الدين والتقديس والميراث

  الشبهة: إن الدين يختلف عن الآراء التي يمكن تغييرها بسهولة، والسبب في ذلك: إنك وغيرك تدور في دائرة التقديس التي ستجعلك تجد المبررات لكل نقد قد تواجهه، فالدين يعتمد على الإيمان، ومصدر الإيمان ذوي الثقة من الأبوين اللذين ورثت منهما الأمور التي تعتبرها صحيحة أو خاطئة.       ومبررات استمرار تقديس الدين تنقسم إلى نوعين وهي:  أولاً: مبررات نفسية عاطفية، كالشعور براحة نفسية لعبادة ما ورثته, الدين ينظم حياتك، الدين يعطيك الأمل في حياة أخرى, الدين يعزز ارتباطك بأسرتك ومجتمعك .. إلخ .  ثانياً: مبررات عقلية تحاول من خلالها تثبيت إيمانك لاستمرار المبرر الأول، فالتبرير الثاني يقوي التبرير الأول من الناحية العقلية.

: اللجنة العلمية

 

       تقرير الشبهة: إن الرأي يختلف عن الدين، باعتبار أن الأول سهل التغيير، بخلاف الثاني فإنه عصي عن التغيير، والسبب في ذلك يعود إلى التقديس، فالتقديس يجعل الدين بمنأى عن كل تغيير، لأنك مهما نقدته لتحدث فيه تغييراً، ستصطدم بجدار التقديس المأخوذ من الإيمان الذي ورثه من أبويه، وتقديس الدين هذا له مبرران: الأول نفسي، كالشعور بالراحة. والثاني عقلي، وهي المبررات التي تحاول من خلالها تثبيت إيمانك بالدين.

      جواب الشبهة:

      أولاً: أمران قالهما السائل صحيحان:-

1- اختلاف الدين عن الرأي. 

2- إن الدين أمر مقدس.

     وثانياً: إن هناك أموراً ذكرها السائل غير صحيحة، فهي تبتني على مصادرات، منها:- 

1- يدعي أن الدين من الأمور الوراثية، وهذا ليس بصحيح، يقول القرآن الكريم: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) .

    فالآية تشير إلى أن الإيمان بالله ورسوله ليس أمراً بالفرض والجبر, بل هو بالحجة والبينة، والوراثة أمر قهري، فالإنسان مثلاً ليس باختياره اختيار نسبه.

2- يدعي أن الدين غير قابل للتغيير.

    ونحن نقول: إن الذي يقبل التغيير والتعديل هو الأمر الناقص، والدين لما كان مشرعه كاملاً ومطلعاً على خفايا الأمور، لم يمكن أن يتصور فيه النقص حتى يحتاج إلى تبديل أو تعديل.

   أجل، ذلك يُتصور في الإنسان الذي ليس لديه إحاطة بكل الأمور وإن بلغ من العلم مبلغاً.

3- يدعي أن سبب عدم التغيير هو النظرة التقديسية للدين، ونحن نقول:-

أ - التقديس هو عبارة عن إجلال واحترام عالٍ من قبل الناظر إلى المنظور إليه، وليس ذلك حاصلاً عن عفوية، بل له منشأ عقلائي، وهو عظمة المنظور إليه، فالعقلاء وفي كل المجتمعات حديثها وقديمها يعظمون الأناس الذين يرون فيهم سمواً في العلم والأدب والأخلاق، وانظر إلى تلميذ نجيب بلغ مرتبة الأستاذ، لا يمكنه إلقاء درسه فيما لو كان أستاذه حاضراً في قاعة الدرس، وهناك عشرات الأمثلة الحية التي يجدها الإنسان في واقع الحياة. 

وزعماء الدين هم الذروى في الأخلاق والعلم والأدب.

ب - وقلنا سابقاً: إن الذي يحتاج إلى تغيير هو الناقص، والشرع الحنيف لا نقص فيه.

 وثالثاً: إن أحكام الدين على نوعين، منها: ما هو يمثل العناصر الثابتة التي لا يمكن أن يطرأ عليها التغيير، وهذا ما يشير إليه الحديث المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)(1) .

      وأن عدم قبول هذه الأحكام للتغيير، هو للقطع بصحتها، تماماً كما هو الحال في ثبات الكثير من القوانين العلمية التي لا يمكن أن يطرأ عليها أي تغيير، فما الفرق بين ثبات هذا النوع من الأحكام وتلك القوانين العلمية الثابتة ؟.

       ومنها: ما تمثل العناصر المتغيرة، وهي التابعة للظروف الطارئة والمتغيرة تغيراً آنياً، كجواز تناول الحرام عند الضرورة.

______________________

  (1) الكافي للكليني ج 1 ؛ ص 76