ما هيَ علاقةُ الهرمنيوطيقا بتفسيرِ النّصِّ الدّينيّ؟

ما هيَ علاقةُ الهرمنيوطيقا بتفسيرِ النّصِّ الدّينيّ؟ نلاحظُ في هذهِ الفترةِ مَن يدعو إلى تفسيرِ القرآنِ تفسيراً حداثيّاً بحجّةِ أنَّ الأدواتِ المعرفيّةَ إختلفَت عمّا هوَ قديمٌ، فهَل جائزٌ تفسيرُ القرآنِ بحسبِ المبادئِ والمناهجِ الحديثة؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

إهتمامُ الهرمنيوطيقا في الأساسِ مُنصبٌّ على تفسيرِ النّصوصِ وتأويلِها، ومِن هُنا حاولَ البعضُ توظيفَها في تفسيرِ النّصِّ الدّينيّ، إلّا أنَّ الإشكاليّةَ التي تجعلُنا نتوقّفُ في قبولِ هذهِ النّظريّةِ هوَ عدمُ إعترافِها بوجودِ معانٍ يحتفظُ بها النّصُّ، بمعنى أنَّها تتعاملُ معَ القرآنِ بوصفِه إطاراً لغويّاً فارغاً مِن أيّ دلالاتٍ أرادَ اللهُ إيصالَها للإنسانِ، وإنّما المعاني هيَ التي يوجدُها المُفسّرُ بحسبِ الأفقِ الثّقافيّ الذي يحمله، وبخاصّةٍ أنَّ الهرمنيوطيقا التي يُروّجُ لها في العالمِ الإسلاميّ هيَ الهرمنيوطيقا الفلسفيّةُ التي نظّرَ لها الفيلسوفُ الألمانيّ مارتن هيدجر وتلميذُه غادامير، وهيَ بخلافِ الهرمنيوطيقا الكلاسيكيّةِ التي عملَ عليها شلاير ماخر، حيثُ كانَ يعملُ على تأسيسِ منهجٍ يعصمُ المُفسّرَ منَ الخطأ، أي أنّهُ كانَ مُسلّماً بوجودِ معانٍ يحتفظُ بها النّصُّ، ووظيفةُ الهرمنيوطيقا حينَها هيَ الكشفُ عَن تلكَ المعاني، وهذا ما لا يمكنُ رفضُه طالما أقامَ المنهجَ على أسسٍ علميّةٍ مقبولةٍ عندَ العُقلاءِ، أمّا الهرمنيوطيقا الفلسفيّةُ فإنّها تُجرّدُ النّصَّ مِن أيّ معانٍ مُسبقةٍ وتمنحُ المُفسّرَ أو المؤوّلَ وضعَ المعاني بحسبِ الأفقِ الثّقافي الذي يحمله، فالنّصُّ في نظرِ الهرمنيوطيقا الفلسفيّةِ لهُ إستقلاليّتُه الخاصّة بعيداً عنِ الذي أوجدَه وأبدعَه، وبالتّالي يتحوّلُ النّصُّ إلى وجودٍ موضوعيٍّ مُستقلٍّ عَن قائلِه، وعندَها تكونُ مُهمّةُ المُفسّرِ أو المُؤوّلِ هيَ البحثُ عَن هذا المعنى الخاصِّ بالنّصِّ بوصفِه لغةً مُحايدةً لا تنتمي إلى المُبدعِ، وبهذا تُحرّرُ الهرمنيوطيقا الفلسفيّةُ المعنى مِن قصدِ المُؤلّفِ وما أرادَ إيصاله مِن خلالِ هذا النّصِّ، فيصبحُ النّصُّ خاضعاً لحركةٍ مُتجدّدةٍ بحسبِ ما يفرضُه الزّمانُ مِن مبادئَ معرفيّةٍ وثقافيّةٍ، فالمعنى عندَهم ليسَ حقيقةً ثابتةً يتمُّ كشفُها كما هيَ داخلَ النّصِّ، وإنّما المُفسّرُ هوَ الذي يفهمُ المعنى ضمنَ سياقِه الآنيّ وتجربتِه الخاصّةِ ومفاهيمِه المُسبقةِ، وبذلكَ تنقلبُ العمليّةُ التّفسيريّةُ رأساً على عقب فبدلَ أن يكونَ مُفسِّراً للنّصِّ وكاشفاً عَن مضامينِه، يصبحُ مُحمِّلاً النّصّ  معانيَ جديدةً لم تكُن في قصدِ المُؤلّفِ والمُبدعِ، حيثُ يتدخّلُ المُفسّرُ في صناعةِ المعنى بكلِّ ما يحمله مِن نوازعَ ومفاهيمَ مُسبقةٍ وتجاربَ حاضرةٍ، تلكَ النّوازعُ التي إعتبرَتها مناهجُ التّفسيرِ المُتّبعةِ عندَنا عواملَ سلبيّةً تمنعُ مِن رؤيةِ الحقيقةِ بشكلٍ موضوعي.  

وبهذا ففي النّظريّة التّفسيريّة يفقدُ النّصُّ معناه الذي وُجدَ مِن أجلِه، ويصبحُ له وجودٌ مُتجدّدٌ بحسبِ الأفقِ الثّقافيّ الذي يُفسّرُه، وهكذا تؤسّسُ لنسبيّةٍ مُطلقةٍ في فهمِ النّصِّ، فتصبحُ كلُّ التّفاسيرِ صحيحةً حتّى وإن كانَت مُتباينةً ومتناقضةً، ولو إعتُمدت هذهِ المنهجيّةُ التّفسيريّةُ لفهمِ القرآنِ الكريمِ تؤدّي حتماً إلى ضياعِ شيءٍ يُسمّى إسلام.  

أمّا الشّقُّ الآخرُ منَ السّؤالِ وهوَ إمكانيّةُ تفسيرِ القرآنِ بحسبِ المبادئ والمناهجِ الحديثةِ، فإنَّ الضّابط في الأمرِ هوَ الإعترافُ بما يحمله القرآنُ مِن معانٍ ودلالاتٍ أرادَ اللهُ إيصالَها للإنسانِ، وبالتّالي نرفضُ كلَّ منهجيّةٍ تقومُ على الذّاتيّةِ التي لا تعترفُ بالحقائقِ الموضوعيّةِ، فكلُّ منهجٍ يقومُ على إمكانيّةِ المعرفةِ الموضوعيّةِ وفقاً للضّوابطِ العُقلائيّةِ لا إشكالَ فيه طالَما يتمكّنُ مِن إقامةِ البرهانِ المنطقيّ على نتائجِه.