المهديّونَ الاثنا عشر
هل هناكَ اثنا عشرَ مهديّاً بعدَ الإمامِ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجه)؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أوّلاً: مِن ضروريّاتِ مذهبِنا، أنّ عددَ الأئمّةِ بعدَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) اثنا عشرَ إماماً إلى يومِ القيامة، لا يزيدونَ ولا ينقصون.
وقد تواترَت الرواياتُ على ذلك، وروى أبناءُ العامّةِ بعضَها أيضاً.
قالَ الشيخُ الطوسي: وممّا يدلُّ على إمامةِ صاحبِ الزمانِ ابنِ الحسنِ بنِ عليٍّ بنِ محمّدٍ بنِ الرّضا عليهم السّلام وصحّةِ غيبتِه ما رواهُ الطائفتانِ المُختلفتان، والفرقتانِ المُتباينتانِ العامّةُ والإماميّةُ أنَّ الأئمّةَ عليهم السّلام بعدَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلم) اثنا عشرَ لا يزيدونَ ولا ينقصون، وإذا ثبتَ ذلكَ فكلُّ مَن قالَ بذلكَ قطعَ على الأئمّةِ الاثني عشرَ الذينَ نذهبُ إلى إمامتِهم، وعلى وجودِ ابنِ الحسنِ عليهِ السلام وصحّةِ غيبتِه، لأنَّ مَن خالفَهم في شيءٍ مِن ذلكَ لا يقصرُ الإمامةَ على هذا العددِ، بل يجوزُ الزيادةُ عليها، وإذا ثبتَ بالأخبارِ التي نذكرُها هذا العددُ المخصوصُ ثبتَ ما أردناه. (الغيبةُ للطوسي، ص126).
ثمَّ سردَ عشراتِ الرواياتِ مِن طُرقِ الفريقينِ على حصرِ الأئمّةِ في إثني عشرَ إماماً، ثمَّ أشكلَ على هذه الرّواياتِ وأجابَ عنها بما خلاصتُه:
إشكال: هذهِ الرّواياتُ أخبارُ آحادٍ، والمسألةُ علميّة.
والجوابُ: هذه الرّواياتُ متواترةٌ في كتبِ الشيعةِ، مُضافاً إلى أنّ المخالفينَ شاركونا في روايةِ بعضِها، بحيثُ يزيدُها قوّةً وحُجّة.
إشكالٌ: أغلبُ هذه الرّواياتِ ذكرَت العدد، ولم تذكُر الأسماءَ، فكيفَ تطبّقونها على أئمّتِكم؟
الجوابُ: هذه الرّواياتُ حصرَت الأئمّةَ في اثني عشر، لا يزيدونَ ولا ينقصون، وهذا لا ينطبقُ إلا على مذهبِنا، لأنَّ غيرنا يذهبُ إلى أنّ الأئمّةَ أكثرُ مِن اثني عشر، ولم يذهَب إلى حصرِها في هذا العددِ غيرُنا. (لاحِظ الغيبةُ للطوسي، ص156 – 157، بتصرّف).
ومنَ المعلومِ أنّ التواترَ يفيدُ العلمَ واليقينَ بصحّةِ المضمون.
وقد سُمّيَ مذهبُنا بمذهبِ الاثني عشريّة نظراً إلى هذهِ العقيدة.
وهذا الأمرُ منَ المُحكماتِ التي على ضوئِها لا بدّ أن تُفسّرَ ما يردُ مُتشابهاً ويوهمُ خلافَ المُحكَم.
ثانياً: الرجعةُ مِن ضروريّاتِ مذهبِنا، والتي أجمعَ عليها علماؤنا، ووردَت رواياتٌ متواترةٌ في شأنِها، رجعةُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) بعدَ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجه).
والرجعةُ منَ المُحكماتِ التي لا بدَّ أن تُفسّرَ على طبقِها ما يوهمُ المُنافاة.
ونتيجةُ هاتينِ النقطتين: أنّ الأئمّةَ (عليهم السّلام) يرجعونَ إلى الحياةِ مرّةً أخرى ويحكمونَ بعدَ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه)، وذلكَ أنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أخبرَنا أنّ الأئمّةَ اثنا عشرَ إلى يومِ القيامة، مُضافاً إلى الرواياتِ المُستفيضةِ الناصّةِ على رجوعِ الإمامِ الحُسين (عليه السّلام) إلى الحياةِ في زمنِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجه)، وحكومتِه بعدَ شهادةِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه)، ومِن بعدِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) الإمامُ أميرُ المؤمنين (عليهِ السّلام) وهكذا بقيّةُ الأئمّةِ المعصومينَ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين).
ثالثاً: وردَ في بعضِ الرواياتِ ما لعلّهُ يوهمُ المُنافاةَ لهذهِ العقيدة، وهوَ وجودُ اثني عشرَ مهديّاً بعدَ الاثني عشرَ إماماً، وهيَ رواياتُ آحادٍ قليلةٌ شاذّة، كما قالَ علماؤنا، نذكرُ بعضَ هذهِ الرّواياتِ، ونعلّقُ عليها:
الرّوايةُ الأولى: روى الطوسيّ في الغيبةِ قال: أخبرَنا جماعةٌ، عن أبي عبدِ اللهِ الحُسينِ بنِ عليٍّ بنِ سفيانَ البزوفري، عن عليٍّ بنِ سنان الموصليّ العدل، عن عليٍّ بنِ الحُسين، عن أحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ الخليل، عن جعفرٍ بنِ أحمدَ المصري، عن عمّه الحسنِ بنِ عليّ، عن أبيه، عن أبي عبدِ اللهِ جعفرٍ بنِ محمّد، عن أبيهِ الباقر، عن أبيهِ ذي الثفناتِ سيّدِ العابدين، عن أبيهِ الحُسينِ الزكيّ الشهيد، عن أبيهِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم - في الليلةِ التي كانَت فيها وفاتهُ - لعليٍّ عليهِ السلام: يا أبا الحسنِ أحضِر صحيفةً ودواة. فأملى رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم وصيّتَه حتّى انتهى إلى هذا الموضعِ فقالَ: يا عليّ إنّهُ سيكونُ بعدي اثنا عشرَ إماماً، ومِن بعدِهم اثنا عشرَ مهديّا، فأنتَ يا عليُّ أوّلُ الاثني عشرَ إماماً ... (الغيبةُ للطوسي، ص150).
أقولُ: وهذه الرّوايةُ ذكرَها الشيخُ الطوسيّ ضمنَ الرواياتِ التي حشّدها لإثباتِ تواترِ النصوصِ على الأئمّةِ الاثني عشر، وهذا الحديثُ بالخصوصِ إسنادُه ضعيفٌ، مُسلسلٌ بالمجاهيل.
ومفادُ هذهِ الرّواية: سيكونُ بعدَ النبي اثنا عشرَ إماماً، ومِن بعدِهم اثنا عشرَ مهديّاً.
الروايةُ الثانية: روى الطوسيُّ في الغيبة، محمّدٌ بنُ عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ
الحميري، عن أبيه، عن محمّدٍ بنِ عبدِ الحميدِ ومحمّدٍ بنِ عيسى، عن محمّدٍ بنِ الفضيل، عن أبي حمزةَ، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام في حديثٍ طويلٍ أنّه قالَ: يا أبا حمزةَ إنّ منّا بعدَ القائمِ أحدَ عشرَ مهدياً مِن ولدِ الحُسينِ عليهِ السلام. (الغيبةُ للطوسي، ص478).
وفي روايةٍ: اثنا عشرَ مهديّاً مِن ولدِ الحُسين. (بحارُ الأنوار: 53 / 148).
الروايةُ الثالثة: روى الصّدوقُ: حدّثنا عليٌّ بنُ أحمدَ بنِ محمّد بنِ عمران الدقّاق قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ أبي عبدِ اللهِ الكوفي قالَ: حدّثنا موسى بنُ عمرانَ النخعي، عن عمّه الحسينِ بنِ يزيد النوفلي، عن عليٍّ بنِ أبي حمزة، عن أبي بصيرٍ قالَ: قلتُ للصّادقِ جعفرٍ بنِ محمّد عليهما السّلام يا ابنَ رسولِ الله إنّي سمعتُ مِن أبيكَ عليهِ السّلام أنّهُ قال: يكونُ بعدَ القائمِ اثنا عشرَ مهديّاً فقالَ: إنّما قالَ: اثنا عشرَ مهديّاً، ولم يقُل: اثنا عشرَ إماماً، ولكنّهم قومٌ مِن شيعتِنا يدعونَ الناسَ إلى موالاتِنا ومعرفةِ حقّنا. (كمالُ الدينِ للصّدوق، ص358).
أقولُ: وهذهِ الرّوايةُ لا تثبتُ على طبقِ موازينِ علمِ الرّجال.
المُلاحظُ على هذهِ الرواياتِ: أنّ هؤلاءِ الاثني عشرَ وصفوا بالمهديّين، ولم يوصفوا بالأئمّة، بل في صريحِ الروايةِ الثالثةِ نفيُ كونِهم أئمّة، فالروايةُ الأولى مفادُها: أنَّ أوّلَ المهديّينَ هوَ ابنُ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه)، وأمّا الأحدَ عشرَ الباقونَ فالروايةُ ساكتةٌ عنهم، ولا دلالةَ فيها أنّهم مِن ذريّتِه وأبنائه.
وأما الرّوايةُ الثانية: فتدلُّ على أنّهم من ذريّةِ الحُسين (ع)، على خلافٍ في عددِهم أنّهم أحدَ عشر أم اثنا عشر.
وأمّا الروايةُ الثالثة: فتدلُّ على أنّهم جماعةٌ منَ الشيعةِ يدعونَ الناسَ إلى ولايةِ أهلِ البيت (عليهم السلام).
ومفادُ جميعِ هذهِ الرّواياتِ أنّ هؤلاءِ المهديّينَ مرحلتُهم بعدَ الإمامِ المهدي، وليسَ قبلَ ظهورِه أو في أثناءِ ظهوره.
هذه كلُّه على فرضِ صحّةِ هذهِ الروايات.
ولكن ذهبَ علماؤنا إلى أنّ هذهِ الرّوايات أخبارُ آحادٍ شاذّةٌ لا يمكنُ بناءُ العقيدةِ والإيمانِ عليها.
قالَ البياضي العاملي (ت 877 هـ): قلتُ: الروايةُ بالاثني عشر بعدَ الاثني عشر شاذّةٌ، ومخالفةٌ للرواياتِ الصّحيحةِ المتواترةِ الشهيرةِ بأنّه ليسَ بعدَ القائمِ دولة ... هذهِ الروايةُ آحاديّة، توجبُ ظنّاً، ومسألةُ الإمامةِ علميّة. (الصراطُ المستقيم: 2 / 152).
وقالَ الحرُّ العاملي (ت 1104 هـ): حديثُ الاثني عشر بعدَ الاثني عشر عليهم السّلام: اعلَم أنّه قد وردَ هذا المضمونُ في بعضِ الأخبار، وهوَ لا يخلو مِن غرابةِ وإشكال، ولم يتعرَّض لهُ أصحابُنا إلّا النادرُ منهُم على ما يحضرُني الآن، ولا يمكنُ اعتقادُه جزماً قطعاً، لأنَّ ما وردَ بذلكَ لم يصِل إلى حدِّ اليقين، بل تجويزُه احتمالاً على وجهِ الإمكانِ مُشكِلٌ، لِما يأتي إن شاءَ اللَّهُ تعالى مِن كثرةِ مُعارضِه، وبالجملةِ فهوَ محلُّ التوقّفِ إلى أن يتحقّقَ وتظهرَ قوّتُه على معارضِه. (الفوائدُ الطوسية، ص115).
وقالَ أيضاً: وأمّا أحاديثُ الاثني عشرَ بعدَ الاثني عشر، فلا يخفى أنّها غيرُ موجبةٍ للقطعِ واليقين لندرتها وقلّتها ، وكثرةِ معارضتِها كما أشرنا إلى بعضِه ، وقد تواترَت الأحاديثُ بأنَّ الأئمّةَ اثنا عشر ، وأنَّ دولتَهم ممدودةٌ إلى يومِ القيامة ، وأنَّ الثاني عشر خاتمُ الأوصياءِ والأئمّةِ والخلفِ ، وأنّ الأئمّةَ مِن ولدِ الحُسين إلى يومِ القيامة ، ونحو ذلكَ منَ العباراتِ ، فلو كانَ يجبُ الإقرارُ علينا بإمامةِ اثني عشر بعدَهم ، لوصلَ إلينا نصوصٌ متواترةٌ تقاومُ تلكَ النصوصَ ، ليُنظرَ في الجمعِ بينَهما. (الإيقاظ منَ الهجعة، ص368).
وقالَ العلّامةُ المجلسي (ت 1111 هـ): هذهِ الأخبارُ مُخالفةٌ للمشهور ، وطريقُ التأويلِ أحدُ وجهين :
الأوّلُ: أن يكونَ المرادُ بالاثني عشرَ مهديّاً: النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وسائرُ الأئمّةِ سوى القائمِ عليهِ السّلام بأن يكونَ ملكُهم بعدَ القائمِ عليهِ السلام وقد سبقَ أنَّ الحسنَ بنَ سليمان أوّلها بجميعِ الأئمّةِ وقالَ برجعةِ القائمِ عليهِ السلام بعدَ موتِه وبهِ أيضاً يمكنُ الجمعُ بينَ بعضِ الأخبار المُختلفة التي وردَت في مدّةِ مُلكِه عليهِ السلام .
والثاني: أن يكونَ هؤلاءِ المهديّونَ مِن أوصياءِ القائمِ هادينَ للخلقِ في زمنِ سائرِ الأئمّةِ الذينَ رجعوا لئلّا يخلو الزمانُ مِن حُجّة ، وإن كانَ أوصياءُ الأنبياءِ والأئمّةِ أيضاً حُججاً واللهُ تعالى يعلم. (بحارُ الأنوار: 53 / 148).
فهذهِ الرواياتُ إن أمكنَ حملها وتفسيرُها بما لا ينافي إمامةَ الأئمّةِ الاثني عشر، وبما لا يُنافي رجعتَهم، فبها، وإلّا فنتوقّفُ في مضمونِها ونردُّها إلى أهلِها. لأنّ مضمونَها شاذٌّ، لا يُؤخذُ به.
ففي مقبولةِ عُمرَ بنِ حنظلة عن الإمامِ الصّادق (عليهِ السلام): يُنظرُ إلى ما كانَ مِن روايتِهم عنّا في ذلكَ الذي حكما بهِ المُجمعِ عليهِ مِن أصحابِك فيُؤخذُ به مِن حُكمِنا ويُتركُ الشاذُّ الذي ليسَ بمشهورٍ عندَ أصحابِك، فإنَّ المُجمعَ عليهِ لا ريبَ فيه. (الكافي للكليني: 1 / 68).
وروى العلّامةُ قُدّسَت نفسُه مرفوعاً إلى زُرارةَ بنِ أعين قالَ : سألتُ الباقرَ ( عليهِ السلام ) فقلتُ : جُعلتُ فداكَ يأتي عنكُم الخبرانِ أو الحديثانِ المُتعارضانِ فبأيّهما آخذ ؟ فقالَ : ( يا زرارةُ خُذ بما اشتهرَ بينَ أصحابِك ، ودَع الشاذَّ النادر. (عوالي اللئالي لابنِ أبي جمهور: 4 / 133).
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق