كيف نشأت الاديان والعقائد لدى المجتمعات الانسانية؟

 إنّ الحديث عن (علم الاجتماع الديني)، أو ما يسمّى بعلم البحث عن نشأة الأديان، هو علم حديث نسبياً، حيث كانت بداياته مطلع القرن التاسع عشر, ومن أوائل العلماء الذين بحثوا فيه (سير جيمس فريزر)، و(تايلور)، و(إميل دوركايم)، و( كارل ماركس )، وغيرهم من علماء الاجتماع والأنثروبولوجي.

 وكيف كان، فالمتتبع لكلمات الفلاسفة، وعلماء الاجتماع يمكنه أن يقع على أهم النظريات المطروحة  في هذا المضمار، والّتي  تتحدث عن الأسباب المختلفة لبداية الأديان، وأنا سوف أؤجل النقاش في تلك النظريات تاركاً ذلك لوقت آخر. وإليك النظريات: 

النظرية الأولى: مركزية الروح  أو الاتجاه الروحي. 

وإنّ أصحاب هذه النظرية هم (تايلور(1)، وفريزر(2)، وهربرت سبنسر(3)) ذهبوا إلى أنّ الديانات قامت على أساس عبادة الأرواح، وذلك من خلال ما يراه الإنسان في عالم النوم، حيث اعتقد الإنسان ومنذ القدم أنّ هنالك عالمان منفصلان عن بعضهما البعض، وهما عالم البدن، وعالم الروح، وأنّ كلّ ما يحصل للإنسان من الخير، والشر، والسعادة، والشقاء يعود إلى الروح، لذلك يرى الإنسان في بداياته أنّه عليه أن يرضي الروح، ويتقرب إليها، ويقدّسها، فمن هنا نشأت الأديان، وفي الحقيقة هذه النظرية تَعتبِر أنّ منشأ الدّين وهو الجهل؛ لأنّ الإنسان القديم كان يتألم من تلك المظاهر الطبيعية، كالزلازل، والصواعق إلى آخره . وهو لا يعلم مصدرها وعلّتها وكيفية تكونها، فكان يظنّ أنّ لكل ظاهرة طبيعية روحاً، وكان يتخذ من هذه الروح إلهاً.

إذن هم يعرفون الدّين على أنه أداة تنظيمية تُسهم في عملية فهم ما يحيط بالإنسان كي يبقى الإنسان متعايشاً مع تلك القوى العظمى المجهولة لديه.

وبما أنّ العالم في تطور، وقد قدّمت التكنلوجيا المعاصرة خدمة جليلة للعلوم، والمعارف في شتّى المجالات، الامر الذي قلل من الشعور الديني مما أدى إلى اضمحلال الحاجة إلى الدّين.

النظرية الثانية: الدّين مرض عصبي. 

يذهب العالِم النفسي السويدي (سيغموند فرويد)(4) إلى أنّ الدّين عبارة عن مرض نفسي عصبي، يصيب الفرد، والمجتمع على حدٍّ سواء، وهذا المرض ناتج عن الانفعالات النفسيّة، والاضطرابات السلوكيّة الّتي تؤدي إلى الكآبة.

ثُم قال: ويمكن القضاء على الحاجة إلى الدّين عن طريق علاج تلك الانفعالات، والتشوهات النفسيّة. 

النظرية الثالثة: الدّين أداة لتنظيم المجتمع. 

وهذه النظريّة هي لعالِم الاجتماع المعاصر، والفيلسوف الفرنسي (ايميل دوركايم)، وخلاصتها: إنّ الدّين عبارة عن منظومة معتقدات، وممارسات اجتماعيّة منسوبة لشيء مقدّس، وهذا الأخير لا وجود حقيقي له، بل وجوده يرمز إلى تلك الحقائق، والممارسات الاجتماعية السائدة في ذلك المجتمع، ولولا تلك المعتقدات والممارسات الاجتماعية السائدة لأصبح الدين فاقدا لمعناه. 

النظرية الرابعة: الدّين مخدّر للشعوب.

وهي النظرية الّتي جاء بها الفيلسوف المادي (كارل ماركس)، تحت شعار (الدّين افيون الشعوب)، وخلاصة هذه النظرية: إنّ الدّين عبارة عن مؤسسة اجتماعية اقتصادية، يأخذ قيمه ومبادئه من القيم الاجتماعية السائدة في ذلك الزمان، ويعطيها صفة القدسيّة والخلود، الأمر الذي يجعل هذه القيم فوق حركة التطور والتغير في المجتمع، والغاية من ذلك كلّه هو إبقاء ما كان على ما كان. 

النظرية الجامسة: الدّين فطرة إنسانية.

إنّ النظرية الإلهيّة لنشوء الدّين هو الفطرة، وهذا ثابت بالأدلة القطعيّة من الكتاب والسنة والوجدان والعقل. 

قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )(5).

خلاصة ما في الآية: إنّ الله خلق الإنسان وفي فطرته توّاقاً إلى الدّين، وهذا ما يؤكده اجماع الإنسانيّة على مختلف عصورها ودهورها، حيث لم نجد مدينه، أو قرية، أو أيّ مجتمع، بل أيّ إنسان حتّى لو عاش منعزلاً عن الآخرين لم نجده إلاّ متديّناً، وإن أخطأ في تشخيص ما يعبده، فكانت الإنسانية مجمعة على أنّ للكون خالق عظيم، وهذا إنْ دلّ فإنّما يدلُّ على فطريّة هذا الاعتقاد، وإلاّ لما تطابقت عليه المجتمعات الإنسانيّة بتك الكيفيّة على ما اكده علماء النفس والانثروبولوجيا، ويتلاءم مع واقع الطبيعة البشرية كذلك.

_____________________________________________________________________________________________

(1) تشارلز مارغريف تيلور (بالإنجليزية: Charles Taylor) ولد في (5 نوفمبر 1931)، فيلسوف كندي من موريال بالكيبيك. يُعدّ أحد أبرز الفلاسفة المعاصرين في مجال الفلسفة السياسية والفلسفة الأخلاقية. (ويكيبيديا الموسوعة الحرة).

(2)جيمس جورج فريزر (  (James George Frszerأخذ لقب سير (sir)، (ولد في جلاسجو، اسكوتلاندا، (1 يناير، سنة 1854) توفي في جلاسجو، اسكوتلندا (7 مايو سنة1941)، عالم أنثروبولوجيا اسكوتلندي كبير، الف كتابه المشهور والضخم (الغصن الذهبي)، (the golden bough)، وهو عبارة عن دراسة في السحر والدين (1890)، (موسوعة ويكيبيديا).

(3) هربرت سبنسر (Herbert spencer)، هو فيلسوف بريطاني (27 ابريل 1820- 8 ديسمبر 1903)

(4) سيغيسموند شلومو فرويد يعرف اختصارًا بـسيغموند فرويد (6 مايو 1856—23 سبتمبر، 1939) هو طبيب نمساوي من أصل يهودي، اختص بدراسة الطب العصبي ومفكر حر يعتبر مؤسس علم التحليل النفسي.

(5) سورة الروم، آية30.