المساحةُ الحاليّةُ لقبورِ الشّهداءِ لا تتجاوزُ 6 أمتارٍ، فكيفَ إستوعبَت هذهِ المساحةُ أجسادَهم الطاهرةَ؟ وما هوَ الدّليلُ على ذلك؟ 

: السيد عبدالهادي العلوي

السّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته، 

يظهرُ مِن مجموعِ كلماتِ المؤرّخينَ وأربابِ السيرِ والمقاتلِ أنَّ شهداءَ كربلاء رضوانُ اللهِ تعالى عليهم ـ ما عدا الذينَ لهم قبورٌ خاصّة ٌمعلومةٌ، كأبي الفضلِ العبّاسِ عليه السّلام ـ دُفنوا مُجتمعينَ، لا أنّ كلَّ واحدٍ منهُم دُفنَ في قبرٍ خاصٍّ.. ولكن إختُلفَ في كيفيّةِ دفنِهم مُجتمعينَ، فقيلَ: حُفرَت لهُم حفيرةٌ واحدةٌ كبيرةٌ ممّا يلي رجليّ الإمامِ الحُسينِ عليه السّلام وأُلقوا فيها جميعاً وسُوِّي عليهم التراب. وقيلَ: حُفرَت أكثرُ مِن حفيرةٍ، إختصّ الهاشميّونَ بواحدةٍ منها ممّا يلي رجليّ الإمامِ عليهِ السّلام. [ينظر: الإرشادُ ج2 ص114، المُنتخب ج1 ص37، بطلُ العلقمي ج3 ص258، وغيرُها].  

والقدرُ المُتيقّنُ أنّ دفنَ الشّهداءِ قد تمَّ بشكلٍ مجموعيّ، وأنّهم دُفنوا ممّا يلي رجلَي الإمامِ عليه السّلام، وأنّ الحائرَ الحُسينيّ مُحيطٌ بهم، وأنّه لا توجدُ لهم أجداثٌ على الحقيقةِ، ولهذا جاءَ في زياراتِهم أنَّ الزائرَ يزورُهم مِن عندِ رجلي الإمامِ عليهِ السّلام مُشيراً إلى الأرض.  

هذا هوَ المقدارُ المُتيقّنُ في كيفيّةِ دفنِ الشّهداءِ ممّا يُستفادُ منَ النّصوصِ التاريخيّةِ.. وأمّا مساحةُ مدفنِهم رضوانُ اللهِ عليهم فلا يمكنُ الجزمُ بمقدارٍ معيّنٍ، فإنّه كما يحتملُ أن تكونَ الحفيرةُ عميقةً بحيثُ تسعُ أجسادَهم الطاهرةَ فلا ضرورةَ لأن تكونَ مساحتُها كبيرةً فيكونُ الضّريحُ الخاصّ بهم مُحيطاً بأجسادِهم، كذلكَ يمكنُ أن يكونَ هذا الضّريحُ الخاصُّ قد جُعلَ علامةً لموضعِ دفنِهم ليُزاروا فيها معَ إحتمالِ أن يكونَ بعضُ الشّهداءِ مدفونينَ خارجَ الضّريحِ، ولهذا يتحاشى العلماءُ العارفونَ العبورَ منَ البقعةِ الكائنةِ بينَ ضريحِ سيّدِ الشهداءِ عليه السّلام وضريحِ الشهداءِ رضوانُ اللهِ عليهم؛ لأنّ هذهِ البُقعةَ مظنّةٌ لأن تكونَ موضعَ دفنِ بعضِ الشّهداءِ، فيحتاطونَ في المشي بهذهِ البُقعةِ إحتراماً لأولئكَ الشّهداءِ الكرامِ. قالَ السيّدُ مُحسنٌ الأمين في [المجالسِ السنيّةِ ج1 ص128]: « وحفروا للشّهداءِ مِن أهلِ بيتِه ولأصحابِه الذينَ صرعوا حوله ممّا يلي رجلَي الحُسينِ عليه السّلام، فجمعوهم ودفنوهم في حفيرةٍ واحدةٍ، وسوّوا عليهم التّرابَ، ولذلكَ يمتنعُ أهلُ المعرفةِ منَ المرورِ مِن جهةِ رجليّ الحُسينِ عليه السّلام، خوفاً منَ المشي فوقَ قبورِهم الشريفةِ ». 

ولمزيدٍ منَ التّفصيلِ يلاحظُ ما كتبَه بعضُ المعاصرينَ حولَ دفنِ شهداءِ واقعةِ الطفِّ، دراسةٌ تاريخيّةٌ تحليليّة. 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.