ما هوَ رأيُ الشيخِ المُفيد في مُبايعةِ عليٍّ عليهِ السلام لأبي بكر؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : يذهبُ الشيخُ المفيدُ رضوانُ اللهِ تعالى عليه إلى أنَّ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) لم يُبايع أبا بكرٍ أبداً، وقد صرّحَ بذلكَ في بعضِ كُتبِه، قالَ في الفصولِ المُختارة، ص56: ومِن كلامِه أيضاً في الدلالةِ على أنَّ أميرَ المؤمنين - عليهِ السلام - لم يُبايع أبا بكر : قالَ الشيخُ أدامَ اللهُ عزّه : قد أجمعَت الأمّةُ على أنَّ أميرَ المؤمنين - عليهِ السلام - تأخّرَ عن بيعةِ أبي بكرٍ فالمُقللُ يقول : كانَ تأخّرُه ثلاثةَ أيّام ، ومنهُم مَن يقول : تأخّرَ حتّى ماتَت فاطمة - عليها السّلام - ثمَّ بايعَ بعدَ موتِها ، ومنهُم مَن يقول : تأخّرَ أربعينَ يوماً، ومنهُم مَن يقول : تأخّرَ ستّةَ أشهرٍ والمُحقّقونَ مِن أهلِ الإمامةِ يقولونَ : لم يُبايع ساعةً قطُّ فقد حصلَ الإجماعُ على تأخّرِه عن البيعةِ ثمَّ اختلفوا في بيعتِه بعدَ ذلكَ على ما قدّمنا بهِ الشرح . فمِمّا يدلُّ على أنّه لم يُبايع البتّةَ أنّه ليسَ يخلو تأخّرُه مِن أن يكونَ هُدىً وتركهُ ضلالاً أو يكونَ ضلالاً وتركهُ هُدىً وصواباً، أو يكونَ صواباً وتركه صواباً، أو يكونَ خطأً وتركه خطأً، فلو كانَ التأخّرُ ضلالاً وباطلاً، لكانَ أميرُ المؤمنينَ - عليهِ السلام - قد ضلَّ بعدَ النبيّ (ص) بتركِ الهُدى الذي كانَ يجبُ المصيرُ إليه وقد أجمعَت الأمّةُ على أنَّ أميرَ المؤمنين - عليهِ السلام - لم يقَع منهُ ضلالٌ بعدَ النبيّ ( ص ) ولا في طولِ زمانِ أبي بكرٍ وأيّامِ عُمرَ وعثمان وصدراً مِن أيّامِه حتّى خالفَت الخوارجُ عندَ التحكيمِ وفارقَت الأمّةَ ، وبطلَ أن يكونَ تأخّرُه عن بيعةِ أبي بكرٍ ضلالاً . وإن كانَ تأخّرُه هُدىً وصواباً وتركُه خطأً وضلالاً فليسَ يجوزُ أن يعدلَ عن الصوابِ إلى الخطأ ولا عن الهُدى إلى الضلالِ لا سيّما والإجماعُ واقعٌ على أنّه لم يظهَر منهُ ضلالٌ في أيّامِ الثلاثةِ الذينَ تقدّموا عليه ، ومحالٌ أن يكونَ التأخّرُ خطأً وتركُه خطأ للإجماعِ على بطلانِ ذلكَ أيضاً ولِما يوجبُه القياسُ مِن فسادِ هذا المقال . وليسَ يصحُّ أن يكونَ صواباً وتركُه صواباً لأنَّ الحقَّ لا يكونُ في جهتين مُختلفتين ولا على وَصفين مُتضادّين، ولأنَّ القومَ المُخالفينَ لنا في هذهِ المسألةِ مُجمعونَ على أنّه لم يكُن إشكالٌ في جوازِ الاختيارِ وصحّةِ إمامةِ أبي بكرٍ وإنّما الناسُ بينَ قائلينِ قائلٌ منَ الشيعةِ يقولُ: إنَّ إمامةَ أبي بكرٍ كانَت فاسدةً فلا يصحُّ القولُ بها أبداً . وقائلٌ منَ الناصبةِ يقولُ : إنّها كانَت صحيحةً ولم يكُن على أحدٍ ريبٌ في صوابِها إذ جهةُ استحقاقِ الإمامةِ هوَ ظاهرُ العدالةِ والنسبِ والعلمِ والقُدرةِ على القيامِ بالأمورِ ولم تكُن هذهِ الأمورُ تلتبسُ على أحدٍ في أبي بكرٍ عندَهم . وعلى ما يذهبونَ إليه فلا يصحُّ معَ ذلكَ أن يكونَ المُتأخّرُ عن بيعتِه مُصيباً أبداً لأنّه لا يكونُ مُتأخّراً لفقدِ الدليلِ بل لا يكونُ مُتأخّراً لشُبهةٍ وإنّما يتأخّر ُإذا ثبتَ أنّه تأخّرَ للعناد . فثبتَ بما بينّاهُ أنَّ أميرَ المؤمنينَ - عليهِ السلام - لم يُبايع أبا بكرٍ على شيءٍ منَ الوجوهِ كما ذكرناهُ وقدّمناه وقد كانَت الناصبةُ غافلةً عن هذا الاستخراجِ في موافقتِها على أنَّ أميرَ المؤمنين - عليهِ السلام - تأخّرَ عن البيعةِ وقتاً ما ، ولو فطنَت له لسبقَت بالخلافِ فيه عن الإجماعِ وما أبعدَ أنّهم سيرتكبونَ ذلكَ إذا وقفوا على هذا الكلامِ غيرَ أنَّ الإجماعَ السابقَ لمُرتكبِ ذلكَ يحجُّه ويسقطُ قولَه فيهونُ قصّتَه ولا يحتاجُ معَه إلى الإكثار.
اترك تعليق