ما صحة رواية ( “إذا رأيتمْ عمودًا أحمرَ منْ قِبلَ المشرقِ في شهرِ رمضانَ فادَّخِروا طعامَ سنتِكم ، فإنَّها سنةُ جوعٍ”، فما صحة هذا الحديث و ماهو تفسيره ؟)
كثر في هذه الأيّام حديث ينتشر بين المسلمين، حديث منسوب للنبي صلى الله عليه وسلّم، يقول الحديث: “إذا رأيتمْ عمودًا أحمرَ منْ قِبلَ المشرقِ في شهرِ رمضانَ فادَّخِروا طعامَ سنتِكم ، فإنَّها سنةُ جوعٍ”، فما صحة هذا الحديث و ماهو تفسيره ؟
السّلامُ عليكُم ورحمة الله:
هذهِ الرّوايةُ وردَت في مصادرِ العامّةِ كما في كتابِ (الفتنِ لنُعيم بنِ حمّاد: ٢٣١ ح٦٤٩)، وعنهُ السّيوطيّ في الجامعِ الصّغيرِ، بسندِه إلى خالدٍ بنِ معدان قالَ: إذا رأيتُم عموداً مِن نارٍ مِن قِبلِ المشرقِ في شهرِ رمضانَ في السّماءِ فأعدّوا منَ الطّعامِ ما إستطعتُم فإنّها سنةُ جوع.
وأمّا عَن طريقِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام فلم نجِد لها أثراً ما بهذا النصّ. نعَم، يوجدُ لها شاهدانِ مِن جهةِ قضيّةِ النّارِ مِن قِبلِ المشرقِ، الأوّلُ: ما رواهُ الشّيخُ النّعمانيّ في كتابِه الغيبة (٢٦٠ ب١٤ ح١٣): عنِ الإمامِ الباقرِ صلواتُ اللهِ عليه أنّه قالَ: عَن أبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليٍّ (عليهما السّلام)، أنّهُ قالَ: إذا رأيتُم ناراً منَ المشرقِ شبهَ الهردي العظيمِ تطلعُ ثلاثةَ أيّامٍ أو سبعةً فتوقّعوا فرجَ آلِ محمّدٍ (عليهم السّلام) إن شاءَ اللهُ عزَّ وجلَّ إنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم.
والآخرُ وردَ على لسانِ الإمامِ الصّادقِ عليه السّلام قالَ: إذا رأيتُم علامةً في السّماءِ ناراً عظيمةً مِن قِبلِ المشرقِ تطلعُ ليالٍ، فعندَها فرجُ النّاسِ، وهيَ قدّام القائمِ (عليهِ السّلام) بقليل. (غيبةُ النّعماني: ٢٧٤ ب١٤ ح٣٧).
وكما ترى فإنّ هذينِ الشّاهدينِ لا يُشيرانِ إلى الجوعِ ولا يشيرانِ إلى توقيتِ ذلكَ بشهرِ رمضانَ، مع تأكيدِهما على الإرتباطِ بفرجِ آلِ محمّدٍ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، ومنَ الواضحِ أنّ المشرقَ بالنّسبةِ إلى جهةِ الإمامينِ الصّادقين عليهما السّلام هوَ مشرقُ الجزيرةِ العربيّةِ، مِن دونِ تحديدٍ لموضعِ هذا المشرقِ هَل هوَ في حدودِ الجزيرةِ أو في الخليجِ أو فيما يليه، ولكنَّ القدرَ المُتيقّنَ أنّ هذهِ النّارَ ستكونُ بوّابةً عظيمةً للفرجِ، وهوَ مـمّا يعني إنتهاءَ أزمةٍ لعمومِ النّاس.
وقد يراد من النّيرانَ الواردةَ في هذا الحديثِ حصولَ حربٍ عظيمةٍ، وأنَّ الفرجَ لا يأتي مِن مُجرّدِ حريقٍ مهما بلغَ شأنُه، كما أنَّ الجوعَ هوَ الآخرُ لا يأتي مِن خروجِ نارٍ لأسبابٍ طبيعيّةٍ، فالحديثُ – إذن – يُحذّرُ مِن تعرّضِ الأمّةِ الإسلاميّةِ إلى أزمةٍ كبيرةٍ تنتهي باندلاعِ الحروبِ الفتّاكةِ التي تُلهبُ المنطقةَ بالنّيرانِ المُشتعلةِ والتي تُسبّبُ الدّمارَ لحياةِ النّاسِ، بحيثُ يكونُ لهذهِ النّيرانِ أثرٌ واضحٌ يتحقّقُ على إثرِه الفرجُ مِن بعدِ إندلاعِها، وهذا يعني أنّ النّيرانَ ستأكلُ عدوَّ النّاسِ والمُتسبّبُ بالضّررِ لآلِ محمّدٍ صلواتُ اللهِ عليهم، ولعلّها في هذهِ المُعطياتِ تلتقي معَ روايةِ أهلِ المشرقِ الواردةِ عنِ الإمامِ الباقرِ عليه السّلام لـمّا قالَ: كأنّي بقومٍ قد خرجوا بالمشرقِ يطلبونَ الحقَّ فلا يُعطونَه، ثمَّ يطلبونَه فلا يعطونَه، فإذا رأوا ذلكَ وضعوا سيوفَهم على عواتقِهم فيُعطونَ ما سألوه فلا يقبلونَه حتّى يقوموا ولا يدفعونَها إلّا إلى صاحبِكم قتلاهُم شهداء أما إنّي لو أدركتُ ذلكَ لاستبقيتُ نفسي لصاحبِ هذا الأمرِ. (غيبةُ النّعمانيّ: ٢٧٩-٢٨٠ ب١٤ ح٥٠)، وهوَ مـمّا يكشفُ لنا أنَّ النّارَ لهم وأنّها ستلحقُ بعدوّهم، وهيَ مُتّحدةُ المضامينِ في شأنِ قُربِها منَ الظّهورِ الشّريف. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق