نساء وخمر وفاكهة وغلمان في الجنة.. لماذا يرسخ القرآن "إثارة الشهوات" في أذهان المسلمين؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الشهوةُ طبيعةٌ راسخةٌ في الإنسانِ لا يحتاجُ إلى مَن يُذكّرُه بها، بل على العكسِ مِن ذلك فالإنسانُ في حاجةٍ إلى مَن يُنبّهُه إلى مخاطرِ الانجرافِ نحوَها، فكلُّ شهوةٍ لها جانبانِ إيجابيٌّ والآخرُ سلبيّ، والذي يميّزُ بينَ الجانبينِ هوَ مدى سيطرةِ الإنسانِ على الشهوةِ أو سيطرةِ الشهوةِ على الإنسان، فعندَما يتحكّمُ الإنسانُ في شهواتِه تصبحُ الشهواتُ ضرورةً لا تستقيمُ الحياةُ إلّا بها، وعندَما تتحكّمُ الشهواتُ بالإنسانِ تصبحُ خطراً يهدّدُ بقاءَ الحياة، وعليهِ فإنَّ التوازنَ بينَ حاجاتِ الرّوحِ وحاجاتِ البدنِ هوَ الذي يمكّنُ الإنسانَ مِن توظيفِ شهواتِه بشكلٍ إيجابي، ولذا نجدُ القرآنَ الكريمَ يحثُّ الإنسانَ بشكلٍ دائمٍ على القيمِ والفضائلِ والمعاني السّاميةِ التي تمثلُ كمالاً للرّوح، فالآياتُ التي تأمرُ بالعقلِ والتعقّلِ تستهدفُ بالأساسِ تمكينَ الإنسانِ منَ الهيمنةِ على شهواتِ نفسِه. وعليهِ فالشهواتُ راسخةٌ في الإنسانِ ولا تحتاجُ إلى مزيدٍ منَ الترسيخِ، ويبدو أنَّ الجذرَ المُحرّكَ لكلِّ الشهواتِ هوَ حبُّ الإنسانِ لذاتِه، فالإنسانُ بغريزتِه يجلبُ لنفسِه المصلحةَ ويدفعُ عنها المخاطرَ، ومِن هُنا فإنَّ مواقفَ الإنسانِ وسلوكيّاتِه تُبنى بحسبِ مصلحةِ الذاتِ أو مفسدتِها، قالَ تعالى: (وَمِنهُم مَّن يَلمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِن أُعطُوا مِنهَا رَضُوا وَإِن لَّم يُعطَوا مِنهَا إِذَا هُم يَسخَطُونَ)؛ الأمرُ الذي يدلُّ على أنَّ حُبَّ الذاتِ هوَ الباعثُ لرضا النفسِ أو سخطِها، وبالتالي مواقفُ الإنسانِ قائمةٌ بالأساسِ على الخوفِ والرجاء، ومِن هُنا كانَ التبشيرُ بالجنّةِ والتحذيرُ منَ النارِ ليسَ إلّا توجيهاً إيجابيّاً لغريزةِ الخوفِ والرجاء، فالإنسانُ بجهلِه يتصوّرُ أنَّ صلاحَه في الشهواتِ وفسادَه في ضياعِها، ولذا نجدُ أنَّ معظمَ الناسِ يتعلّقونَ بشهواتِ الحياةِ وزينتِها، قالَ تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ)، فالآيةُ لا تنفي اشتهاءَ الإنسانِ للنساءِ والأموالِ والأولادِ وإنّما تؤكّدُ على أنّها حقيقةٌ راسخةٌ عندَ الجميع، إلّا أنَّ الآيةَ تلفتُ الانتباهَ إلى كونِها شهواتٍ محدودةً بالحياةِ الدنيا، ولا تستحقُّ أن يُفنيَ الإنسانُ عمرَه المحدودَ في الركضِ خلفَها دونَ هدىً أو بصيرةٍ، ولذا ختمَت الآيةُ بقولِه: (وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ). فالمعادلةُ التي يوجدُها القرآنُ بالنسبةِ لحياةِ الإنسانِ في الدّنيا قائمةٌ على تحديدِ هدفٍ مركزي لتلكَ الحياةِ، ويتلخّصُ هذا الهدفُ في عبادةِ اللهِ تعالى، وحتّى يتحقّقَ هذا الهدفُ لابدَّ مِن ترسيخِ جوانبِ القوّةِ في الإنسانِ مثلَ العقلِ والعلمِ والإرادة، ومِن هُنا كانَت آياتُ القرآنِ تذكيراً مُستمرّاً بهذهِ الحقائق، وفي نفسِ الوقتِ العملُ على تحويلِ جانبِ الضعفِ فيه إلى عواملِ قوّةٍ مِن خلالِ توجيهِها إلى نفسِ الهدفِ المركزي وهوَ عبادةُ اللهِ تعالى، ففي الوقتِ الذي لم يُحرَم الإنسانُ مِن شهواتِ الدنيا بالمقدارِ الذي لا يتصادمُ معَ كونِه عبداً للهِ تعالى نجدُه أيضاً بشّرَه بنعيمٍ أبديّ في الجنّةِ، قالَ تعالى: (وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَىٰ Q فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَىٰ)، وعليهِ لم يكُن وصفُ الجنّةِ وما فيها منَ النعيمِ ترسيخاً للشهوةِ الدنيويّة، وإنّما توجيهها في المسارِ الذي يجعلها دافِعاً نحوَ الصّراطِ المُستقيم.
اترك تعليق