رواية عندما أهلُ السنّة تسيء للنبي محمد (ص)؟
هناكَ روايةٌ عن أبي هريرةَ عن النبيّ (ص) أنّه قال: بَينَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيتُنِي فِي الجَنَّةِ ، فَإِذَا امرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصرٍ ، فَقُلتُ : لِمَن هَذَا القَصرُ ؟ فَقَالُوا : لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ، فَذَكَرتُ غَيرَتَهُ ، فَوَلَّيتُ مُدبِرًا ، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ : أَعَلَيكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! » . كما في صحيحِ البُخاري وغيرِه، فهل هذا الحديثُ صحيحٌ؟ وهل يليقُ برسولِ الله (ص) أن يكونَ بهذا الموقف؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،اعلم أخي السّائل أنّ هذا الحديثَ من الأحاديثِ المُختلَقةِ التي وضعتها يدُ الدّسِ والتزوير، وقد ردّها علماءُ مدرسةِ أهلِ البيت (ع)، وأشكلوا عليها بإشكالاتٍ متينةٍ واضحةٍ، مِنها: 1- هل أعجبَ رسولَ اللهِ ( ص ) قصرٌ رآهُ لغيرِه ممّا لم يرَ لنفسِه مثله، فإن قالَ أهلُ السنّةِ: إنّه ليسَ لرسولِ الله ( ص ) مثله في الجنّة؛ أو قالوا: إنّه مثلُ قصرِ رسولِ الله ( ص )، فساووا بينَ منزلةِ رسولِ الله ( ص ) ومنزلةِ عُمر فقد كفروا بغيرِ خلاف، خصوصاً أنّ اللهَ (جلّ وعلا) لم يجعَل منازلَ أنبيائِه ورسلِه كمنزلةِ النبيّ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم، فكيفَ يجعلُ ذلكَ لعُمر؟ [ينظر: كتابُ (الاستغاثةِ لأبي القاسمِ الكوفيّ، ص52]. 2- مِـمّا يؤيّدُ أنّ هذهِ الروايةَ فيها دسٌّ وتزوير، ما نبّهَ عليهِ بعضُ المُستبصرينَ حيَن عرضَ لهذهِ الرواية، فبيّنَ أنّ الرواياتِ التي تُروى في فضائلِ عُمرَ بنِ الخطّابِ كثيراً ما تأخذُ منحى المناماتِ مِن قبيل: بينمَا أنا نائمٌ رأيتُ الناسَ يعرضونَ عليّ. أو بينَما أنا نائمٌ أتيتُ بقدحِ لبن، أو بينَما أنا نائمٌ رأيتني على قليب، أو بينَما أنا نائمٌ رأيتني في الجنّة. ولعلّ راوي الحديثِ كانَ كثيرَ الحلمِ والأضغاثِ فكانَ يتأوّلُ ويختلقُ الرواياتِ على لسانِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم ، فكم كُذبَ عليه في حياتِه وهو موجودٌ بينَ ظهرانيّهم فكيفَ بعدَ وفاتِه وقد انحرفَت الأمّةُ وتقاتلوا وأصبحوا مذاهبَ وأحزاباً كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون. [ينظر: كتابُ (فاسألوا أهلَ الذكر)، للدكتور محمّد التيجاني، ص ٣٠٩]. 3- وممَّن نبّهَ على وجودِ الدسِّ والتزويرِ في هذهِ الروايةِ هو العلّامةُ الشيخُ السبحانيّ في كتابِه (الحديثُ النبويّ بين الروايةِ والدراية، ص428). 4- عَـدَّ الباحثُ سعد يوسف محمود أبو عزيز هذا الحديثَ منَ الإسرائيليّاتِ والموضوعاتِ في كتبِ التفاسيرِ قديماً وحديثاً، (ص253). ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق