هل النساءُ والسيّدةُ زينبُ (ع) خرجنَ أمامَ الأعداءِ إلى مصرعِ الحُسين (ع)
وردَ في زيارةِ الناحيةِ المُقدّسة: « خرجنَ منَ الخدور.. » إلى أن يقول: « وإلى مصرعِك مُبادرات »، هل النساءُ والسيّدةُ زينبُ (ع) خرجنَ أمامَ الأعداءِ إلى مصرعِ الحُسين (ع) حسبَ ما وردَ في الزيارة؟ أم خرجنَ بعدَ المعركة؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،نقلَ ابنُ المشهديّ في [المزارِ الكبيرِ ص504ـ 505] زيارةَ الناحيةِ المُقدّسةِ يومَ عاشوراء، وفيها: « فلمّا رأينَ النساءَ جوادَك مخزيّاً، ونظرنَ سرجَك عليهِ ملويّاً، برزنَ منَ الخدورِ، ناشراتِ الشعور، على الخدودِ لاطمات، للوجوهِ سافرات، وبالعويلِ داعيات، وبعدَ العزِّ مُذلّلات ، وإلى مصرعِك مُبادرات ». ومنَ الظاهرِ أنّ المُرادَ بهذهِ الفقرةِ هوَ حصولُ ذلكَ أثناءَ استشهادِ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، لا بعدَ انتهاءِ المعركة، وقد ذكرَ الأعلامُ وجوهاً مُتعدّدةً في تفسيرِ فقرة: « ناشراتِ الشعور »، كأن يكونَ نشرهنَّ لشعورهنَّ في موضعٍ لا يراهنَّ أحدٌ، وأمّا بالنسبةِ لفقرة: « وإلى مصرعِك مُبادرات » ـ كما هوَ الواردُ في نصِّ السؤالِ ـ فنقول: ـ أمّا بالنسبةِ لخروجِ النساءِ إلى مصرعِ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) أثناءَ المعركة: فهوَ ظاهرُ الزيارةِ الشريفةِ؛ إذ فقراتُ الزيارةِ تحكي عمّا جرى أثناءَ المعركةِ لا ما جرى بعدَ المعركة، وظاهرُ السياقِ والتعبيرُ بالجمع « فلمّا رأينَ النساءُ.. وإلى مصرعِك مُبادرات » هوَ خروجُ جميعِ النساءِ، لا خصوصَ السيّدةِ زينب (عليها السلام). وقد قالَ الآقا الدربنديّ في [إكسيرِ العِبادات ج3 ص81]: « إنّ ما تفيدُه كلماتُ أصحابِ المقاتلِ أنّه لم يخرُج منَ الخيامِ، ولم يحضُر عندَ المصرعِ في وقتِ الشهادةِ إلّا زينبُ بنتُ أميرِ المؤمنين، ولكنَّ بعضَ فقراتِ الزيارةِ القائميّةِ صريحٌ في خروجِ جميعِ النساءِ منَ الخيام، ومجيئهنّ إلى ما يقربُ منَ المصرع، ومشاهدتهنَّ كيفيّةَ الشهادةِ، فهذهِ الفقرةُ: (فلمَا رأينَ النساءُ جوادَك...). هذا، ولا يخفى عليكَ أنّ ما في روايةِ أبي مخنفٍ كما نقلناها عنهُ صريحةٌ أيضاً فيما أدّتهُ فقرةُ الزيارة، فيكونُ آخرُ كلامِ الإمامِ ما ذكرَه أبو مخنفٍ منَ الأبياتِ التي خاطبَ النسوان »، انتهى. والظاهرُ أنّه يقصدُ ما نقلَه قبلَ ذلك في [الإكسير ج3 ص73ـ74]: « قالَ: وكلّما قطعَ منه عضواً نادى (عليهِ السلام): (وامحمّداه، واجدّاه، واأبتاه، واحسناه، واجعفراه، واحمزتاه، واعقيلاه، واعبّاساه، واقتيلاه، واقلّة ناصراه، واغربتاه)، ثمّ أنشأ يقول: أيا شمرُ خفِ اللهَ واحفَظ قرابتي * منَ الجدّ منسوباً إلى القائمِ المهدي أيا شمرُ تقتلني وحيدرةُ أبي * وجدّي رسولُ اللهِ أكرمُ مُهتد وفاطمةُ أمّي والزكيُّ ابنُ والدي * وعمّي هوَ الطيّارُ في جنّةِ الخُلد ونادى ألا يا زينبُ ويا سكينة * أيا ولدي مَن ذا يكونُ لكم بعدي ألا يا رُقيّة يا أمّ كلثوم أنتم * وديعةُ ربّي اليومَ قد قربَ الوعد يا شمرُ ارحمَ ذا العليلِ وبعدَه * حريماً بلا كفلٍ يلي أمرَهم بعدي سأبكي لكُم جدّي واسعدُ مَن بكى * على رزئِكم والفوزُ في جنّةِ الخلد سلامٌ عليكم ما أمرَّ فراقَكم * فقوموا لتوديعي فذا آخرُ العهد ». فهذا البيتُ الأخيرُ صريحٌ في طلبِ الإمامِ (عليهِ السلام) مِن حرمِه أن يقمنَ بتوديعِه في آخرِ لحظاتِ حياتِه الشريفة. ـ أمّا بالنسبةِ لخروجِ النساءِ إلى مصرعِ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) بعدَ المعركة: فهوَ أمرٌ معروفٌ ومشهور، نقلَ السيّدُ ابنُ طاووسَ الحلّيّ في [اللهوفِ في قتلى الطفوف ص78]: « فقالَ الراوي: ثمّ أخرجَ النساءَ منَ الخيمةِ، وأشعلوا فيها النارَ، فخرجنَ حواسرَ، مُسلّبات، حافياتٍ، باكيات، يمشينَ سبايا في أسرِ الذلّة، وقلنَ: بحقِّ اللهِ إلّا ما مررتُم بنا على مصرعِ الحُسين (عليهِ السلام)، فلمّا نظرَ النسوةُ إلى القتلى صحنَ وضربنَ وجوههنَّ، قالَ: فواللهِ لا أنسى زينبَ بنتَ عليّ (عليهِ السلام) تندبُ الحُسينَ (عليهِ السلام)، وتُنادي بصوتٍ حزينٍ وقلبٍ كئيب: (يا مُحمّداه، صلّى عليكَ ملائكةُ السماء، هذا حُسينٌ مُرمّلٌ بالدماء، مُقطّعُ الأعضاء، وبناتُك سبايا، إلى اللهِ المُشتكى، وإلى مُحمّدٍ المُصطفى، وإلى عليٍّ المُرتضى، وإلى فاطمةَ الزهراء، وإلى حمزةَ سيّدِ الشهداء... إلى آخرِه ».
اترك تعليق