مدفنُ القاسمِ بنِ الإمامِ الحُسنِ (ع) وبقيّةِ شهداءِ الطفّ.
هل دُفنَ القاسمِ بنِ الحسنِ عليهما السّلام معَ الشهداءِ أم دُفنَ في مكانٍ آخر معَ ذكرِ الدّليل؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أجمعَ المؤرّخونَ على أنَّ شهداءَ كربلاء مِن بني هاشمٍ دُفنوا ممّا يلي رجلي الحُسينِ (عليهِ السلام)، ما عدا أبي الفضلِ العبّاس (عليهِ السّلام) فإنّهُ قد دُفنَ في موضعِه الحالي، وأمّا بقيّةُ الشهداءِ ففيهم خلاف.
وعليهِ فيكونُ القاسمُ بنُ الإمامِ الحسنِ (عليهِ السلام) مدفوناً ممّا يلي رجلي الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام).
ولكِن هناكَ خلافٌ في كيفيّةِ الدفنِ على أقوالٍ:
القولُ الأوّل: أنّهم حَفروا حفيرةً كبيرةً ودفنوا فيها جميعَ الشهداء. قالَ الشيخُ المُفيد: ودفنوا الحُسينَ عليهِ السّلام حيثُ قبرُه الآن، ودفنوا ابنَه عليّاً بنَ الحُسين الأصغرِ عندَ رجليه، وحفروا للشّهداءِ مِن أهلِ بيتِه وأصحابِه الذينَ صرعوا حوله ممّا يلي رجلي الحُسين عليهِ السّلام وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً، ودفنوا العبّاسَ بنَ عليٍّ عليهما السّلام في موضعِه الذي قُتلَ فيه على طريقِ الغاضريّةِ حيثُ قبرُه الآن. (الإرشادُ للمُفيد: 2 / 114).
ومُرادُ الشيخِ المُفيد مِن عليٍّ الأصغر، هوَ عليٌّ الأكبر، فإنّه يرى أنّ الإمامَ السجّادَ (عليهِ السلام) هوَ عليٌّ الأكبر، والمقتولُ في كربلاء هوَ عليٌّ الأصغر.
القولُ الثاني: أنّه حُفرَت حفيرةٌ ودَفنوا فيها جميعَ الهاشميّين، ممّا يلي رجليّ الحُسين (عليهِ السّلام)، وأمّا الأصحابُ فدُفنوا في قبورٍ مُتعدّدةٍ حولَ الحُسينِ (عليهِ السلام).
وقالَ الشيخُ المُفيد في موضعٍ آخر مِن كتابِه: فهؤلاءِ سبعةَ عشرَ نفساً مِن بني هاشم - رضوانُ اللهِ عليهم أجمعين - إخوةُ الحُسينِ وبنو أخيهِ وبنو عمّيه جعفرٍ وعقيل، وهُم كلّهم مدفونونَ ممّا يلي رجلي الحُسين عليهِ السلام في مشهدِه حفرَ لهُم حفيرةً وألقوا فيها جميعاً وسوّيَ عليهم الترابُ، إلّا العبّاسُ بنُ عليٍّ رضوانُ اللهِ عليه فإنّه دُفنَ في موضعِ مقتلِه على المسناةِ بطريقِ الغاضريّة وقبرُه ظاهرٌ، وليسَ لقبورِ إخوتِه وأهلِه الذينَ سُقناهم أثرٌ، وإنّما يزورُهم الزائرُ مِن عندِ قبرِ الحُسين عليهِ السلام، ويومئُ إلى الأرضِ التي نحوَ رجليه بالسّلام، وعليٌّ بنُ الحسين عليهما السلّام في جُملتهم، ويقالُ : إنّه أقربُهم دفناً إلى الحُسينِ عليهِ السلام .
فأمّا أصحابُ الحسينِ رحمةُ اللهِ عليهم الذينَ قتلوا معَه، فإنّهم دُفنوا حوله ولسنا نُحصّلُ لهم أجداثاً على التحقيقِ والتفصيل، إلّا أنا لا نشكُّ أنَّ الحائرَ محيطٌ بهم رضيَ اللهُ عنهم وأرضاهُم وأسكنَهم جنّاتِ النعيم. (الإرشادُ للمُفيد: 2 / 126).
وهذا القولُ منَ الشيخِ المُفيد منافٍ لقولِه الأوّل.
القولُ الثالث: أنّهم حفروا حفيرتان، دفنوا في الأولى الهاشميّينَ، ممّا يلي رجلي الحُسين (عليهِ السّلام)، وفي الثانيةِ الأصحابَ، خلفَ حُفرةِ الهاشميّين.
قالَ الشيخُ عبدُ الواحدِ المُظفّر: تصرّحُ الأحاديثُ أنّ الشهداءَ حُفرَت لهُم حفيرتان: واحدةٌ للعلويّينَ، ممّا يلي رجليّ الحُسين (عليهِ السّلام)، والثانيةُ لأنصارِهم خلفَ حفرتِهم. (بطلُ العلقمي: 3 / 196).
ولعلَّ مِن تلكَ الرواياتِ هيَ الروايةُ الطويلةُ التي ذكرَها السيّدُ العظيمي في الإيقادِ، في كيفيّةِ دفنِ بني أسدٍ الأجسادَ بأمرِ وإشرافِ الإمامِ السجّادِ (عليهِ السلام) قالَ: ورويَ: ... قالَ: فقامَ، فخطَّ لنا خطاً وقالَ: احفروا هاهُنا. ففعلنا فوضعنا سبعةَ عشرَ جثّةً بلا رأسٍ، ثمَّ خطَّ لنا خطّاً، فقالَ : احفروا هاهُنا، ففعلنا فوضعنا فيها باقي الجُثث، واستثنيَ منها جثّةً واحدةً، و أمرنا أن نشقَّ لها ضريحاً ما يلي الرأسَ الشريفَ، ففعلنا، فدفنّاها ثمَّ أقبلنا إليهِ لنُعينَه على جسدِ الحُسينِ عليهِ السلام و إذا هوَ يقولُ لنا بخضوعٍ وخشوع: أنا أكفيكُم أمرَه.
ـ ثمَّ ذكرَ كيفيّةَ دفنِ أبي الفضلِ العبّاسِ واثنينِ مِن أبناءِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) حوله. ثمَّ التفتَ الإمامُ إلى بني أسدٍ وقالَ لهم: -
أمّا ضريحُ الحُسينِ عليهِ السّلام فقد علمتُم، وأمّا الحفيرةُ الأولى ففيها أهلُ بيتِه والأقرُب إليه ولدُه عليٌّ الأكبر، وأمّا الحفيرةُ الثانيةُ ففيها أصحابُه، و أمّا القبرُ المُنفرِدُ ممّا يلي الرأسَ الشريفَ فهوَ حاملُ رايةِ الحُسينِ (عليهِ السلام) حبيبٌ بنُ مظاهر، وأمّا البطلُ المطروحُ حولَ المسناةِ فهوَ العبّاسُ بنُ أميرِ المؤمنينَ عليهما السّلام. وأمّا الجُثّتانِ فهُما مِن أولادِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام، فإذا سألَكم سائلٌ فاعلِموه. (الإيقادُ في وفيّاتِ النبيّ والزهراءِ والأئمّةِ (عليهم السّلام) للسيّدِ العظيمي، ص204، الفصلُ الخامسُ عشر).
وذكرَ السيّدُ المُقرّمُ هذهِ الروايةَ أيضاً في مقتلِه، ص469، وكذلكَ الطبسيُّ في المقتلِ الحُسيني المأثور، ص197.
وخلاصةُ الكلامِ في مدفنِ الشهداءِ: أنّ الشهداءَ مِن بني هاشمٍ مدفونونَ ممّا يلي رجليّ الإمامِ (عليهِ السّلام)، وأمّا الأصحابُ: فهُم إمّا معَهم في حفرتِهم، وإمّا في حُفرةٍ ثانية، أو في عدّةٍ حُفرٍ، والعبّاسُ (عليهِ السلام) دُفنَ في مكانِه الحالي، وحبيبُ بنُ مظاهر والحرُّ الرياحيُّ كلٌّ منهما في مكانِهما الحالي.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق