ على معانٍ شريفةٍ، ومفاهيمَ كثيرةٍ، نذكرُ بعضَها:

 أوّلاً: إنّ الكلماتِ تمثّلُ الاعتقادات؛ (التوحيدُ، والنبوّةُ، والإمامةُ، والاصطفاء)، فكلمةُ « لا إلهَ إلّا الله » تمثّلُ التوحيدَ، و « محمّدٌ رسولُ الله » تمثّلُ النبوّة، و « عليٌّ حبيبُ الله، الحسنُ والحسينُ صفوة الله » تمثّلُ الإمامة، « فاطمةُ أمةُ الله » تمثّلُ الاصطفاءَ الذي لا يكونُ نبوّةً ولا إمامةً، كما هو شأنُ السيّدةِ مريم (عليها السلام) وغيرِها.

 ثانياً: إنّ هذهِ الكلماتِ تمثّلُ جانبي الولايةِ والبراءةِ، فالكلماتُ الخمسُ تمثّلُ جانبَ التولّي، والكلمةُ السادسة « على مُبغضيهم [باغضهم] لعنةُ الله » تمثّلُ جانبَ البراءةِ مِن أعدائِهم، وكلٌّ منَ الولايةِ والبراءة يمثّلانِ جناحي الاعتقادِ الصّحيح، فلا ولايةَ بلا براءة ولا براءةَ بلا ولاية.

 ثالثاً: ذكرُ الخمسةِ (محمّدٌ وعليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسين) الذينَ هُم أصحابُ الكساء، دونَ سائرِ الأئمّةِ (عليهم السلام) يشيرُ إلى خصوصيّتِهم وكمالِهم الذي هوَ فوقَ سائرِ الأئمّةِ (عليهم السلام)، فضلاً عن سائرِ الأنبياءِ (عليهم السلام).

 رابعاً: الحديثُ الأوّلُ يذكرُ « فاطمةُ أمةُ الله » قبلَ كلمةِ « الحسنُ والحسينُ صفوةُ الله »، وهوَ يشيرُ لنحوٍ منَ الرفعةِ والتقدّمِ والكمال، وهذا يشهدُ له رواياتٌ، مِن جُملتِها: رواياتُ الخلقةِ النوريّة؛ إذ إنّ نورَها (عليها السلام) مُتقدّمٌ وجوداً على وجودِ ولديها (عليهما السلام).

 خامساً: كتابةُ هذه الكلماتِ على بابِ الجنّةِ يشيرُ إلى أنّها شرطٌ في دخولِ الجنّة، فلا يمرُّ مِن بابِها شخصٌ لا يعتقدُ بهذهِ الكلمات، فأصحابُ الكساءِ (عليهم السلام) شرطٌ لدخولِ الجنّةِ والتنعّمِ بنعيمِها، فمَن لا يقرُّ بهم ولا يبرأ مِن عدوِّهم لا يمكنُه عبورُ هذا الباب.

 سادساً: الكتابةُ بالذهبِ يدلُّ على العظمةِ والأبّهةِ والجلالةِ والمجدِ والكرامة، فالكتابةُ بالذهبِ بطبعِه يدلّ على الفخامةِ والقدرِ، ويُقالُ عندَ بيانِ رفعةِ شأنِ بعضِ العبارات: « يُكتبُ بماءِ الذهب » ونحوِه، وقد استعملَها الأئمّةُ (عليهم السلام) في بعضِ المواردِ، مِنها ما رُويَ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « نفسُ المهمومِ لظُلمِنا تسبيحٌ، وهمُّه لنا عبادةٌ، وكتمانُ سرِّنا جهادٌ في سبيلِ الله »، ثمَّ قال (عليهِ السلام): « يجبُ أن يُكتبَ هذا الحديثُ بماءِ الذهب » قالَ العلّامةُ المجلسيّ: « الظاهرُ أنّ الغرضَ بيانُ رفعةِ شأنِ الخبر ».

 سابعاً: ذكرُ كلمةِ « فاطمةُ أمةُ الله » دونَ سائرِ النساء، يدلُّ على أفضليّتِها على سائرِ نساءِ العالمينَ منَ الأوّلينَ والآخرين، وقد جاءَت في ذلكَ رواياتٌ لدى الفريقين، ونصَّت الرواياتُ على أفضليّتِها على السيّدةِ مريم والسيدةِ آسيا وغيرِهما من كُمّلِ النساء.

 ثامناً: كلمةُ (أمةُ الله) تُقالُ للأنثى كما يُقالُ للذكرِ (عبدُ الله)، وكلمةُ « فاطمة أمةُ الله » جيءَ فيها بهذهِ الصّفةِ الشامخةِ الدالّةِ على العبوديّةِ المحضةِ للهِ تعالى الذي هوَ أوّلُ الكمالاتِ وأسناها وأشرفها.وقالَ الشيخُ جواد الكربلائيّ في [الأنوارِ الساطعة ج3 ص202] حولَ هذه الكلمة: « وأمّا في بعضِ الأحاديثِ مِن قوله: « فاطمةُ (عليها السّلام) أمةُ الله »، فحاصلهُ: أنّ الأمةَ في النسوةِ كالعبدِ الحقيقيّ في الرجال، فكما أنّ العبوديّةَ الكاملةَ، التي هيَ حقيقةُ العبدِ الحقيقي هيَ أعلى مقام، وأعلى مِن صفةِ الرسالة، لذا قُدِّمَت عليها كما تقدّم، فكذلكَ صفةُ الأمتيّةِ هي حقيقةُ العبوديّة، وبما أنّها (صلواتُ اللَّهِ عليها) مظهرٌ وحيدٌ للعصمة، ومظهرُ الاسمِ الخفيّ الإلهيّ الذي تسري منهُ الألطافُ الخفويّة الإلهيّة فهيَ (عليها السّلام) في جميعِ شؤونِها مخفيّةٌ ولذا قيلَ في حقّها: « المجهولةُ قدرها »، وذلكَ لخفائِها عن الأفهامِ والبصائر . ولهذهِ الجهةِ عبّرَ عنها (عليها السّلام) بالأمةِ مُضافةً إلى اللهِ تعالى، وصفةُ الأمةِ للهِ تعالى عنوانٌ لمقامِها الذي هوَ تلو مقامِ الولاية، غايةُ الأمرِ عبّرَ عنها بالأمةِ للهِ تعالى، رزقَنا اللهُ تعالى معرفتها.

 فمعنى كتابتِها عليها هوَ أنّ حقيقتَها (عليها السّلام) بما هيَ أمةٌ للهِ تعالى ظاهرةٌ في الجنّةِ لأهلِها، وأنّها مُتّصفةٌ بحقيقةِ العبوديّةِ التي هيَ منشأ جميعِ المقاماتِ كما تقدّم، إلّا أنّه لعصمتِها عبّرَ عنها بالأمةِ كما لا يخفى، واللهُ العالمُ بحقائقِ الأمور »، انتهى.