تواترُ النصوصِ على الأئمّةِ الإثني عشر
هل توجدُ روايةٌ صحيحةٌ عن الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) تثبتُ أسماءَ الأئمّةِ وتشخّصُهم؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الرواياتُ الناصّةُ على إمامةِ الأئمّةِ الإثني عشرَ متواترةٌ عن النبيّ (ص) في تراثِ المُسلمينَ، وخبرُ الواحدِ الصحيحِ سنداً غايةُ ما يفيدُ الظنَّ بالصدورِ، فيما إذا كانَت مُجرّدةً عن القرائنِ، ولكنّنا نقولُ: بأنّ رواياتِ النصِّ على الأئمّةِ الإثني عشرَ، على طوائفَ، وكلُّ طائفةٍ منها متواترةٌ بنفسِها، والتواترُ يفيدُ العلمَ والقطعَ بالصدور. ولذا يعدُّ منَ الاشتباهِ المُطالبةُ بروايةٍ صحيحةِ السند، ما دام أنّنا نتحدّثُ عن تواترٍ، فالتواترُ يفيدُ العلمَ بالصدور، إذ هوَ إخبارُ جماعةٍ يمتنعُ تواطؤهم على الكذب. والخبرُ الصحيحُ غايةُ ما يفيدُ الظنَّ الوجدانيّ، وهوَ وإن كانَ عِلماً عاديّاً عندَ العُقلاء، إلّا أنّه أدنى رُتبةً منَ العلمِ الوجدانيّ (ما يفيدُه التواتر). خصوصاً أنَّ المسألةَ اعتقاديّةٌ، بل مِن كُبرياتِ الاعتقاداتِ، التي لا يكفي فيها خبرُ الواحدِ المُجرّد، لاحتمالِ عدمِ المُطابقةِ فيها، وأمّا التواترُ فإنّ احتمالَ عدمِ المُطابقة مُنتفٍ، لإفادتِه العلمَ واليقينَ الوجدانيّ بالصّدور. ورواياتُ النصِّ على الأئمّةِ الإثني عشرَ على طوائفَ نذكرُ بعضَها: الطائفةُ الأولى: ما وردَ في ذكرِ العددِ من دونِ التصريحِ بالأسماءِ، مثلَ: سيلي هذا الأمرَ مِن بعدي إثنا عشرَ إماماً أو خليفةً أو أميراً، كلّهم مِن قُريش. (أوصلَها الشيخُ الصافي إلى 271 رواية مِن طُرقِ الفريقين) وفي بعضِ طرقِها: كعددِ نُقباءِ بني إسرائيل، والتي وردَت في مصادرِ أبناءِ العامّةِ أيضاً. (أوصلها الشيخُ الصّافي إلى 40 رواية مِن طرقِ الفريقين) وهذهِ الطائفةُ منَ الرواياتِ المشهورةِ جدّاً مقطوعةُ الصدورِ عن رسولِ الله (ص)، ومُنتشرةٌ في كتبِ التراثِ الإسلامي بحيثُ نرى أنّ جميعَ طبقاتِ المُسلمينَ مِن زمنِ الصحابةِ الى زماننا رَووا هذا المضمون. بل قد تواترَت هذه الطائفةُ منَ الأخبارِ عن رسولِ الله (ص). (مرويّةٌ عن أكثرَ مِن 25 صحابيّاً، بطرقٍ كثيرةٍ جدّاً). والسؤالُ الذي يتبادرُ إلى الأذهان: إذا كانَ النبيّ (ص) قد أخبرَ أمّتَه أنّ خلفاءَه إلى يومِ القيامةِ إثنا عشرَ خليفةً، فهل يُعقلُ أن لا يذكرَ أسماءَهم ولو على نطاقٍ ضيّقٍ ولبعضِ أصحابِه؟! وهل ينطبقُ هذا الحديثُ على غيرِ مذهبِ الشيعةِ الإثني عشريّة؟! الطائفةُ الثانية: ما وردَ أنّ الأئمّةَ إثنا عشرَ إماماً، مع تعيينِ الأسماءِ على نحوِ الإجمالِ، وذِكرِ بعضِ الأوصافِ والتحديدات، نشيرُ إلى بعضِها: أ – ما وردَ: الائمّةُ إثنا عشر، تسعةٌ منهم مِن ولدِ الحُسين، وتاسعُهم قائمُهم. (أوصلَها الشيخُ الصافي إلى 107 روايات) ب ـ قولُ النبيّ (ص) للحُسين (ع): أنتَ الإمامُ ابنُ الإمامِ وأخو الإمام، تسعةٌ مِن صُلبِك أئمّةٌ أبرار، والتاسعُ قائمُهم. ت - ما وردَ أنَّ الأئمّةَ بعدي إثنا عشر، أوّلهم عليٌّ وآخرُهم المهدي. (أوصلَها الشيخُ الصافي إلى 91 رواية) ث - ما وردَ أنَّ الأئمّةَ إثنا عشر، تسعةٌ منهم مِن ولدِ الحُسين. (أوصلها الشيخُ الصافي إلى 139 رواية) ج – ما وردَ أنّهم مِن أهِل البيت، ومِن عترةِ رسولِ الله (ص)، وذريّتِه. وغيرِها مِن طوائفِ الرواياتِ الكثيرة. وهذه الطائفةُ منَ الرواياتِ متواترةٌ عن رسولِ اللهِ (ص)، ولا يمكنُ أن تنطبقَ على غيرِ أئمّةِ الشيعةِ الإثني عشرَ (سلامُ اللهُ عليهم) الطائفةُ الثالثة: ما رويَ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أنّ الأئمّةَ من بعدِه إثنا عشرَ إماماً، مع ذكرِ الأسماءِ بالتفصيلِ مِن أميرِ المؤمنينَ (ع) إلى الحُجّةِ بنِ الحسنِ المهدي (ع)، واحداً بعدَ الآخر. (أوصلَها الشيخُ الصافي إلى خمسينَ روايةً، قُرابةَ السبعينَ طريقاً) مرويّةٌ عمّا يقربُ العشرينَ صحابيّاً، وأكثرُهم رويَ عنهُ بعدّةِ طُرق - فيما استخرجتُه من كتابِ كفايةِ الأثرِ للخزّارِ القمّي، وكتابُ مُقتضبِ الأثرِ للجوهري وغيرِهما – وهذه الطائفةُ مرويّةٌ عن جماعةٍ منَ الصحابةِ عن النبيّ (ص) نذكرُ ما عثرنا عليه: 1ـ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالب (ع)، بطُرقٍ وألفاظٍ كثيرةٍ جدّاً. 2ـ الإمامُ الحسنُ (ع)، بعدّةِ طُرقٍ وألفاظ. 3ـ الإمامُ الحُسين (ع)، بطرقٍ وألفاظٍ عديدة. 4ـ فاطمةُ الزّهراء (ع)، بطرقٍ كثيرةٍ، وبالأخصِّ حديثُ اللوحِ، المقطوعُ بصحّتِه. 5ـ عبدُ اللهِ بنُ عبّاس، بطرقٍ وألفاظٍ كثيرة. 6ـ سلمانُ المُحمّدي، بأكثرَ مِن طريقٍ ولفظ. 7- جابرٌ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاري، بألفاظٍ وطُرقٍ كثيرة. 8- أنسُ بنُ مالك، بعدّةِ طُرقٍ وألفاظ. 9- أبو هُريرة، بأكثرَ مِن طريقٍ ولفظ. 10- أبو أمامةَ أسعدُ بنُ زرارة. 11- أبو أيّوبَ الأنصاري. 12- حذيفةُ بنُ اليمان. 13ـ الجارودُ بنُ المُنذرِ العبدي. 14ـ أمُّ سلمةَ زوجةُ النبيّ (ص). 15- عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى.16- أبو سلمى راعي رسولِ الله (ص). 17- عبدُ اللهِ بنُ عمر، بطُرقٍ كثيرة. 18- عائشةُ بنتُ أبي بكر، بطُرقٍ كثيرةٍ عن أبي سلمةَ عنها. 19- عمّارُ بنُ ياسر. وهناكَ جماعةٌ منَ الصحابةِ رووا الحديثَ بواسطةِ صحابيٍّ آخرَ عن النبي (ص)، ولذا لم نُدرِج أسماءَهم ضمنَ القائمة.وهذهِ الطائفةُ منَ الأخبارِ متواترةٌ في كُتبِ الشيعةِ الإماميّة، فقد رواها الجمُّ الغفيرُ مِن أصحابِ النبيّ (ص)، وبمُراجعةٍ سريعةٍ لكتابِ كفايةِ الأثرِ للخزّارِ القُمّي، ومُقتضبِ الأثرِ للجوهري، ومُنتخبِ الأثرِ للصافي، وجامعِ الأثرِ للسيّدِ حسن آل طه، والأربعونَ حديثاً، وطريقِ الإيمانِ كليهما للشيخِ أحمد الماحوزي، وتواترُ النصِّ على الأئمّةِ للشيخِ محمّد صنقور، تعلمُ صدقَ ذلك. ويكفي هذه الأخبارَ قوّةً أنّ مشايخَ الإماميّةِ رَووا قسماً منها من طرقِ رجالِ العامّة، وبعضُها عن الصحابةِ الذينَ عُرفوا بالعداءِ والحسدِ لأميرِ المؤمنينَ (ع). ملاحظةٌ: هذه الطائفةُ كانَت للرّواياتِ التي رواها الصحابةُ عن النبيّ (ص)، وفيها النصُّ على أسماءِ الأئمّةِ الإثني عشرَ بالتفصيل، واحداً بعدَ الآخر. فتنبّه. الطائفةُ الرّابعة: ما وردَ عن كلِّ واحدٍ منَ الأئمّةِ الإثني عشر، بأنّ الأئمّةَ إثنا عشر، وكم إماماً مضى، وكم إماماً بقيَ، واعتقادُهم بإمامةِ أنفسِهم، وإمامةِ مَن مضى أو بقيَ منَ الأئمّة، وأنّ كلَّ واحدٍ منهم ضمنَ سلسلةِ الإثني عشرَ إماماً. وهذه الطائفةُ فيها رواياتٌ كثيرة، ولا يبعدُ أن تكونَ مُتواترةً، وهيَ إخبارُ أئمّةِ أهلِ البيت فيما توارثوهُ عن رسولِ الله مِن علوم. الطائفةُ الخامسة: الرواياتُ التي تشيرُ إلى الإمامِ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجه) ضمنَ سلسلةِ الأئمّةِ الإثني عشرَ: مثلاً: آخرُهم المهديُّ، التاسعُ مِن صُلبِ الحُسين، تاسعُهم قائمُهم، الخامسُ مِن ولدِ السابع، السادسُ مِن ولدِ الصادقِ (ع)، الخامسُ مِن ولدِ موسى (ع)، الرابعُ مِن ولد الرّضا (ع)، الثالثُ مِن ولدِ الهادي (ع)، وهكذا. وهذهِ الطائفةُ أيضاً منَ المتواترات. الطائفةُ السادسةُ: رواياتُ نصِّ كلِّ إمامٍ على الإمامِ اللّاحق. وهيَ رواياتٌ بمجموعِها فوقَ حدِّ التواتر. وغيرُها منَ الطوائفِ الكثيرة. وهذهِ الطوائفُ منَ الأخبارِ المتنوّعةُ في دلالتِها، والتي تعدُّ كلُّ طائفةٍ منها بحدِّ ذاتِها متواترةً، بحيثُ لا تدعُ مجالاً للشكِّ والترديدِ أو الاحتمالِ بكذبِها، وأنّ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) صدعَ بإمامتِهم بعناوينَ مُختلفة، وألفاظٍ كثيرةٍ، ومواطنَ مُتعدّدة. فهذه الطوائفُ كلُّها تشيرُ إلى صحّةِ مذهبِ الشيعةِ الإماميّةِ الإثني عشريّة. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق