هل روى الكلينيّ عن الأئمّة الجواد والهادي والعسكريّ؟

السؤال: من المفارقات العجيبة أنَّ الكلينيّ صاحب الكافي -وهو أصحّ كتاب روائيّ عند الرافضة وجميع ما يرويه مقطوع بصحّة نسبته إلى أئمّتهم عند الأخباريّين منهم- لم يرو لجمعٍ من أئمّتهم المعصومين، فلم يرو للحسن العسكريّ، ولا لأبيه عليّ الهادي، ولا لجدّه محمّد الجواد! وثلاثتهم أئمّة معصومون لا فرق بينهم وبين الرسول صلّى الله عليه وسلم في كونهم حجج الله على خلقه ولزوم طاعتهم واتّباعهم والإيمان بولايتهم وعصمتهم! ثمّ يأتي رافضي أو مترفِّض منتسب لأهل السنّة زوراً، ويتواقح مع الإمام البخاريّ ويتّهمه في دينه لأنّه لم يرو لجعفر بن محمّد الصادق في صحيحه!

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يبدو أنّ كاتب هذا الكلام مسكين مغفّل، وقد أخذته الحميّة للدفاع عن البخاريّ - الذي لَـم يروِ في كتابه (الجامع الصحيح) عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الوقت الذي ملأ كتابه بروايات النواصب المنافقين -، فراح يكيل الاتّهام للشيخ المعظَّم الكلينيّ (رضوان الله عليه) بأنّه لَـم يروِ في كتابه الشريف (الكافي) عن الأئمّة الجواد والهادي والعسكريّ (عليهم السلام).

وكشف بهذا الاتّهام أنّه لَـم يتصفّح كتاب (الكافي) للشيخ الكلينيّ فضلاً عن أن يقرأه بتأمّل ويدرسه بدقّة، فإنّه لو تصفّح الكتاب ومرَّ عليه مروراً سريعاً لوجد جملةً وافرة من روايات هؤلاء المعصومين (عليهم السلام).

وقد قمتُ بتصفّح سريع لنصف المجلّد الأوّل من (أصول الكافي)، فوجدتُ (50) حديثاً للأئمّة الجواد والهادي والعسكريّ (عليهم السلام)، وإليك أرقام الصفحات وفي بعضها عدّة أحاديث: 24 + 53 + 82 + 87 + 95 + 97 + 99 + 102 + 103 + 105 + 108 + 116 + 118 + 123 + 126 + 179 + 230 + 242 + 247 + 248 + 249 + 250 + 251 + 252 + 322 + 323 + 324 + 325 + 326 + 327 + 328 + 329 + 330 + 332 + 333 + 341.

وهاك ثلاث روايات، لكلّ إمام رواية:

1ـ الإمام الجواد (عليه السلام): عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال: « قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك، إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وكانت التقيّة شديدة فكتموا كتبهم، ولم تُروَ عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدّثوا بها، فإنّها حقّ» [الكافي ج1 ص53 ح15].

2ـ الإمام الهادي (عليه السلام): وعنه، عن أحمد بن إسحاق قال: « كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام): أسأله عن الرؤية، وما اختلف فيه الناس، فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء [لم] ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئيّ لم تصحّ الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لأنّ الرائي متى ساوى المرئيّ في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان ذلك التشبيه لأنّ الأسباب لا بدّ من اتّصالها بالمسبّبات» [الكافي ج1 ص97 ح4].

3ـ الإمام العسكريّ (عليه السلام): محمّد بن أبي عبد الله، عن عليّ بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق، قال: « كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله: كيف يعبد العبد ربَّه وهو لا يراه؟ فوقع (عليه السلام): يا أبا يوسف، جلّ سيّدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى، قال: وسألته: هل رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ربَّه؟ فوقع (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ» [الكافي ج1 ص95 ح1].

نعم، أحاديث هؤلاء الأئمّة (عليهم السلام) قليلة نسبة إلى أحاديث آبائهم الطاهرين (عليهم السلام)؛ وذلك لأنّ الإمام الجواد (عليه السلام) استشهد وله (25) سنة، وأمّا الإمامان الهادي والعسكري (عليهما السلام) فكانا مُقِيمَينِ في سامراء تحت مراقبة الأجهزة الأمنيّة للدولة العباسيّة، فلم تتهيّأ لهم الظروف المناسبة كما تهيّأت لآبائهم الطاهرين (عليهم السلام).

وتجدر الإشارة إلى أنّ الشيخ عزيز الله العطارديّ بذل جهداً مشكوراً بجمع روايات المعصومين (عليهم السلام) في ضمن مشروع: (مسانيد الأئمّة)، خصّص ثلاث مجلّدات منها لروايات الأئمّة الجواد والهادي والعسكريّ (عليهم السلام) مجموعةً مبوَّبة، لكلّ إمام مجلّد بهذه العناوين: (مسند الإمام الجواد)، (مسند الإمام الهادي)، (مسند الإمام العسكريّ)، جمع فيها المئات من أحاديثهم (عليهم السلام)، ونبّه في مقدّماتها على أنّه لا يدّعي حصر جميع أحاديثهم في كتبه، فقال مثلاً في مسند الجواد: (وما ندّعي أنّ هذا الكتاب جامع لأحاديثه عليه السلام، ولعلّ في المصادر توجد روايات أخرى فات عنّي عند التحقيق) [مسند الجواد ص9]، وقال مثله في [مسند الهادي ص10]، وكذلك في [مسند العسكريّ ص10].