هل أبو الطيّبِ المُتنبيّ شيعيٌّ؟ وهل هوَ علويٌّ؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،يعدُّ المُتنبّي منَ الشعراءِ الذينَ أثاروا الكثيرَ منَ الجدلِ على مرِّ الأزمنة، فانقسمَ النقّادُ فيه إلى ثلاثِ فرقٍ، فمِنهم مُنصفٌ له ومنهم مُتعصّبٌ له ومنهم مُتعصّبٌ ضدَّه، فأمّا المُتعصّبونَ ضدَّه فقد اتّهموهُ بادّعاءِ النبوّة، وكذا بالانتماءِ إلى جماعةِ القرامطة، ولعلَّ مِن أردأ الأقوالِ فيما اتّهمَ بهِ المُتنبّي هوَ ما جاءَ بهِ طهَ حُسين وأساتذتُه المُستشرقونَ مِن أنّهُ مجهولُ النسب. وأمّا المُتعصّبونَ له فقد غالوا في حبِّه له فجعلوه علويّاً، وفوقَ هذا جعلهُ بعضُهم مِن أئمّةِ الشيعةِ مثلَما جاءَ بهِ د: عبدُ الغني الملّاح الذي قال: إنّ المُتنبّي هوَ ابنٌ للإمامِ الثاني عشر؟ والمُتصفّحُ لهذا الكتابِ يجدُ فيه الكثيرَ منَ الأخطاءِ والأوهامِ التي تستندُ على بعضِ التأويلاتِ لبعضِ الأبياتِ المُفرّقةِ في ديوانِ المُتنبي. ولعلَّ أهمَّ سببٍ جعلَ النقّادَ يتفرّقونَ في الحُكمِ عليه هوَ شعرُه المليءُ بالأسرارِ والألغاز، حتّى قيلَ إنّه لم يذكُر والدَه. فلذا مَن يتتبّعُ سيرتَه يجدُ أنّ هناكَ اختلافاً في مذهبِه، فبعضُهم ينسبُه إلى مذهبِ الإسماعيليّةِ مُستنداً في ذلكَ إلى بعضِ أشعارِه التي تتضمّنُ بعضَ مُعتقداتِهم [ينظر: كتابُ الجامعِ في تاريخِ الأدبِ العربيّ للفاخوريّ ج1/ص789]، وذكرَ الفاخوريُّ عن الخطيبِ البغداديّ أنّ أبا الطيّبِ في بدايتِه حينَ خرجَ إلى بني كلب وأقامَ فيهم ادّعى أنّه علويٌّ حسنيّ. [ينظر: كتابُ الجامعِ في تاريخِ الأدبِ العربيّ للفاخوريّ ج1/ص789]. ومنَ الباحثينَ المُعاصرينَ المعروفينَ وهوَ محمود محمّد شاكر في كتابِه المُتنبيّ يرى مِن خلالِ شعرِه أنّه علويٌّ بالنسبِ وليسَ بالمذهب، ولكنّ السيّدَ مُحسن الأمين العامليّ صاحبَ أعيانِ الشيعة في  (ج2/ص515) يذهبُ إلى أنّه كانَ شيعيّاً، فيذكرُ عدّةَ أمورٍ تدلُّ على ذلكَ، وهي: 1 -أنّه مِن أهلِ الكوفةِ الذينَ عُرفوا بالتشيّعِ، وغلبَ عليهم هذا المذهب. 2- أنَّ قبيلةَ جعفي التي ينتسبُ إليها المُتنبّي وأبوهُ معروفةٌ بالتشيّعِ ففيها مِن رجالِ الشيعةِ جابرٌ الجُعفي مِن أصحابِ الباقرِ والصادقِ (ع) والمُفضّلُ بنُ عُمر الجُعفي مِن أصحابِ الصادقِ (ع) وولدُه محمّدٌ بنُ المُفضّلِ بنِ عمرَ مِن أصحابِ الكاظم (ع) وعمرو بنُ شمر الجُعفي مِن أصحابِ الصادق (ع).  3- نقلَت جريدةُ القبسِ في عددِ 1108 عن ماسينيون المُستشرقِ الإفرنسي أنّه جعلَ مِن جُملةِ الأدلّةِ على تشيّعِ المُتنبي أنَّ قبيلةَ جُعفي التي ينتسبُ إليها عيدان السّقا والدُ المُتنبّي عُرفَت بصبغتِها الشيعيّة، وعدا ذلكَ فقد أنجبَت هذهِ القبيلةُ أربعةً مِن رؤساءِ الشيعةِ وهُم جابرٌ ومُفضّلٌ وولدُه محمّد وعمرُ بنُ الفرات، وإن كانَ الأخيرُ مِن أصحابِ الرّضا (ع) لكن ليسَ هناكَ أحدٌ وصفَه بالجُعفي. 4- أنَّ محلّةَ كندة التي ولدَ فيها أبو الطيّبِ هيَ محلّةٌ عُرفَ أهلُها بالتشيّع، وهذا أيضاً ممّا جعلهُ ماسينيون مِن أدلّةِ تشيّعِه، وأنَّ الشاعرَ منسوبٌ إلى المحلّةِ لا إلى القبيلةِ لكنَّ الظاهرَ أنَّ تسميةَ تلكَ المحلّةِ بكندةَ لسكنِ قبيلةِ كندةَ بها، وكندةُ أيضاً معروفةٌ بالتشيّعِ، ومِنها حجرٌ بنُ عدي الكندي الصحابيُّ وقيسٌ بنُ فهدان الكندي الشاعرُ الشيعيُّ المشهور وغيرُهما. 5- أنَّ والدةَ المُتنبي همدانيّةٌ صحيحةُ النسبِ منَ الكوفيّاتِ الصّالحات، وتشيّعُ قبيلةِ همدانَ أشهرُ مِن نارٍ على علمٍ حتّى قالَ فيها أميرُ المؤمنينَ علي (ع). فلو كنتُ بوّاباً على بابِ جنّةٍ  لقلتُ لهمدانَ ادخلوا بسلام 6-ما جاءَ في أشعارِه فقد سمعتُ ما رواهُ صاحبُ نسمةِ السّحرِ عن والدِه أنَّ للمُتنبّي عدّةَ قصائد في مدحِ أميرِ المؤمنينَ علي (ع) أسماها العلويّات حُذفَت مِن ديوانِه، وسواءٌ صحَّت هذه الروايةُ أم لم تصحَّ ففيما نُقلَ مِن شعرِه في هذا المعنى كفاية. 7-ويؤيّدُ هذا الأخير أنَّ القاضي نورُ اللهِ استظهرَ تشيّعَه في مجالسِ المؤمنين، وذكرَه السيّدُ يوسفُ بنُ يحيى الحسني اليماني في كتابِه نسمةُ السّحر بـ "ذكر مَن تشيّعَ وشعرَ وحكى" فيهِ الجزمُ بتشيّعِه عن والدِه السيّدِ يحيى، فقالَ: أخبرني القاضي العلّامةُ أبو محمّدٍ أحمدُ بنُ ناصرٍ بنِ محمّدٍ بنِ عبدِ الحقِّ عن والدي رحمَه اللهُ أنَّ أبا الطيّبِ كانَ يتحقّقُ بولاءِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (ع) تحقّقاً شديداً، وإنَّ له فيه عدّةَ قصائدَ سمّاها العلويّات، وإنّما حُذفَت مِن أكثرِ نُسخِ ديوانِه لشدّةِ التعصّباتِ في المذاهب. ومـمّا يؤيّدُ تشيّعَه أنّه سُئلَ ذاتَ يومٍ، لماذا تركتَ مدحَ الإمامِ عليّ (ع)، وأنتَ ابنُ الكوفة، فأجابَ : وتَركتُ مدحي للوَصيّ تعمُّداً  إذ كانَ نوراً مُستطيلاً شامِلا وإذا استقَلَّ الشيءُ قامَ بذاتهِ  وكذا ضياءُ الشمسِ يذهبُ باطِلا ولهُ أيضاً:أبا حسنٍ لو كانَ حبُّكَ مُدخلي  جهنّمَ كانَ الفوزُ عندي جحيمُها وكيفَ يخافُ النارَ مَن كانَ موقِناً  بأنَّ أميرَ المؤمنينَ قسيمُها. ودمتُم سالِمين.