متى توفيت السيّدةِ نرجس (ع) ؟

لدينا سؤالٌ إن أمكن، البعضُ يقولُ أنَّ الشيخَ الصدوقَ ذكرَ في أحدِ كُتبِه أنَّ السيّدةَ نرجسَ توفّيَت في زمنِ الإمامِ العسكري عليهِ السلام والبعضُ يقولُ أنَّ هناكَ مصادرَ تنقلُ أنَّ السيّدةَ نرجسَ سُجنَت بعدَ استشهادِ الإمامِ العسكري عليهِ السلام وعندَ اضطرابِ الدولةِ العبّاسيّةِ خرجَت السيّدةُ نرجس منَ السجنِ وذهبَت إلى بيتِ الحمزة الذي يرجعُ نسبُه للإمامِ العبّاسِ عليهِ السلام وعندَما توفّيَ ذهبَت إلى بيتِ الحسنِ بنِ جعفر النوبختي أحدِ الثقاتِ الشيعةِ ولكن عندَما تسلّمَ الحُكمَ المُعتضدُ ألقى القبضَ عليها وسجنَها إلى أن توفّيَت سلامُ اللهِ عليها، فأيُّ الرواياتِ صحيحةٌ أو أيّها الأقرب؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، الأخبارُ الواردةُ في خصوصِ وفاةِ السيّدةِ نرجس (عليها السلام) مُختلفةٌ، فيستفاد من بعضها أنّها توفّيَت في حياةِ الإمامِ الحسنِ العسكريّ (عليهِ السلام)، ويُستفادُ مِن بعضِها الآخرِ أنّها توفّيَت بعدَ شهادةِ الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام).  والمُلاحَظُ أنّ هذهِ الأخبارَ غيرُ نقيّةِ السند، فلا يمكنُ الترجيحُ مِن هذهِ الجهة. نعم، ربّما أمكنَ الترجيحُ مِن جهةٍ أخرى، وهيَ تعدّدُ الرواياتِ؛ إذ ما يستفادُ مِنها أنّها توفّيَت في حياةِ الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام) وهوَ ما رواهُ الشيخُ الصدوقُ في [كمالِ الدين ص431] بالإسنادِ عن أبي عليٍّ الخيزرانيّ، عن جاريةٍ له كانَ أهداها للإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام)، قالَ أبو عليّ: « فحدّثتني أنّها حضرَت ولادةَ السيّدِ (عليهِ السلام)، وأنّ اسمَ أمّ السيّدِ صقيل، وأنّ أبا محمّدٍ (عليهِ السلام) حدّثها بما يجري على عياله، فسألَته أن يدعو اللهَ (عزّ وجلّ) لها أن يجعلَ مَنيتها قبلَه، فماتَت في حياةِ أبي محمّدٍ (عليهِ السلام)، وعلى قبرِها لوحٌ مكتوبٌ عليه: (هذا قبرُ أمّ محمّد) »، ولم نجِد لها روايةً أخرى مُعاضدة.  بينَما ما يُستفادُ مِنها أنّها توفّيَت بعدَ شهادةِ الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام) هيَ عدّةُ رواياتٍ، مِنها: ما نقلَه الصدوقُ في [كمالِ الدين ص40ـ43] بالإسنادِ عن أحمدَ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ يحيى بنِ خاقان ـ عاملِ السلطانِ على قمّ المقدّسة ـ، ومِنها: ما ذكرَه الصدوقُ في [كمالِ الدينِ ص473] بقوله: « وجدتُ مُثبتاً في بعضِ الكتبِ المُصنّفةِ في التاريخ، ولم أسمَعه إلّا عن محمّدٍ بنِ الحُسين بنِ عبّاد... »، ومنها: ما ذكرَه الصدوقُ أيضاً في [كمالِ الدين ص474] عن أبي الأديان، ومِنها: ما نقلَه ابنُ حزمٍ في [الفصلِ في المللِ والنحل ج4 ص93]. ولا يخفى أنّ اختلافَ اسمِ والدةِ مولانا الحُجّةِ (عجّلَ اللهُ فرجَه) بأنّها نرجسُ أو صقيلٌ أو مليكةُ أو ريحانةُ أو غيرُها، إنّما هوَ مِن جهةِ التستّرِ عليها وحفظِها وصيانتِها؛ إذ كانَت الظروفُ الاجتماعيّةُ والأمنيّةُ آنذاكَ بغايةِ الحساسيّةِ ـ كما أوضحناهُ في بعضِ الأجوبةِ السابقة ـ، وهوَ أمرٌ واضحٌ لكلّ مَن اطّلعَ على الأخبارِ والرواياتِ بهذا الخصوصِ، فكانَت والدةُ الإمامِ تارةً تُسمّى بنرجس وأخرى بصقيلٍ وثالثةً بريحانة وهكذا إلقاءً للإيهامِ على الأغيارِ ودفعاً لمكايدِهم.  والرواياتُ التي تفيدُ أنّ السيّدةَ نرجس (عليها السلام) توفّيَت بعدَ شهادةِ الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام)، بينَها اختلافٌ، وقد يظهرُ مِنها تعمّدُ إلقاءِ الوهمِ على السلطةِ العبّاسيّةِ آنذاك، وهذا ممّا يستدعي التأمّلَ بأنَّ تلكَ المرأةَ التي أُخذَت كانَت هيَ والدةَ مولانا الحُجّةِ (عجّلَ اللهُ فرجَه) أو لا.  على كلِّ حالٍ، الرواياتُ الواردةُ بخصوصِ زمانِ وفاةِ سيّدتِنا نرجس (عليها السلام) مُختلفةٌ، ويصعبُ الوثوقُ بأحدِها دونَ الأخرى، وتحقيقُ الحالِ فيها ـ معَ أنّه قليلُ الجدوى ـ يستدعي تحريراً مطوّلاً.