ما هوَ رأيُ الشيعةِ بالقائدِ طارقٍ بنِ زياد؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،ليسَ لدينا منَ المصادرِ عن شخصيّةِ طارق بنِ زياد سوى ما قرأناهُ في كتبِ التأريخِ وما هوَ معروفٌ لدى الكثيرِ مِن أنّه فاتحُ الأندلس الذي عبرَ بالجيشِ الإسلاميّ منَ العدوةِ المغربيّةِ إلى الأندلس، حيثُ توطّدَ الفتحُ الإسلامي وبقيَ ثمانيةَ قرون. أمّا نسبُه فمُختلَفٌ فيه، فبعضُ المؤرّخينَ يقولُ إنّه عربيٌّ مِن كهلان اليمنية، وبعضٌ يقولُ إنّه فارسيٌّ مِن همذان، وبعضٌ يقولُ إنّه بربريٌّ مِن قبيلةِ «نفزة». وقيلَ: إنّه كانَ مولىً لموسى بنِ نصير، ويقالُ إنّه أُسرَ وهوَ صغيرٌ، فربّاهُ وتعهّدَه حتّى أجادَ العربيّة، بدليلِ خُطبتِه البليغةِ التي حسمَت المعركةَ إذ خاطبَ جنودَه قائلاً: «العدوُّ مِن أمامِكم والبحرُ مِن ورائِكم...». ولكن هناكَ ما يُفنّدُ ما هو مذكورٌ عن هذهِ الشخصيّةِ وخصوصاً ما يتعلّقُ بالدعوى التي تقول: إنّه كانَ مولىً لموسى بنِ نصير، إذ منَ الناحيةِ التاريخيّةِ لبدايةِ غزو الأندلس مِن قبلِ الأمازيغ، يؤكّدُ الرقيقُ القيرواني والطبري وابنُ الأثير وابنُ عذاري أنَّ أوّلَ مَن دخلَ الأندلس هوَ الجاسوسُ الأمازيغي أبو زرعةَ طريفٌ بنُ مالك البرغواطي أبو صالحٍ بنِ طريف مؤسّسُ الدولةِ البرغواطية الثائرةِ ضدَّ الأمويّين، ولقد اختلفَ المؤرّخونَ في ديانةِ الأمازيغي طريفٍ بنِ مالك هل كانَ مُسلِماً أو يهوديّاً، وبعدَما ضبطَ طريفٌ بنُ مالك خطّةَ الغزوِ معَ قائدِه الأمازيغي طارقٍ بنِ زياد المُنحدرِ مِن قبيلةِ نفزة أو نفزاوة، تمّ غزو الأندلس سنةَ 711م (92هجري) بقيادةِ طارقٍ بنِ زياد النفزيّ، الذي قادَ إثني عشرَ ألفَ مُحاربٍ أمازيغيٍّ، مِن دونِ علمِ والي الأمويّينَ موسى بنِ نصير أو الخليفةِ الأموي الوليدِ بنِ عبدِ الملك، وهوَ ما أثارَ غضبَ موسى بنِ النصير ضدَّ طارقٍ بنِ زياد، وتحفّظَ الوليدُ بنُ عبدِ الملك منَ الرجلين بحيثُ عزلَهما بعدَ استدعائِه لهما، ثمَّ تمّ اغتيالُ طارقٍ بنِ زياد الذي لا يُعرَفُ قبرُه إلى يومِنا هذا. أمّا سببُ غزو الأندلس، فكانَ محاولةَ انتقامٍ مِن أميرِ الجزيرةِ الخضراء جوليان الإفرنجي مِن ملكِ إيبيريا روذريك الوندالي الذي اغتصبَ الأميرةَ فلورندا ابنةَ جوليان الذي حرّضَ فيما بعد طارقاً بنَ زياد على غزوِ الأندلس وسخّرَ لهُ كلَّ ما لديهِ منِ سفنٍ بحريّةٍ لنقلِ الجاسوسِ الأمازيغي طريفٍ بنِ مالك (مع 500 رجلٍ ) ثمَّ نقلَ 12.000 محاربٍ أمازيغي لغزو الأندلس. (كلُّ هذهِ التفاصيل موثّقةٌ في كتابِ تأريخِ أفريقية والمغربِ للرّقيق القيرواني وكتابِ تاريخِ الأممِ والملوكِ لأبي جعفرٍ الطبري). وانظُر كتابَ الرقيق، تاريخُ إفريقيا والمغرب، دارُ الغربِ الإسلامي، بيروت، 1990، ص: 44. ولـمّا بلغَ موسى بنَ نصير أنَّ طارقاً بنَ زياد فتحَ الأندلسَ ودخلَها، خافَ أن يحظى بذلكَ عندَ الخليفةِ، فغضبَ غضباً شديداً، وفي نفسِ السّياقِ يوردُ ابنُ كثيرٍ الدمشقي أنَّ موسى بنَ نصير كتبَ إلى طارقٍ يتوعّدُه لكونِه دخلَ بغيرِ أمرِه، ويأمرُه أن لا يتجاوزَ مكانَه حتّى يلحقَ به". وأمّا ما يتعلّقُ بتخريجِ النسبِ الأمازيغي لطارقٍ بنِ زياد ، فنجدُ كثرةً منَ القرائنِ التي تجودُ بها المتونُ التاريخيّة، فابنُ عذاري وغيرُه منَ المؤرّخينَ ينقلونَ عن النسّابةِ المغربي صالحٍ بنِ أبي صالح أنّه مِن قبيلةِ نفزة الأمازيغّية، وأنَّ أباهُ زياد كانَ قد اعتنقَ الإسلامَ معَ بدايةِ غزواتِ الأمويّ عقبةَ بنِ نافع للمغربِ الأقصى، إذ كانَ منَ العادةِ عندَ المُسلمينَ الجُدد تغييرُ أسمائِهم الى أسماءَ عربيّةٍ أو شبيهةٍ بالمُسلمين للدّلالةِ على تغيّرِ الحالِ والدينِ الى الإسلام. [ينظر: كتابُ البيانِ المغربِ في أخبارِ الأندلس والمغرب]. وأكّدَ النسبَ الأمازيغي لطارقٍ بنِ زياد أغلبُ المؤرّخينَ في القديمِ منهم المؤرّخُ ابنُ شباط التوزري 1221 ميلادي في كتابِه سلّةُ السمط الذي ذكرَ أنّه مِن قبيلةِ نفزة الأوراسيّة في الجزائر. وذكرَ نسبَ طارقٍ بنِ زياد إلى أمازيغ قبيلةِ نفزة المؤرّخُ يحيى بنُ خلدون شقيقُ المؤرّخِ الكبيرِ عبدِ الرحمانِ بنِ خلدون في كتابِه (بُغيةُ الروّادِ في ذكر ملوكِ بني عبدِ الواد). وذكرَ المؤرّخُ ابنُ خلّكان في كتابِه وفيّاتُ الأعيان أنّ طارقاً بنَ زياد أمازيغيٌّ. وفي كتابِ نُزهةِ المُشتاقِ في اختراقِ الآفاق للإدريسي 1100 ميلادي ذكرَ أنَّ طارقاً ابنَ زياد أمازيغيٌّ منَ القبيلةِ الكُبرى زناتة. وممّا يؤيّدُ صحّةَ النسبِ الأمازيغيّ لطارقٍ بنِ زياد، هو ما وردَ عن المؤرّخِ الأندلسي عبدِ الملكِ بنِ حبيب، الذي يقولُ فيه إنّ طارقاً بنَ زياد "كانَ طويلَ القامةِ، ضخمَ الهامةِ، أشقرَ اللون"، وهوَ ما يتناسبُ معَ فسيولوجيّة أمازيغِ شمالِ المغرب.وهناكَ مؤشّرٌ آخرُ يتمثّلُ في كونِ إسنادِ قيادةِ الجيش، الذي أنيطَت به مهمّةُ غزوِ الأندلس، لطارقٍ بنِ زياد، ، لأنّ معظمَ جنودِ هذا الجيشِ (12 ألفَ جُندي أمازيغي) كانوا منَ العرقيّةِ الأمازيغيّة، وبالتالي كانَت خطوةً محسوبةً، لأنّ القائدَ ينبغي أن يكونَ مِن تلكَ الأصولِ ، مُتفهّماً لنفسيّةِ جنودِه وعاداتِهم. ويسهلُ له التحكّمُ فيهم وتميلُ جنودُ الامازيغِ إلى إتّباعِه والانصياعِ له.وممّا يُستغرَبُ في المقامِ أنّ طارقاً بنَ زياد مِن خلالِ المراجعِ العربيّةِ القديمة كلّها تؤكّدُ أنّه غزا بلادَ الأندلس، ولم يلحَق بهِ الأمويّونَ العربُ سوى بعدَ عامٍ كاملٍ وتحديداً بعدَ أن بسطَ نفوذَه في إسبانيا، وهذا منَ المؤشّراتِ على أنّ طارقاً بنَ زياد الأمازيغي كانَ مُستقلّاً بحُكمِه وإمارتِه عن الأمويّين؟! ولذا كانَ غيرُ واحدٍ منَ الباحثينَ وخصوصاً المغاربةَ والجزائريّينَ يطرحُ هذا السؤال: هل كانَ طارقٌ بنُ زياد عبداً تابِعاً أو مولىً للأمويّين؟؟ إذ بحثوا في المراجعِ التأريخيّةِ فوجدوا قرائنَ تؤيّدُ أنّه كانَ مُستقلّاً بحُكمِه وإمارتِه عن الأمويّينَ، ومِن ذلكَ ما وردَ في كتابِ بورتريهات الملوكِ نجدُ دليلاً واضِحاً على استقلالِ طارقٍ بنِ زياد الأمازيغي بالحُكمِ عن الأمويّين، بل كانَ يُسمّى في المراجعِ الإسبانيّةِ القديمة وليَّ عهدِ المؤمنينَ انظُر كتابَCompendio de crónicas de reyes del Antiguo Testamento ففي هذهِ المراجعِ نجدُ صوراً وكلاماً عن طارقٍ بنِ زياد الذي غزا بلادَ الأندلس وهذهِ الصورةُ قديمةٌ مؤرّخةٌ منَ القرنِ 14 ميلادية، وهذهِ الوثيقةُ تنسفُ الروايةَ الأخرى مِن بينِ الرواياتِ الكثيرةِ التي نُسبَت زوراً لهذهِ الفترة والتي تدّعي أنَّ طارقاً بنَ زياد كانَ مولى أي كانَ عبداً للأمويّين، في حينِ أنّ الوثيقةَ التي أمامَنا تصفُه بأميرِ المؤمنينَ ملكِ المغربِ والقائدِ الأعلى للجيشِ المغربي، وهذا يعني أنّه كانَ ملكاً أمازيغيّاً مُستقلّاً بحُكمِه عن العربِ الأمويّين، وهذا ما يُفسّرُ قيامَه بغزوِ بلادِ الأندلس دونَ علمِ الخليفةِ الأمويّ بالشام وأميرِ القيروان في تونس موسى بنِ نصير كما ذكرَته المراجعُ العربيّة. وهذه الوثيقةُ تسردُ أحداثَ الاحتلالِ الموري الأمازيغي لإسبانيا، إذ يذكرُ فيها الملكُ رودريغو والكونت يوليان حاكمُ سبتة في الفقرةِ الأولى، ثمَّ ينتقلُ إلى ذكرِ طارقٍ بنِ زياد وكتبَ عليها: De Africa Tarich el fijo del miramomolin Rey de Marruecos fo muy grandes poderes de moros aribo en Tarifa ويمكنُ ترجمتُها إلى العبارةِ التالية: (مِن إفريقيا، طارقٍ ابنِ أمير المؤمنين ملكِ المغربِ صاحبِ قوّاتٍ ونفوذٍ كبيرٍ للمغاربةِ وصلَ إلى طريفة). وتوجدُ المخطوطةُ كذلكَ في مكتبةِ إسبانيا الوطنيّة، ويمكنُ مُطالعتُها على موقعِ المكتبة، طارقٌ بنُ زياد والملكُ رودريغو في الصفحةِ 59. وعليهِ: فإن كانَ القائدُ طارقاً بنَ زياد مُستقلّاً بحُكمِه عن الأمويّينَ كما ذكرَت هذهِ الوثيقةُ، ففتوحاتُه تُحسَبُ له، وإن كانَ تابعاً في فتوحاتِه لِما خطّطَ له الأمويّيونَ، فهوَ حينئذٍ سيعدُّ ممَّن عملَ لتقويةِ سُلطةِ بني أميّة، ومعلومٌ لدى كثيرٍ منَ المُسلمينَ المُنصفينَ ظلمُ بني أميّةَ للإسلامِ عموماً ولشيعةِ أهلِ البيتِ خصوصاً، إذ لم يكُن هَمُّهُم الإسلامُ ومصلحتُه، وإنّما كانَ هَمُّهُم بالدرجةِ الأولى مصلحتُهم الفئويّةُ وتقويةُ نفوذِهم وسلطانِهم، حتّى باتَ يُضرَبُ المثلُ بظُلمِهم، والقرآنُ حذّرنا منَ الركونِ إلى الظلمة، قالَ تعالى: {وَلَا تَركَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أَولِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود : 113]. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق