مرضُ الإمامِ زينِ العابدين (ع)  

603 - ما نوعُ مرضِ الإمامِ السجّاد ع في الطفِّ وهل روايةُ الإمامِ الباقر (ع) صحيحةُ السّندِ التي تذكرُ أنّه مبطون؟ وفيه داءُ الذّرب؟ وهل يُحمَلُ المبطونُ فيها على المعنى المذكورِ في الرّسالةِ العمليّة ؟   

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

تسالمَ المؤرّخونَ أنّ الإمامَ زينَ العابدين (ع) كانَ مريضاً في كربلاء، منعُه مرضُه منَ القتال، بحيثُ أشرفَ على الموتِ مِن شدّته.  

ولكن ما هوَ مرضُه؟   

قيلَ: أنّهُ كانَ مبطوناً، وقد وردَ ذلكَ في روايةٍ رواها الصفّارُ والكُليني بإسنادٍ صحيحٍ إلى أبي الجارودِ عن الإمامِ الباقر (ع) قالَ: إنَّ الحُسينَ بنَ عليٍّ عليه السّلام لمّا حضرَه الذي حضرَه دعا ابنتَه الكُبرى فاطمةَ ابنةَ الحُسين (ع)، فدفعَ إليها كتاباً ملفوفاً، ووصيّةً ظاهرة، وكانَ عليٌّ بنُ الحُسين (ع) مبطوناً معهم، لا يرونَ إلّا لما به، فدفعَت فاطمةُ الكتابَ إلى عليٍّ بنِ الحُسين (ع)، ثمَّ صارَ ذلكَ الكتابُ واللهِ إلينا. (بصائرُ الدّرجاتِ للصفّار، ص183، الكافي للكليني: 1 / 291 و 303).  

وأبو الجارودِ، زيادٌ بنُ المنذرِ الكوفي الأعمى، زيديُّ المذهب، ذهبَ السيّدُ الخوئي إلى وثاقتِه، لشهادةِ المُفيدِ في الرسالةِ العدديّة، وكونِه مِن رجالِ تفسيرِ القُمّي. (معجمُ رجالِ الحديث، للخوئي: 8 / 335).  

فالروايةُ على مبنى السيّدِ الخوئي مُعتبرةُ الإسناد.  

ويؤيّدُه: ما رويَ عن عليٍّ بنِ أسباط : عَن بعضِ أصحابِه رواهُ قال: إنَّ أبا جعفرٍ عليهِ السّلام قال: كان أبي مبطوناً يومَ قُتلَ أبوه صلواتُ اللهِ عليهما وكانَ في الخيمة. (بحارُ الأنوار: 45 / 91).  

معنى المبطون:  

والمبطونُ لغةً: الذي يشتكي بطنَه، العليلُ البطن.  

كما أنّ المصدورَ هو الذي يشتكي صدرَه، والمجنوبُ هو الذي به ذاتُ الجنب، والمفؤود: الذي يشتكي فؤادَه. (لاحظ: غريبُ الحديث، لابن قتيبة: 1 / 100، أساسُ البلاغةِ للزمخشري، ص52، الصحاح، للجوهري: 5 / 2080، لسانُ العربِ لابن منظور: 9 / 13، و: 13 / 53، معجمُ مقاييسِ اللغة، لابنِ فارس: 1 / 259، فقهُ اللغةِ للثعالبي، ص130، المُخصّصُ لابن سيّده: 1 ق2 / 27، مختارُ الصّحاحِ للرّازي، ص37، مجمعُ البحرين للطريحي: 6 / 215).  

فالمبطونُ لغةً: هو مطلقُ مَن يشتكي مِن بطنه، سواءٌ كانَ مِن إسهال، أو انتفاخٍ في بطنه، أو استسقاءٍ في بطنه (مشاكلُ في الكبدِ تظهرُ آثارُها في البطن) أو غيرِها.   

ويُطلقُ على المحمومِ أيضاً، وهو الذي أصابَه الحُمّى، وفي حديثِ عطّاء: بَطَنت بكَ الحُمَّى أَي أَثَّرَت في باطنك.   

(لاحِظ لسانَ العربِ لابنِ منظور: 13 / 54.)  

وعليه: فما جاءَ في كلامِ الشيخِ المُفيد وتبعَه ابنُ إدريس وغيرُه، مِن أنّ مرضَ الإمامِ زينِ العابدين (ع) هو الذربُ، فإن كانَ مُرادُه هو الإسهال، فلا دليلَ عليه في الرّوايات، إذ هوَ تفسيرٌ للمبطون – الواردِ في روايةِ أبي الجارودِ وغيره - بالاستعمالِ الفقهيّ للمُفردة، وحملٌ على أحدِ أفرادِها ومصاديقها بلا دليلٍ، مضافاً إلى أنّه منفّرٌ، ينزّهُ اللهَ تعالى الإمامَ عنه، في ذلكَ الوقتِ الذي يشحّ فيه الماء، ويشمتُ بهِ الأعداء.   

وإن كانَ مُرادُه منَ الذّربِ هو الداءُ الذي يكونُ في الكبد، بطيءُ البُرء. (تاجُ العروسِ، للزبيدي: 1 / 496، مجمعُ البحرين، للطريحي: 2 / 58) فهو محتملٌ، ومع ذلكَ فلا دليلَ عليه، لأنّ أمراضَ البطنِ غيرُ مُنحصرةٍ بالذرب.  

ويُحتملُ أن يكونَ مرضُه هوَ الحُمّى الشديدة.   

وهناكَ أقوالٌ أخرى في مرضِه، مِن كونِ سببِه إصابتَه بعينٍ شديدة، ولكن لا دليلَ عليه.  

واللهُ العالم.