ما معنى قولِه تعالى : { يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ ، ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً ، فَادخُلِي فِي عِبَادِي ، وَادخُلِي جَنَّتِي } [الفجر 30] . 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

قالَ الطّبرسيّ :  

( يا أيّتُها النّفسُ المُطمئنّةُ ) بالإيمانِ المُؤمنةُ المُوقنةُ المُصدّقةُ بالثّوابِ والبعثِ ، والطّمأنينةُ: حقيقةُ الإيمانِ ، عنِ الحسنِ ومُجاهد . وقيلَ المُطمئنّةُ : الآمنةُ بالبشارةِ بالجنّةِ عندَ الموتِ ، ويومَ البعثِ ، عَن إبنِ زيدٍ . وقيلَ النّفسُ المُطمئنّةُ : التي يبيضُّ وجهُها ويُعطى كتابُها بيمينِها ، فحينئذٍ تطمئنُّ ، عنِ الكلبيّ وأبي روق .  

( إرجعي إلى ربِّك ) أي يُقالُ لها عندِ الموتِ ، عَن أبي صالحٍ . وقيلَ : عندَ البعثِ ، عَن عكرمةَ ، والضّحّاكِ : إرجعي إلى ثوابِ ربِّك ، وما أعدّهُ لكِ منَ النّعيمِ ، عنِ الحسنِ . وقيلَ : إرجعي إلى الموضعِ الذي يختصُّ اللهُ سبحانَه بالأمرِ والنّهي فيهِ دونَ خلقِه . وقيلَ : إنَّ المُرادَ إرجعي إلى صاحبِك وجسدِك ، فيكونُ الخِطابُ للرّوحِ أن ترجعَ إلى الجسدِ ، عَن إبنِ عبّاسٍ .  

( راضيةً ) بثوابِ اللهِ ( مرضيّةً ) أعمالُها التي عملَتها . وقيلَ : راضيةً عنِ اللهِ بما أعدَّ اللهُ لها ، مرضيّةً رضيَ عنها ربُّها بما عملَت مِن طاعتِه . وقيلَ : راضيةً بقضاءِ اللهِ في الدّنيا ، حتّى رضيَ اللهُ عنها ، ورضيَ بأفعالِها وإعتقادِها .  

( فأدخُلي في عبادي ) أي في زُمرةِ عبادي الصّالحينَ المُصطفينَ الذينَ رضيتُ عنهُم . وهذهِ نسبةُ تشريفٍ وتعظيم . 

( وأدخلي جنّتي ) التي وعدتُكم بها ، وأعددتُ نعيمَكم فيها . (مجمعُ البيانِ للطّبرسي : 10 / 355) . 

 

روى إبنُ الماهيار بسندِه عَن داودَ بنِ فرقدٍ قالَ : قالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السّلام : إقرأوا سورةَ الفجرِ في فرائضِكم ونوافلِكم فإنّها سورةُ الحسينِ بنِ عليٍّ ، وإرغبوا فيها رحمَكُم الله .  

فقالَ له أبو أسامةَ - وكانَ حاضِراً المجلسَ - : كيفَ صارَت هذهِ السّورةُ للحُسينِ خاصّة ؟ 

فقالَ : ألا تسمعُ إلى قولِه تعالى ( يا أيّتُها النّفسُ المُطمئنّةُ إرجعي إلى ربّكِ راضيةً مرضيّةً فأدخلي في عبادي وأدخلي جنّتِي ) ؟ إنّما يعني الحسينَ بنَ عليٍّ صلواتُ اللهِ عليهما ، فهوَ ذو النّفسِ المُطمئنّةِ الرّاضيةِ المرضيّةِ ، وأصحابُه مِن آلِ محمّدٍ صلواتُ اللهِ عليهم الرّاضونَ عنِ اللهِ يومَ القيامةِ وهوَ راضٍ عنهم . 

وهذهِ السّورةُ [ نزلَت ] في الحسينِ بنِ عليٍّ وشيعتِه وشيعةِ آلِ محمّدٍ خاصّةً ، مَن أدمنَ قراءةَ " الفجرِ " كانَ معَ الحسينِ في درجتِه في الجنّةِ ، إنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم . (تأويلُ الآياتِ الظّاهرة : 2 / 366) . 

وروى القُمّي بسندِه عَن أبي بصيرٍ عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام في قولِه : { يا أيّتُها النّفسُ المُطمئنّةُ إرجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيّةً فادخُلي في عبادِي وأدخلي جنّتي } يعني الحسينَ بنَ عليٍّ عليهما السّلام . (تفسيرُ القُمّي : 2 / 422) . 

وروى البُرقيّ بسندِه عن مصعبٍ الكوفيّ ، عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام أنّهُ قالَ لسديرٍ : والذي بعثَ مُحمّداً بالنّبوّةِ وعجّلَ روحَه إلى الجنّةِ ما بينَ أحدِكم وبينَ أن يغتبطَ ويرى السّرورَ أو تبينَ لهُ النّدامةُ والحسرةُ إلّا أن يُعاينَ ما قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابِه : " عنِ اليمينِ وعنِ الشّمالِ قعيدٌ " وأتاهُ ملكُ الموتِ يقبضُ روحَه فيُنادى روحَه فتخرجُ مِن جسدِه ، فأمّا المؤمنُ فما يحسُّ بخروجِها وذلكَ قولُ اللهِ تباركَ وتعالى { يا أيّتُها النّفسُ المُطمئنّةُ ، إرجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيّةً ، فادخلي في عبادي ، وأدخلي جنّتي } ثمَّ قالَ : ذلكَ لمَن كانَ ورعاً مواسياً لإخوانِه وَصولاً لهُم ، وإن كانَ غيرَ ورعٍ ولا وصولاً لإخوانِه قيلَ له : ما منعكَ منَ الورعِ والمواساةِ لإخوانِك ؟ أنتَ ممَّن إنتحلَ المحبّةَ بلسانِه ولم يصدُق ذلكَ بفعلٍ ، وإذا لقى رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وأميرَ المؤمنينَ صلواتُ اللهِ عليهِ لقيهُما مُعرضينِ ، مُقطّبينِ في وجهِه ، غيرَ شافعينِ له ، قالَ سديرٌ : مَن جدعَ اللهُ أنفَه ، قالَ أبو عبدِ اللهِ عليه السّلام فهوَ ذلكَ . (المحاسنُ للبُرقي : 1 / 177) .

وروى الكُلينيّ بسندِه عن سديرٍ الصّيرفي قالَ : قلتُ لأبي عبدِ اللهِ ( عليهِ السّلام ) : جُعلتَ فداكَ يا ابنَ رسولِ اللهِ هَل يُكرهُ المؤمنُ على قبضِ روحِه قالَ : لا واللهِ إنّه إذا أتاهُ ملكُ الموتِ لقبضِ روحِه جزعَ عندَ ذلكَ فيقولُ لهُ ملكُ الموتِ : يا وليَّ اللهِ لا تجزَع فوالذي بعثَ محمّداً ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) لأنا أبرُّ بكَ وأشفقُ عليكَ مِن والدٍ رحيمٍ لو حضرَك ، إفتَح عينَك فانظُر قالَ : ويُمثّلُ له رسولُ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) وأميرُ المؤمنينَ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ والأئمّةُ مِن ذُرّيّتِهم ( عليهما السّلام ) فيقالُ له : هذا رسولُ اللهِ وأميرُ المؤمنينَ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ والأئمّةُ ( عليهما السّلام ) رفقاؤك ، قالَ : فيفتحُ عينَه فينظرُ فيُنادي روحَه مُنادٍ مِن قِبلِ ربِّ العزّةِ فيقولُ : { يا أيّتُها النّفسُ المُطمئنّةُ ( إلى محمّدٍ وأهلِ بيتِه ) إرجعي إلى ربِّك راضيةً ( بالولايةِ ) مرضيّةً ( بالثّوابِ ) فادخُلي في عبادي ( يعني محمّداً وأهلَ بيتِه ) وادخلِي جنّتي } فما شيءٌ أحبُّ إليهِ مِن إستلالِ روحِه واللّحوقِ بالمُنادي . (الكافي للكُليني : 3 / 127) .