هل لا يزالُ ذكرُ اسمِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) منهيّاً عنه؟
السلامُ عليكُم ورحمة الله وبركاته،
وردَت الرواياتُ المعصوميّةُ الوفيرةُ الناهيةُ عن تسميةِ مولانا الحُجّةِ ابنِ الحسنِ (عجّلَ اللهُ فرجَه) باسمِه المبارك، بطرقٍ كثيرةٍ ومعانٍ متنوّعةٍ، منها: ما رواهُ الشيخُ الكلينيّ في [الكافي ج1 ص268] والشيخُ الصّدوقُ في [كمالِ الدين ص648] عن أبي الحسنِ العسكريّ (عليه السّلام) قال: « لا ترونَ شخصَه، ولا يحلُّ لكُم ذكرُ اسمِه »، ومنها: ما رواهُ الشيخُ الصّدوقُ في [كمالِ الدينِ ص379، والتوحيدِ ص81] عن سيّدنا عليٍّ بنِ محمّدٍ (عليهِ السّلام) قال: « لا يُرى شخصُه، ولا يحلُّ ذكرُه باسمِه حتّى يخرجَ فيملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً »، ومنها: التوقيعُ الصادرُ عن الناحيةِ المُقدّسةِ الذي رواهُ الصدوقُ في [كمالِ الدينِ ص482]: « ملعونٌ ملعون مَن سمّاني في محفلٍ منَ النّاس »، وغيرُها منَ الرواياتِ الكثيرة.
وجملةٌ مِن هذهِ الرواياتِ مُعتبرةٌ سنداً تامّةٌ صدوراً، ودلالتُها واضحةٌ على حُرمةِ تسميةِ الإمامِ المُنتظر (عجّلَ اللهُ فرجه)، ولكِن وقعَ الكلامُ بينَ علمائِنا (رضوانُ اللهِ عليهم) في مقدارِ دلالتِها.. فذهبَ البعضُ إلى اختصاصِ حُرمةِ التسميةِ بزمانِ الغيبةِ الصّغرى دونَ الكُبرى، وذهبَت جماعةٌ إلى اختصاصِ الحُرمةِ بظرفِ التقيّةِ والخوفِ دونَ غيرِه، وذهبَ الآخرونَ إلى الحرمةِ مُطلقاً بكلِّ ظرفٍ وزمانٍ إلى زمانِ الظهورِ المقدّس.
وقد كتبَ جماعةٌ منَ العلماءِ رسائلَ مُفردةً لتحقيقِ المسألةِ وموازنتِها بشكلٍ علميّ، مِن أمثالِ: (شرعةِ التسميةِ في النهي عن تسميةِ صاحبِ الزمان) للحكيمِ السيدِ محمّد باقر الاسترآباديّ، و(كشفِ التعميةِ في حكمِ التسمية) للمحدّثِ الشيخِ محمّد حسن الحرِّ العامليّ، و(الأنوارِ الساطعةِ في تسميةِ حجّةِ اللهِ القاطعة..) للميرزا محمّد علي الأردوباديّ الغرويّ، و(الردِّ على شرعةِ التسمية) للسيّدِ رفيعِ الدينِ محمّد الصدرِ الكبير الحسينيّ، و(تحريمِ التسميةِ) للمُحقّقِ الشيخِ سليمانَ بنِ عبدِ اللهِ الماحوزيّ، وغيرِها، وبعضُ هذه الرسائلِ مطبوعةٌ ومتوفّرة.
ويبدو أنّ القولَ بعدمِ شمولِ الحكمِ لأمثالِ زماننا ـ إما لأنّنا بزمانِ الغيبةِ الكبرى أو لعدمِ الخوفِ والتقيّة ـ قد أخذَ طابعَ الاستقرارِ لدى العلماءِ في العصورِ الأخيرة، وإن كانَ بعضُهم لا يزالُ يرجّحُ القولَ بالحُرمةِ مُطلقاً لإطلاقِ الرواياتِ، وقد أجابَ سيّدُ الفقهاءِ أبو القاسمِ الخوئيّ عن استفتاءٍ ـ كما في [صراطِ النجاة ج1 ص467]: هل يجوزُ شرعاً تسميةُ الإمامِ الحُجّةِ (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه الشريف) باسمِه الشريفِ الخاصِّ في محفلٍ منَ الناس، أم أنَّ الرواياتِ المانعةَ من ذلكَ تعمُّ زمانَ الغيبةِ الكُبرى؟ بقوله (قدّس سرّه): « لا تعمُّ تلكَ زمانَنا هذا ». وقالَ الشيخُ ناصِر مكارِم الشيرازيّ في [القواعدِ الفقهيّة ج1 ص503] في تحقيقِه للمسألة: « الظاهرُ أنّ المنعَ منه [يعني التسمية] يدورُ مدارَ وجودِ ملاكِ التقيّة، وفي غيرِه كأمثالِ زمانِنا هذا لا يُمنعُ على التحقيق.. والحاصلُ: أنَّ المنعَ يدورُ مدارَ الخوفِ عليه (عليهِ السّلام) أو علينا بالموازينِ المُعتبرة في التقيّة ».
إذن: المسألةُ خلافيّةٌ بينَ علمائنا، والمعروفُ في العصورِ الأخيرةِ هوَ القولُ بعدمِ الحُرمةِ في أمثالِ زمانِنا؛ لاختصاصِ الحُرمةِ بظرفِ التقيّةِ والخوف.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق