مَن القائلُ: (كلُّ أرضٍ كربلاء وكلُّ يومٍ عاشوراء)؟
السلامُ عليكُم ورحمة اللهِ وبركاتُه،
لم ترِد مقولةُ (كلُّ أرضٍ كربلاء وكلُّ يومٍ عاشوراء) في المصادرِالحديثيةِ المرويّةِ التي نعرفها والتي بين أيدينا عن المعصومينَ (عليهم السّلام)، فما يُلاحظُ مِن نسبتِه أحياناً لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) فهوَ اشتباهٌ؛ إذ لم ترِد في مدوّناتِنا الحديثيّةِ المعتمدة ولا غيرِها منسوبةً لهُم (عليهم السلام).
ولا يُعلمُ، على التحقيقِ، أوّلَ مَن أطلقَ هذهِ المقولةَ ولا تاريخَ ظهورِها على التحديدِ؛ فإنّها شاعَت على الألسنِ واشتهرَت في العقودِ الأخيرةِ مِن غيرِ نسبةٍ لشخصٍ مُعيّنٍ، إلّا أنّ بعضَ الأشعارِ تضمّنَت هذا المعنى..
ففي قصيدةٍ للعلّامةِ السيّدِ مهدي القزوينيّ قدّسَ سرّه (ت1300هـ): « أشاهدُ عاشوراءَ في كلّ ساعةٍ * وفي كلّ أرضٍ كربلاء ومشهدا » [ينظر: الأدباءُ مِن آلِ أبي طالب ج3 ص434].
وجاءَ في القصيدةِ الهمزيّةِ في مدحِ خيرِ البريّةِ للشاعرِ محمّدٍ بنِ سعيد البوصيريّ (ت696هـ): « كلُّ يومٍ وكلُّ أرضٍ لِكَربي * فيهِمُ كربلاءُ وعاشورا » [ينظر: أعيانُ الشيعة ج1 ص625].
فلعلّ هذهِ المقولةَ مأخوذةٌ عن قصيدةِ السيّدِ القزوينيّ أو الشاعرِ البوصيريّ أو غيرها..
ثمّ لا يخفى أنّ لهذهِ المقولة معانيَ صحيحةً، كما لو كانَ « المرادُ أنّ يومَ عاشوراء يومٌ رائدٌ، وقدوةٌ لكلّ الأزمانِ والأوقاتِ، وأنّ على الإنسانِ مُعايشةُ عاشوراء ودروسِها كلَّ يوم، ولا يقتصرُ في التأثّر بعاشوراء بقصرِ ذلكَ على يومِ العاشرِ مِن مُحرّم، وهكذا كانَ حالُ الأئمّةِ (عليهم السّلام) حيثُ وردَ مثلاً أنّ الصادقَ (عليهِ السلام) إذا ذُكِرَ جدّهُ في يومٍ ما ومصابهُ فلا يُرى ضاحكاً في ذلكَ اليوم، وكذلكَ جدُّه السجّادُ (عليهِ السلام)، حيثُ عاشَ كلَّ أيّامِه الشريفةِ وكأنّ كلَّ يومٍ يتجدّدُ لديهِ حدثُ يومِ عاشوراء، وكذلكَ المرادُ أنّ كربلاء قدوةٌ لكلِّ البقاعِ والأماكن، إنّها ملحمةُ مواجهةٍ معَ الجورِ والباطل، لا أن يقتصرَ مبادئُ كربلاء على حينِ زيارةِ المؤمنِ لأرضِ كربلاء، وينسى ذلكَ عندَ رجوعِه إلى بلادهِ، فعاشوراءُ قدوةٌ، وإمامٌ لكلّ يوم، وكربلاءُ قدوةٌ ورائدةٌ لكلِّ بلدٍ في مواجهةِ الجورِ والعدوان » [ينظر: الشعائرُ الحُسينيّة ج3 ص549].
كما أنّ لها معنىً باطلاً وغيرَ صحيحٍ فيما لو أريدَ منها نفيُ أفضليّةِ أرضِ كربلاء على البقاعِ ونفيُ خصوصيّةِ يومِ عاشوراء؛ لِما ورد: « لا يومَ كيومِك يا أبا عبد الله »، وما وردَ منَ الرواياتِ في فضلِ أرضِ كربلاء المُقدّسة، وفي الدرّةِ النجفيّةِ للسيّدِ بحرِ العلوم قدّسَ سرّه: « ومن حديثِ كربلاءَ والكعبة * لكربلاءَ بانَ علوّ الرّتبة ».
ولكن يبعدُ إرادةُ المؤمنينَ مِن هذهِ المقولةِ هذا المعنى الفاسد؛ إذ لا يجرؤ مؤمنٌ، سيّما العلماءُ الأتقياء، على نفي خصوصيّةِ يومِ عاشوراءَ وأرضِ كربلاء، فلا بُدّ أنّهم يعنونَ مِن هذهِ المقولةِ بعضَ المعاني الصحيحةِ، كالمعنى المُتقدّم، كما هوَ واضح.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق