أليسَ مِن مذهبِ أهلِ البيتِ (ع) المنعُ مِن وصفِ الذاتِ الإلهيّة؟ فلماذا ذكرَ المعصومُ (ع) أنّ اللهَ قبضَ بيمينِه فخلطها ..إلخ؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،أصلُ هذا الحديثِ كانَ وارداً في كيفيّةِ خلقِ حوّاء، إذ كانَت هناكَ أحاديثُ كثيرةٌ في هذا البابِ خصوصاً مِن طُرقِ أبناءِ العامّة تشيرُ إلى أنّ حوّاءَ (ع) خُلقَت مِن ضلعٍ مِن أضلاعِ آدمَ (ع)، ولمّا عُرضَ هذا الأمرُ على الإمامِ الباقرِ (ع) كذّبَ تلكَ الأخبارَ كما في هذهِ الروايةِ التي يرويها الشيخُ المجلسيّ وغيرُه مِن عُلمائِنا الأبرار، إذ نقلَ العلّامةُ المجلسي في بحارِ الأنوارِ (ج11/ص116) نقلاً عن  تفسيرِ العيّاشي: عن عمرو بنِ أبي المقدام، عن أبيهِ قالَ: سألتُ أبا جعفرٍ عليهِ السلام:  مِن أيّ شيءٍ خلقَ اللهُ حوّاء؟ فقالَ: أيُّ شيءٍ يقولُ هذا الخلق؟ قلتُ: يقولونَ: إنَّ اللهَ خلقها مِن ضلعٍ مِن أضلاعِ آدم، فقالَ: كذبوا، كانَ يعجزُه أن يخلقَها مِن غيرِ ضلعِه؟ فقلتُ: جُعلتَ فداكَ يا بنَ رسولِ اللهِ مِن أيّ شيءٍ خلقها؟ فقالَ: أخبرَني أبي، عن آبائِه عليهم السلام قالَ: قالَ رسولُ الله: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى قبضَ قبضةً مِن طينٍ فخلطَها بيمينِه - وكلتا يديهِ يمين - فخلقَ منها آدم، وفضلَت فضلةٌ منَ الطينِ فخلقَ مِنها حوّاء. وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ علماءَ التفسيرِ مِن أهلِ السنّةِ وإن ذهبوا إلى أنّ حوّاءَ خُلقَت مِن ضلعِ آدمَ (عليهِ السلام) تبعاً لرواياتٍ وردَت عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ، فقد تبعَهم مِن مُفسّرينا القمّي والعيّاشي في بعضِ الرواياتِ وإن كانَت عبارتُهما تقبلُ الحملَ على المعنى الذي يقولهُ علماءُ التفسيرِ منَ الشيعة، وهوَ أنَّ حوّاءَ مخلوقةٌ مِن فاضلِ طينةِ آدم (عليهِ السلام). ففي (تفسيرِ الصافي/ للفيضِ الكاشاني ج 1 ص 413) بعدَ ذكرِه لرأي القمّي والعيّاشي ذكرَ ما رويَ في (الفقيهِ، والعِلل) عنهُ (عليهِ السلام): أنّه سُئلَ عن خلقِ حوّاءَ وقيلَ لهُ إنَّ أناساً عندَنا يقولونَ أنَّ اللهَ عزّ وجلّ خلقَ حوّاءَ مِن ضلعِ آدم اليُسرى الأقصى، قالَ: (سُبحانَ اللهِ تعالى عَن ذلكَ علوّاً كبيراً, يقولُ مَن يقولُ هذا أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لم يكُن لهُ القدرةُ ما يخلقُ لآدمَ زوجةً مِن غيرِ ضلعِه ويجعلُ للمُتكلّمِ مِن أهلِ التشنيعِ سبيلاً إلى الكلامِ, أن يقولَ: أنَّ آدمَ كانَ ينكحُ بعضُه بعضاً إذا كانَت مِن ضلعِه ما لهؤلاءِ حكمَ اللهُ بينَنا وبينَهم ...) . وفي (العللِ) عنهُ (عليهِ السلام): (خلقَ اللهُ عزّ وجلّ آدمَ مِن طينٍ ومِن فضلتِه وبقيّتِه خُلقَت حوّاء وفي روايةٍ خُلقَت مِن باطنِه ومِن شمالِه ومنَ الطينةِ التي فضلَت مِن ضلعِه الأيسر). وفي (الفقيهِ)... والخبرُ الذي رويَ أنَّ حوّاءَ خُلقَت مِن ضلعِ آدمَ الأيسرِ صحيحٌ ومعناهُ منَ الطينةِ التي فضلَت مِن ضلعِه الأيسر . وفي (تفسيرِ الأمثلِ ج 15 ص 23) يقولُ: ((وأمّا الرواياتُ التي تقولُ بأنّها خُلقَت مِن ضلعِ آدمَ الأيسرِ فإنّهُ كلامٌ خاطئٌ مأخوذٌ مِن بعضِ الرواياتِ الإسرائيليّةِ ومطابقٌ في نفسِ الوقتِ لِما جاءَ في الفصلِ الثاني من كتابِ التوراة (سفرِ التكوين) المُحرّف، إضافةً إلى كونِه مُخالفاً للواقعِ والعقلِ إذ أنَّ تلكَ الرواياتِ ذكرَت أنَّ أحدَ أضلاعِ آدمَ قد أخذَ وخُلقَت منهُ حوّاء ولهذا فإنَّ الرجالَ ينقصُهم ضلعٌ في جانبِهم الأيسر، في حينِ أنّنا نعلمُ بعدمِ وجودِ أيّ فارقٍ بينَ عددِ أضلاعِ المرأةِ والرجلِ وهذا الاختلافُ ليسَ أكثرَ مِن خُرافة)). وعلماؤنا وكذلكَ كثيرٌ مِن عُلماءِ المذاهبِ الإسلاميّة - عدا الفرقةِ الوهابيّةِ المُجسّمة - يؤوّلونَ مثلَ هذهِ الأحاديثِ على ما يناسبُ الذاتَ المُقدّسة مِن غيرِ تشبيه، لأنّهم يعلمونَ مُسبقاً بأنّ اللهَ تعالى ليسَ كمثلِه شيءٌ، فهُم مُلتفتونَ إلى ذلك. ولذا يحملونَ مثلَ هذهِ الأمورِ الواردةِ في هذهِ الأحاديثِ على كمالِ القُدرة، وكمالِ الخلقِ نظيرَ ما بيّنوهُ في تفسيرِ قولِه تعالى (بل يداهُ مبسوطتان)، فراجِع إن شئتَ ذلك. ودمتُم سالِمين.