ما هي مراتب التوحيد؟
ما هي مراتب التوحيد؟
إنّ معنى التوحيد من المعاني البديهية الّتي لا تحتاج إلى بيان وتوضيح.
خلاصة القول في هذا المعنى: هو الاعتقاد بأنّ الخالق هو الله تبارك وتعالى واحد لا شريك له، ولا نظير.
وهذا المعتقد تشترك فيه جميع الديانات السماوية, وإن اختلفتْ في صفاته, وهو مراتب أو اقسام:
للتوحيد أقسام ومراتب متعدّدة، نشير هنا إلى المراتب الرئيسية منها أربعة:
المرتبة الأولى: توحيد الذات، أو (التوحيد الذاتي) وهو على معنيين:
المعنى الأول: بمعنى نفي التعددية لنفس الذات المقدسة لله تعالى، والاعتقاد بأنّ الله واحدٌ أحدٌ، لا مثيل له ولا نظير ولا شبيهَ ولا عديل.
وإلى هذا أشار في القرآن الكريم قال تعالى: ( وَلَمَ يَكُنْ لَه كُفْواً أحَد).
وهذا ما بيّنه إمام الموحدين عليه السلام قال:( واحد لا بعدد ، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد)(1)
المعنى الثاني: نفي التعددية في صفات الذات المقدسة، بمعنى إنّ الذات الاِلَهيّة المقدّسة ذاتٌ بسيطةٌ لا كثرةَ فيها، ولا تركّب.
وهذا ما ذكرته الآية: ( قُلْ هُوَ اللهُ أحَد)(2) إشارة إلى أنّ صفاته عين ذاته أيّ بساطة لا كثر فيها.
قال أبو الحسن (عليه السلام): ( وإنّه عزّ وجل أَحديّ المعنى لا ينقسم في وجودٍ ولا وَهمٍ ولا عقلٍ)(3).
المرتبة الثانية: توحيد الصفات: وهو الاعتقاد بأنّ صفاته تعالى عين ذاته لا تزيد عليها، وذاته عين صفاته، فجميع صفات الله تعالى تعود إلى حقيقة واحدة وهي أنّ صفاته عين ذاته، فإذا أرادنا أن نمثّل بمخلوقاته تعالى كالإنسان موصوف بصفات معينة كالعلم، والحياة، وغيرها من الصفات، فإن صفة العلم أو الحياة زائدة على ذاته، وهكذا باقي الصفات. ففي هذا المثل يكون الصفة غير الموصوف، وأمّا صفات اللّه تعالى فهي عين ذاته، وذاته عين صفاته، وبعبارة أخرى أنّ اللّه وصفاته شيءٌ واحد، لا فرق بينهما في الوجود الحقيقي، أي لا اثنينية بينهما ابداً.
روى الحسين بن خالد عن الإمام الرضا(عليه السلام) قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: (لم يزل الله سبحانه عليما، قادراً، حياً، قديماً، سميعاً، بصيرا)، قلت: يا بن رسول الله أنّ قوماً يقولون: إنّه عالم بعلم، وقادر بقدرة، وحيّ بحياة، وقديم بقدم، وسميع بسمع، فقال (عليه السلام): (من قال بذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى، وليس من ولايتنا على شيء) ثم قال: (لم يزل الله سبحانه عليماً، قادراً، حياً، سميعاً، بصيراً لذاته) تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا(4).
المرتبة الثالثة: توحيد الأفعال، أو ما يسمّى أيضاّ بالتوحيد الأفعالي، وهو الاعتقاد بأنّه لا مؤثّر بالاستقلال في عالم الكون إلاّ الله سبحانه ، وإنّ تأثير سائر العلل إنّما هو على وجه التبعيّة لإرادته سبحانه ومشيئته، وذلك لانحصار التأثير الاستقلالي في الله سبحانه.
قال تعالى مخاطباً عيسى (عليه السلام): (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي)(5).
وهذا المعنى دقيق قد انزلق فيه أقدام اقوامٍ، فذهب قومٌ إلى الجبر، وآخرون إلى التفويض، وأمّا الامامية فمقولتهم معروفه، قد صدح بها أئمة الهدى(عليهم السلام): (لا جبر ولا تفويض ولكن أمرٌ بين امرين )(6)
عن المفضل بن عمر، عن ابي عبد الله ع قال : ( لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين قال: قلت: ما أمر بين أمرين؟ قال: مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته، فلم ينته فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك، فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية.)(7)
فالفعل مستند إلى الواجب من جهة, وذلك باعتبار لا مؤثر بالاستقلال سواه, وهو مستند إلى العبد أيضاً من جهة أُخرى، وذلك باعتباره المباشر للفعل، فليس الفعل فعله سبحانه فقط بحيث يكون منقطعاً عن العبد بتاتاً، حتّى يلزم منه الجبر، ويكون دوره دور المحل والظرف لظهور الفعل، كما أنّه ليس فعل العبد فقط حتّى يكون منقطعاً عن الواجب، وهو معنى التفويض، فإذاً هو أمر بين أمرين.
المرتبة الرابعة: توحيد العبادة: وتعني ألاّ معبود سواه، فلا يحق لأي مخلوق أن يشرك بالله أحداً ممن خلق في عبادته، إذ ينبغي أن تكون العبادة لله خالصة من أي شريك صغر أو كبر.
قال تعالى : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ )(8).
____________________________________________________________________________________________________________
(1) ميزان الحكمة ج 6 / 194(2) سورة التوحيد، آية1
(3) ميزان الحكمة ج 6 / 194(4) توحيد الصدوق ص 140 – 144(5) سورة المائدة، آية44(6) أصول الكافي، الكليني، ج1، ص160.(7) الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي ،ج1، ص237(8) سورة الزمر، آية11
اترك تعليق