هل الله سميع بلا سمع وعليم بلا علم؟

السؤال: ما حجّة الشيعة في أسماء الله وصفاته: إنّه سميع بلا سمع، عليم بلا علم؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

يعتقد علماء الشيعة بأنّ صفات الله تعالى عين ذاته، بمعنى أنّ هذه الصفات لا توجد إلّا بوجود الذات الإلهيّة، فمع أنّ هذه الصفات تتعدّد مفاهيمها في المجال الذهنيّ والاعتباريّ، إلّا أنّها تشير في الواقع الخارجيّ إلى مصداق ووجود واحد، وهذا الوجود الواحد هو الذات الإلهيّة.

ففي الحديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قال: "لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور. فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم، وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور".

فعندما نقول مثلاً (علم الله عين ذاته) نقصد بذلك بأنّ مصداق (العلم) و(الذات) واحد، ولا نقصد أنّ مفهوم (العلم) و(الذات) واحد، فلذا لا يجوز استخدام مفهوم (العلم) بدلاً من مفهوم (الذات) عند الإشارة إلى الذات الإلهيّة؛ لأنّ ما يفهم من (العلم) غير ما يفهم من لفظ الجلالة.

ويضاف إلى ذلك أنّ (العلم) مصدر ولا ينادى المسمّى بالمصدر وإنّما ينادى بالاسم فنقول يا عليم، يا قدير، يا حيّ ..

ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال للزنديق حين سأله: ما هو؟ قال: "هو شيء بخلاف الأشياء، ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة، غير أنّه لا جسم ولا صورة ولا يحسّ ولا يجسّ ولا يدرك بالحواسّ الخمس. لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغيّره الأزمان".

فقال له السائل: فتقول إنّه سميع بصير؟

قال: "هو سميع بصير، سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه. ليس قولي إنّه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه يعني أنّ هناك شيئاً آخر غير الذات، ولكن أردت أن أعبّر عن نفسي بطريقة يمكن فهمها. فأقول إنّه سميع بكلّه، لا أنّ الكلّ منه له بعض، ولكنّني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي. وليس مرجعي في ذلك إلّا إلى أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف في الذات ولا اختلاف في المعنى" (شرح أصول الكافي ج 3 ص 66).

وعليه فإنّ القول بأنّ الله سميع بلا سمع أو عليم بلا علم، إذا قصد به نفي صفة السمع والعلم عن الله فإنّ الشيعة لا تقول بذلك، وإنّما تثبت صفة العلم والسمع له سبحانه وتعالى، وإذا قصد نفي أن يكون هناك حيثيّة في الذات بها يسمع وحيثيّة بها يعلم وحيثيّة بها يقدر فإنّ ذلك ممتنع في حقّ الله تعالى؛ لأنّه يؤدّي إلى القول بالتركيب في الذات الإلهيّة وهو محال.

ومن المفيد أن نختم الإجابة بهذه الرواية: "عن مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَهُ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ فِي كِتَابِهِ وَ أَسْمَاؤُهُ وَ صِفَاتُهُ هِيَ هُوَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّ لِهَذَا الْكَلَامِ وَجْهَيْنِ إِنْ كُنْتَ تَقُولُ هِيَ هُوَ أَيْ إِنَّهُ ذُو عَدَدٍ وَكَثْرَةٍ فَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ لَمْ تَزَلْ فَإِنَّ لَمْ تَزَلْ مُحْتَمِلٌ مَعْنَيَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ لَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ فِي عِلْمِهِ وَهُوَ مُسْتَحِقُّهَا فَنَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ لَمْ يَزَلْ تَصْوِيرُهَا وَهِجَاؤُهَا وَتَقْطِيعُ حُرُوفِهَا فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ بَلْ كَانَ اللَّهُ وَلَا خَلْقَ ثُمَّ خَلَقَهَا وَسِيلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ يَتَضَرَّعُونَ بِهَا إِلَيْهِ وَيَعْبُدُونَهُ وَهِيَ ذِكْرُهُ وَكَانَ اللَّهُ وَلَا ذِكْرَ وَالْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ هُوَ اللَّهُ الْقَدِيمُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ مَخْلُوقَاتٌ وَالْمَعَانِي وَالْمَعْنِيُّ بِهَا هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ الِاخْتِلَافُ وَلَا الِائْتِلَافُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ وَيَأْتَلِفُ الْمُتَجَزِّئُ فَلَا يُقَالُ اللَّهُ مُؤْتَلِفٌ وَلَا اللَّهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَكِنَّهُ الْقَدِيمُ فِي ذَاتِهِ لِأَنَّ مَا سِوَى الْوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ وَاللَّهُ وَاحِدٌ لَا مُتَجَزِّئٌ وَلَا مُتَوَهَّمٌ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَكُلُّ مُتَجَزِّئٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ دَالُّ عَلَى خَالِقٍ لَهُ فَقَوْلُكَ إِنَّ اللَّهَ قَدِيرٌ خَبَّرْتَ أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فَنَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْعَجْزَ وَجَعَلْتَ الْعَجْزَ سِوَاهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ عَالِمٌ إِنَّمَا نَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْجَهْلَ وَجَعَلْتَ الْجَهْلَ سِوَاهُ.. » (الكافي ج1، ص 117- 118).