هل ليلى أمُّ عليٍّ الأكبر وفاطمةُ العليلة كانتا موجودتين في معركةِ الطفِّ؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،أمّا الشقُّ الأوّلُ منَ السؤالِ ـ وهوَ حضورُ السيّدةِ أمِّ عليٍّ الأكبر (عليهِ السلام) في كربلاءَ ـ فنقول: قد وقعَ كلامٌ بينَ العلماءِ في حضورِها (رضوانُ اللهِ عليها) في معركةِ الطفّ، فرجّحَ بعضُهم حضورَها في كربلاء، ورجّحَ آخرونَ عدمَ حضورِها، وقد صرّحَ بعضُهم بعدمِ عثورِهم على نصٍّ يدلُّ على مجيئِها لكربلاء، واحتملَ بعضُهم أنّها كانَت متوفّاةً قبلَ الطفّ. قالَ السيّدُ المقرّمُ في كتابِه [عليٍّ الأكبر ص16]: « ولم يظهَر لنا سنةُ وفاتِها، ولا مقدارُ عمرِها، ولا حضورُها في مشهدِ الطفِّ وإن نسبَه الدربنديّ في أسرارِ الشهادةِ إلى بعضِ المؤلّفاتِ المجهولِ صاحبُها، مع أنَّ المؤرّخينَ أجمع أهملوا ذكرَها، ولعلّها كانَت متوفّاةً قبلَ الطفّ ». وقالَ الشيخُ عبّاس القميّ في [نفسِ المهمومِ ص167]: « لم أظفَر بشيءٍ يدلُّ على مجيءِ ليلى إلى كربلاء ». أقولُ: الإنصافُ أنّه لا يمكنُ الجزمُ بعدمِ حضورِ أمِّ عليٍّ الأكبرِ (عليهِ السلام) في كربلاءَ، لأمور: الأوّلُ: لا دليلَ على أنّ أمَّ عليٍّ الأكبرِ (عليهِ السلام) كانَت متوفّاةً قبلَ واقعةِ الطفّ، وقولُ السيّدِ المقرّم: « ولعلّها كانَت متوفّاةً قبلَ الطفّ » مجرّد احتمالٍ يعوزُه الدليلُ والبرهانُ لإثباتِه، ويصحُّ أن يُقال: كما تحتملونَ أنّها كانَت متوفّاةً قبلَ الطفِّ نحتملُ أنّها لم تكُن متوفّاةً حينَها، فما هوَ المُرجّحُ لاحتمالِكم. ولو قيلَ: لم يذكُر أحدٌ حياتَها يومَ الطفّ، فلو كانَت على قيدِ الحياة لذكروها. نقولُ: أوّلاً: كيفَ علمتُم أنّه لم يذكُر أحدٌ حياتَها يومَ الطفّ؟ هل أحطتُم بجميعِ الكتبِ المَفقودةِ والمخطوطةِ والمطبوعةِ حتّى تجزموا بعدمِ ذكرِها؟ إذ غايةُ الأمرِ أن تقولوا: لم نعثُر على مَن ذكرَ حياتَها يومَ الطفِّ، وهذا لا يلازمُه أنّها لم تكُن على قيدِ الحياةِ آنذاك كما هوَ واضح. وثانياً: يظهرُ مِن بعضِ الرواياتِ أنّها كانَت حيّةً ذلكَ الوقت، فقد روى ابنُ قولويه القميّ في [كاملِ الزياراتِ ص95] بإسنادِه عن عليٍّ بنِ الحزور، قالَ: « سمعتُ ليلى وهيَ تقول: سمعتُ نوحَ الجنِّ على الحُسين بنِ علي (عليهِ السلام) وهيَ تقول: يا عينُ جودي بالدموع.. إلخ »، وذلكَ يدلّ على بقائِها على قيدِ الحياةِ إلى ما بعدَ استشهادِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام)، وستأتي بعضُ الشواهدِ الأخرى. الثاني: إنّ ما وردَ في كلامِ السيّدِ المُقرّم: « معَ أنّ المؤرّخينَ أجمع أهملوا ذكرَها » فيه نظرٌ واضح؛ إذ مِن أينَ يمكنُ دعوى إجماعِ المؤرّخينَ على إهمالِ ذكرِها في كربلاء؟ هل اطّلعَ على جميعِ كتبِ التاريخِ مع أنّ كتبَ التاريخِ ما بينَ مفقودٍ ومخطوطٍ ومطبوعٍ، فهل اطّلعَ على جميعِ كتبِ التاريخِ المطبوعةِ فضلاً عن المخطوطةِ فضلاً عن المفقودةِ حتّى يُدّعى بالإجماع؟! فالصوابُ أن يُعبَّرَ كما عبّرَ الشيخُ عباسٌ القميّ: «لم أظفَر بشيءٍ يدلّ..»، ومعنى هذه العبارةِ تتفاوتُ مع عبارةِ « أنّ المؤرّخينَ أجمع أهملوا ذكرَها » كما هوَ واضح. الثالثُ: إنّ عدمَ العثورِ على ما يدلّ على وجودِها في كربلاء فيما بينَ أيدينا منَ الكُتبِ التاريخيّةِ لا يلازمُه نفيُ حضورِها ووجودهِا في كربلاء؛ إذ لعلّها كانَت مذكورةً في كتبِ التاريخِ والمقاتلِ المخطوطةِ أو المفقودةِ أو لم يذكُرها المؤرّخونَ لسببٍ ما. ومنَ المعلومِ أنّ القضايا المُرتبطةِ بكربلاء وواقعةِ الطفِّ غيرُ مُنحصرةٍ بكتبِ التاريخ، فجُملةٌ مِنها تعرّضَ لها العلماءُ في كتبِ الحديثِ والمناقبِ والأنسابِ والأدبِ والأشعارِ والتراجمِ وغيرِها، فهذهِ المصادرُ ممّا يمكنُ أن يُتعرَّض فيها لتلكَ القضايا، وربّما كانَ حضورُ السيّدةِ ليلى مذكوراً في بعضِ هذهِ الكتب التي فُقدَت أو التي لا زالَت مخطوطةً أو المطبوعة التي لم يُطلَّع عليها. الرابعُ: جاءَ ذكرُ والدةِ عليٍّ الأكبرِ (عليهِ السلام) في معركةِ الطفِّ في بعضِ الكتب: وردَ في [وسيلةِ الدارينِ في أنصارِ الحُسين ص294]: « وردَ في بعضِ الكتبِ المُعتبرة: فقاتلَ عليٌّ بنُ الحُسين حتّى قُتل، وكانَت أمّه واقفةً ببابِ الفسطاطِ تنظرُ إليه ». وقالَ ابنُ شهرِ آشوب في [المناقبِ ج4 ص118]: « ثمّ تقدّمَ عليٌّ بنُ الحُسين الأكبر، وهوَ ابنُ ثماني عشرةَ سنة، ويقالُ: ابنُ خمسٍ وعشرين، وكانَ يشبهُ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) خَلقاً وخُلقاً ونطقاً... فطعنَه مرّةُ بنُ مُنفذ العبديّ على ظهرِه غدراً، فضربوهُ بالسيف. فقالَ الحسينُ (عليهِ السلام): على الدنيا بعدَك العفا. وضمَّه إلى صدرِه، وأتى به إلى بابِ الفسطاط، فصارَت أمُّه شهربانويه ولهى تنظرُ إليه ولا تتكلّم ».وهنا نشيرُ إلى وجودِ خلافٍ في أنّ والدةَ الإمامِ السجّادِ (عليهِ السلام) اسمُها شهربانويه أو أنّها والدةُ أخيه؟ وهل الإمامُ السجّادُ (عليهِ السلام) هوَ أكبرُ أولادِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) أمّ أنَّ عليّاً الأكبرَ هوَ الأكبر؟ لا يسعُنا تفصيلُ ذلكَ ونكتفي في المقامِ بما ذكرَه أبو الفرجِ الأصفهانيّ في [مقاتلِ الطالبيّينَ ص91]: « وقالَ يحيى بنُ الحسنِ العلويّ: وأصحابُنا الطالبيّون يذكرونَ: أنّ المقتولَ لأمّ ولد، وأنّ الذي أمُّه ليلى هو جدّهم »، يعني أنّ المقتولَ في الطفِّ أمُّه أمّ ولد، وأنّ الذي أمُّه ليلى هو الإمامُ السجّادُ (عليهِ السلام) الذي هوَ جدُّ السادةِ الحسينيّة. وتوجدُ شواهدُ أخرى ترَكنا ذكرَها خشيةَ الإطالة. أمّا الشقُّ الثاني منَ السؤال ـ وهو حضورُ السيّدةِ فاطمة العليلة (عليها السلام) في كربلاء ـ فنقول: الظاهرُ منَ الرواياتِ أنّ للإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) ثلاثةُ بناتٍ باسمِ فاطمة: الأولى: فاطمةُ الكُبرى، وهيَ أكبرُ بناتِ الإمامِ الحُسين (عليه السلام)، وقد كانَت حاضرةً في معركةِ الطفّ، روى الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص303] بالإسنادِ عن الإمامِ الباقرِ (عليهِ السلام) قالَ: « إنّ الحسينَ بنَ عليّ (عليهما السلام) لمّا حضرَه الذي حضرَه، دعا ابنتَه الكُبرى فاطمةَ بنتَ الحسينِ (عليهِ السلام)، فدفعَ إليها كتاباً ملفوفاً ووصيّةً ظاهرة.. ». الثانية: فاطمةُ الصغرى، وهيَ زوجةُ الحسنِ المثنّى، وقد كانَت حاضرةً في معركةِ الطفّ، روى الشيخُ الصدوقُ في [الأمالي ص228] بالإسنادِ عن عبدِ الله بنِ الحسنِ المثنّى، عن أمّه فاطمةَ بنتِ الحُسين (عليهِ السلام) قالت: « دخلَتِ الغاغةُ علينا الفسطاَط وأنا جاريةٌ صغيرةٌ، وفي رجلي خلخالانِ مِن ذهب.. إلخ ». الثالثةُ: فاطمةُ الصّغرى، المعروفةُ بفاطمةَ العليلة، وهيَ التي خلّفها الإمامُ الحُسينُ (عليهِ السلام) في المدينةِ المنوّرة، روى جمعٌ منَ المؤرّخينَ عن الإمامِ الصادقِ عن أبيه عن السجّادِ (عليهم السلام) قالَ: « لمّا قُتل الحسينُ بنُ عليّ جاءَ غرابٌ فوقعَ في دمِه ثمَّ تمرّغَ ثمَّ طارَ فوقعَ بالمدينةِ على جدارِ فاطمةَ بنتِ الحُسين بنِ علي (عليهما السلام) وهيَ الصُّغرى، فرفعَت رأسَها فنظرَت إليه، فبكَت بكاءً شديداً، وأنشأت تقولُ: .. إلخ »، ينظر: [تاريخُ دمشق ج70 ص24، بُغيةُ الطلب ج6 ص2647، بحارُ الأنوار ج45 ص272، وغيرُها]. وقد تمَّ إيضاحُ تعدّدِ بناتِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) في جوابٍ سابقٍ بعنوان: « الفواطمُ بناتُ الإمامِ الحُسين (ع) » على هذا الرّابط: اضغط هنا والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق