لماذا لم يحفَظ الأئمّةُ شيعتَهم منَ الاختلافِ بعدَ كلِّ إمام؟
لماذا لم يحفَظ الأئمّةُ شيعتَهم منَ الاختلافِ بعدَ كلِّ إمام؟ وهل اختلافُ فرقِ الشيعةِ دليلٌ على عدمِ وجودِ النصِّ الصّريحِ بأسماءِ الأئمّة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أوّلاً: الإمامةُ كأصلٍ اعتقاديٍّ ثابتةٌ بدلالةِ العقلِ والنقل، وقد فصّلَ علماءُ الشيعةِ ذلكَ في عشراتِ الكتبِ والبحوث، وعليهِ فإنَّ الإمامةَ كضرورةٍ دينيّةٍ قد تمَّ إثباتُها بما لا يدعُ مجالاً للشكّ. ثانياً: ثبتَ بالنصوصِ الصحيحةِ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بأنَّ الأئمّةَ مِن بعدِه إثنا عشرَ إماماً، وقد روى أهلُ السّنّةِ ذلكَ في أصحِّ كتبِهم الحديثيّةِ بأكثرَ مِن عشرينَ طريقاً. ثالثاً: هناكَ الكثيرُ منَ الرواياتِ السنّيّةِ والشيعيّةِ التي صرّحَت بأسماءِ الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، يقولُ عنها آيةُ اللهِ العُظمى السيّدُ صادق الروحاني: (الأحاديثُ الواردةُ في كتبِ الشيعةِ والسنّةِ عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) المُتضمّنةُ لتصريحِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بأسماءِ الأئمّةِ الإثني عشر (عليهِ السلام)، لا يمكنُ استيعابُها ويصعبُ إحصاؤها لكثرتِها وغزارتِها، حتّى أنّ بعضَ المُحقّقينَ قد جمعَ أكثرَ مِن ثمانينَ حديثاً مرويّاً عن كتبِ الفريقينِ الشيعةِ والسنّة، معَ اعترافِه بأنّه لم يذكُر إلاّ القليل. ومِن تلكَ الأحاديثِ ما جاءَ في كتابِ كفاية الأثرِ لأبي القاسمِ عليٍّ بنِ محمّدٍ الرازي القمّي، عن سهلٍ بنِ سعدٍ الأنصاري، قالَ: «سألتُ فاطمةَ بنتَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عن الأئمّةِ، فقالَت: كانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقولُ: يا عَلِيُّ، أَنتَ الاِمامُ وَالخَليفَةُ بَعدي، وَأَنتَ أَولى بِالمُؤمِنينَ مِن أَنفُسِهِم، فَإِذا مَضَيتَ فَابنُكَ الحَسَنُ أَولى بِالمُؤمِنينَ مِن أَنفُسِهِم، فَإِذا مَضَى الحَسَنُ فَابنُكَ الحُسَينُ أَولى بِالمُؤمِنينَ مِن أَنفُسِهِم، فَإِذا مَضَى الحُسَينُ فَابنُهُ عَليُّ بنُ الحُسَينِ.. ». ثمّ تصرّحُ الروايةُ بأسماءِ بقيّةِ الأئمّةِ حتّى المهدي إلى أن تقول: «فَهُم أَئِمَّةُ الحَقِّ، وَأَلسِنَةُ الصِّدقِ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُم، وَمَخذولٌ مَن خَذَلَهُم»، والرواياتُ بهذا المضمونِ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كثيرةٌ ومذكورةٌ في كتبِ الفريقين)ومِن رواياتِ أهلِ السنّةِ ما رواهُ سليمانُ بنُ إبراهيم القندوزي الحنفي، بالإسنادِ إلى جابرٍ بنِ عبدِ الله، قالَ: قالَ رسولُ الله (صلَّى اللهُ عليهِ و آله): يا جابرُ، إنَّ أوصيائي وأئمّةُ المُسلمينَ مِن بعدي أوّلُهم عليٌّ، ثمَّ الحسنُ، ثمَّ الحُسين، ثمَّ عليٌ بنُ الحُسين، ثمَّ مُحمّدٌ بنُ علي المعروفِ بالباقر ـ ستدركُه يا جابرُ، فإذا لقيتَه فأقرأهُ منّي السلام ـ ثمَّ جعفر بنُ محمّد، ثمَّ موسى بنُ جعفر، ثمَّ عليٌّ بنُ موسى، ثمَّ محمّدٌ بنُ علي، ثمَّ عليٌّ بنُ محمّد، ثمَّ الحسنُ بنُ علي، ثمَّ القائم، اسمُه اسمي و كُنيتُه كُنيتي، محمّدٌ بنُ الحسنِ بنِ عليّ ذاكَ الذي يفتحُ اللهُ تباركَ وتعالى على يديهِ مشارقَ الأرضِ و مغاربَها، ذاكَ الذي يغيبُ عن أوليائِه غيبةً لا يثبتُ على القولِ بإمامتِه إلّا مَن امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان). وهناكَ رسالةٌ خاصّةٌ للمرجعِ الديني ميرزا جواد التبريزي تحتَ عنوان (رسالةٌ في إمامةِ الأئمّةِ الإثني عشر)، جمعَ فيه الأدلّةَ التي تُحدّدُ أسماءَ الأئمّةِ مِن أهلِ البيت (عليهم السلام) وقد جاءَ في مُقدّمتِها: (وسيكونُ منهجُنا في هذهِ الرسالةِ أن نتعرّضَ إلى ذكرِ بعضِ الرواياتِ الصحيحةِ والصريحةِ التي تُعيّنُ أسماءَ الأئمّةِ عليهم السلام، ممّا يقطعُ الطريقَ على مَن يدّعي عدمَ وجودِ النصِّ عليهم أو على بعضِهم، وسيثبتُ هذا أنَّ المُدّعي لعدمِ وجودِ النصّ - لو سلمَت نيّتُه - فإنّه ضعيفُ الإطّلاعِ جدّاً على أخبارِ أهلِ البيتِ وغيرُ بصيرٍ بأحاديثِهم عليهم السلام.. وسنلتزمُ أن يكونَ النصُّ الذي نوردُه صحيحاً مِن غيرِ شُبهةٍ أو مُناقشة، وإلّا فالنصوصُ الأخرى كثيرةٌ جدّاً).رابعاً: قد حرصَ كلُّ إمامٍ مِن أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) على تعيينِ الإمامِ الذي يليه، والنصوصُ والأخبارُ في ذلكَ كثيرةٌ، فعلى سبيلِ المثالِ ما رواهُ الكافي في الخبرِ الصحيحِ عن عليٍّ بنِ إبراهيم عن محمّدٍ بنِ عيسى عَن يونس بنِ عبدِ الرحمنِ عن عبدِ الأعلى عن أبي عبدِ الله الصادقِ عليهِ السلام: إنَّ أبي استودعني ما هناكَ فلمّا حضرَته الوفاةُ قال: ادعُ لي شهوداً فدعوتُ له أربعةً مِن قُريشٍ فيهم نافعٌ مولى عبدِ اللهِ بنِ عمر، فقالَ: اكتُب: هذا ما أوصى به يعقوبُ بنيهِ (يا بنيَّ، إنَّ اللهَ اصطفى لكم الدينَ فلا تموتنَّ إلّا وأنتُم مُسلمون) وأوصى محمّدٌ بنُ علي إلى جعفرٍ بنِ مُحمّد وأمرَه أن يُكفّنَه في بُردِه الذى كانَ يُصلّي فيه الجُمعةَ وأن يُعمّمَه بعمامتِه وأن يُربّعَ قبرَه ويرفعَه مقدارَ أربعِ أصابع وأن يحلَّ عنهُ أطمارَه عندَ دفنِه.. ثمَّ قالَ للشهودِ انصرفوا رحمَكم الله. فقلتُ له. يا أبتِ - بعدَ ما انصرفوا - ما كانَ في هذا بأن تشهدَ عليه؟ فقالَ: يا بُني كرهتُ أن تُغلب وأن يُقال: إنّه لم يوصِ إليه، فأردتُ أن تكونَ لكَ الحُجّة).وممّا وردَ في النصِّ على إمامةِ الإمامِ موسى بنِ جعفرٍ عليهِ السلام، الصحيحةُ التي رواها في الكافي عن عليٍّ بنِ ابراهيم عن أبيهِ عن ابنِ أبي نجران عن صفوانَ الجمّالِ عن أبي عبدِ الله، (عليهِ السلام) قالَ له منصورٌ بنُ حازمٍ بأبي أنتَ وأمّي إنَّ الأنفسَ يُغدى عليها ويُراح فإذا كانَ ذلكَ فمَن؟ فقالَ أبو عبدِ اللهِ (عليهِ السلام): إذا كانَ ذلكَ فهوَ صاحبُكم وضربَ بيدِه على منكبِ أبي الحسنِ عليهِ السلام الأيمن - فيما أعلم - وهوَ يومئذٍ خُماسيّ وعبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ جالسٌ معنا)، وعبدُ اللهِ هوَ الأفطحُ الذي ادّعى الإمامةَ لنفسِه بعدَ أبيه وتبعَه الفطحيّة، فمعَ أنّه سمعَ ذلكَ مِن أبيه إلّا أنّه إدّعى الإمامةَ لنفسِه كذباً. وفي روايةٍ أخرى عن أبي عبدِ اللهِ (عليهِ السلام) قالَ قلتُ له: إن كانَ كونٌ ولا أراني اللهُ ذلكَ فبمَن ائتمُّ؟ قالَ فأومأ إلى ابنِه موسى (عليهِ السلام)، قلتُ فإن حدثَ بموسى حدثٌ فبمَن ائتمُّ؟ قالَ: بولدِه، قلتُ فإن حدثَ بولدِه حدثٌ وتركَ أخاً كبيراً وابناً صغيراً فبمَن ائتمُّ؟ قالَ: بولدِه ثمَّ قالَ هكذا أبداً) وعليهِ لم يترُك الأئمّةُ شيعتَهم عُرضةً للاختلافِ طالما كانَ الأئمّةُ يوصونَ بالإمامِ الذي يأتي بعدَهم، فمَن أرادَ الانحرافَ فلا تمنعُه النصوصُ والأدلّةُ الواضحةُ، فقد انحرفَت الأمّةُ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) معَ كثرةِ النصوصِ ووضوحِها على إمامتِه بعدَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ومِنَ الأمثلةِ التي تؤكّدُ ذلكَ هيَ فرقةُ الإسماعيليّةِ التي انحرفَت عن إمامةِ الإمامِ الكاظمِ مع وجودِ نصٍّ على إمامتِه مِن قبلِ أبيهِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام)، والعجيبُ في الأمرِ أنَّ إسماعيلَ ماتَ في عهدِ أبيه، فكيفَ يكونُ هو الإمامُ مِن بعدِه؟ وقد فعلَ الإمامُ الصادقُ (عليهِ السلام) بجنازةِ إسماعيلَ ما لم يفعَل بجنازةِ أحدٍ أبداً، فقبلَ أن يُحملَ نعشُه جاءَ الإمامُ الصادقُ (عليهِ السلام) وفتحَ عن وجهِه وأشهدَ جميعَ الحاضرينَ على أنَّ هذا المُسجّى الميّتَ هوَ ابنُه إسماعيل الذي ماتَ حتفَ أنفِه، ثمَّ حينَما حُملَت الجنازةُ منَ المدينةِ إلى البقيعِ كانَ (عليهِ السلام) بينَ فترةٍ وفترة يأمرُ أن يضعوا الجنازةَ، فيفتحُ عن وجهِه ويُشهدُ الناسَ على أنَّ هذا الميّتَ هوَ ابنُه إسماعيل ماتَ حتفَ أنفه) ومعَ كلِّ ذلكَ الحرصِ منَ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) حدثَ الانحراف.
اترك تعليق