الإمامُ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجَه) أمانٌ لأهلِ الأرضِ والسماء
ما صحّةُ القولِ المنسوبِ للإمامِ المهديّ (إنّي أمانٌ لأهلِ الأرضِ كما أنَّ النجومَ أمانٌ لأهلِ السماء) ومَن هُم أهلُ السماء؟
السلامُ عليكُم، وردَ هذا الحديثُ الشريفُ بهذا اللفظِ في جوابِ الإمامِ الحُجّةِ (عجّلَ اللهُ فرجَه) عن مسائلِ أحمدَ بنِ إسحاق، وهي سبعةَ عشرَ سؤالاً أشكلَت عليهِ فأرسلَها إلى النائبِ الثاني محمّدٍ بنِ عثمانَ العمري، فخرجَ الجوابُ عن الناحيةِ المُقدّسة. روى الشيخُ الصّدوق: حدّثنا محمّدٌ بنُ محمّدٍ بنِ عصام الكُليني رضيَ اللهُ عنه قالَ : حدّثنا محمّدٌ بنُ يعقوب الكُليني ، عن إسحاقَ بنِ يعقوب قال : سألتُ محمّداً بنَ عُثمان العُمري رضيَ اللهُ عنه أن يوصلَ لي كتاباً قد سألتُ فيه عن مسائلَ أشكلَت عليَّ فوردَ التوقيعُ بخطِّ مولانا صاحبِ الزمانِ عليهِ السلام : ... وأمّا وجهُ الانتفاعِ بي في غيبتِي فكالانتفاعِ بالشمسِ إذا غيّبَتها عن الأبصارِ السّحاب، وإنّي لأمانٌ لأهلِ الأرضِ كما أنَّ النّجومَ أمانٌ لأهلِ السّماء، فأغلقوا بابَ السؤالِ عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علمَ ما قد كُفيتم، وأكثروا الدعاءَ بتعجيلِ الفرج، فإنَّ ذلكَ فرجَكم والسلامُ عليكَ يا إسحاق بنَ يعقوب وعلى مَن اتّبعَ الهُدى. (كمالُ الدينِ للصّدوق، ص485، ورواهُ الطوسي بسندٍ آخر عن الكُليني، لاحِظ الغيبةَ للطوسي، ص291 – 292). وهذا الحديثُ بهذا المضمونِ متواترٌ، (كحديثِ النجومِ، وحديثِ السفينة: أهلُ بيتي فيكُم كسفينةِ نوحٍ مَن ركبَها نجا ومَن تخلّفَ عنها غرق، وحديثُ: لولا الحُجّة لساخَت الأرضُ بأهلِها، وغيرِها منَ المضامينِ الكثيرةِ جدّاً) ومعناهُ أنّ خليفةَ اللهِ هوَ الغايةُ منَ الخلقة، فلولا وجودِه لانتفَت الغايةُ مِن خِلقةِ العالم، فلو كانَ الخليفةُ موجوداً كانَ الفيضُ نازلاً عليهم مِن طريقِه، وأمّا إذا ارتفعَ الخليفةُ فتنتفي الغايةُ مِن خِلقة العالم، ويضلّونَ عن الطريق، وترتفعُ الهداية، وينزلُ العذابُ على أهلِ الأرض، ويخربُ العالم. وذكرُ الأرضِ مِن بابِ أنّ مركزَ الخلافةِ هيَ الأرض، قالَ تعالى: { إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة } فخلافةُ آدم كانَت على أهلِ السّماءِ أيضاً، فالخليفةُ خليفةٌ على أهلِ الأرضِ والسّماء، والخليفةُ أمانٌ لأهلِ الأرضِ والسّماءِ معاً، وليسَ أمانُهم مُختصّاً بأهلِ الأرض، فهوَ مصدرُ الهدايةِ وأمانٌ للجميعِ منَ الضلال، وأمانٌ لهم منَ العذاب، وأمانٌ لهم منَ الفناءِ وزوالِ الدنيا. والمُرادُ مِن أهلِ بيتِ النبيّ، الذينَ هُم أمانٌ لأهلِ الأرض، هُم الأئمّةُ الإثني عشر، الذينَ وقعَ الحثُّ على التمسّكِ بهم في حديثِ الثقلين، وأنّه لا نجاةَ منَ الضّلالِ إلّا باتّباعِهم والتمسّكِ بهم، وأنّهم باقونَ إلى يومِ القيامة، وأنّهم لن يفترقوا عن الكتابِ طرفةَ عين، وهُم مرادُ النبيّ (ص) بحديثِ الإثني عشرَ خليفةً، وهُم صفوةُ الخلقِ الذينَ يمكنُ أن يكونوا أماناً لأهلِ الأرضِ منَ الضلالِ والهلاكِ والفناء. وليسَ المرادُ مِن أهلِ البيت ـ في الحديثِ - مُطلَقَ الذريّةِ النبويّةِ، فإنَّ فيهم المُحسنَ والمُسيء، والمُهتدي والضال، ولا يُعقلُ أن يكونَ المُسيءُ والضالُّ أماناً لأهلِ الأرض. ولا المرادُ مِن أهلِ البيت ـ في الحديثِ – المتّقين مِن أمّةِ النبيّ (ص)، إذ لا يصحُّ إطلاقُ أهلِ البيتِ عليهم حقيقةً، وما رويَ: آلُ محمّدٍ كلُّ تقي، فهوَ حديثٌ عامّيٌّ ضعيفٌ عندَهم، وغيرُ مرويٌّ عندَنا، ولو صحَّ فهوَ مِن قبيلِ قولِه (ص): سلمانُ مِنّا أهلَ البيت، ليسَ إطلاقاً حقيقياً، وإنّما تنزيليٌّ توسيعيٌّ مجازي، والمرادُ منه القربُ وعلوّ الدرجةِ، لا أنّهم (سلمان، وكلّ تقي) أهلُ البيتِ حقيقةً، ولذا لا يصحُّ حملُ المُصطلحِ (أهل البيت) عليهم. فلا تغفل. ولا المرادُ مِن أهلِ البيتِ ـ في الحديثِ - أزواج النبيّ (ص) فقد انقرضوا. فتنبّه. وأهلُ السّماءِ هُم الموجوداتُ التي تسكنُ السّماءَ، وهُم الملائكة. ونذكرُ بعضَ الرواياتِ الواردةِ في هذا المجال: روى الحاكمُ بسندِه عن محمّدٍ بنِ المُنكدر عن جابرٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وإنّه لعلمٌ للساعةِ فقالَ: النجومُ أمانٌ لأهلِ السّماءِ فإذا أذهبَت أتاها ما يُوعدون وأنا أمانٌ لأصحابي ما كنتُ فإذا ذهبتُ أتاهم ما يوعدونَ وأهلُ بيتي أمانٌ لأمّتي فإذا ذهبَ أهلُ بيتي أتاهُم ما يُوعدون. قالَ الحاكم: صحيحُ الإسنادِ ولم يُخرجاه. (المُستدرَك على الصّحيحين: 2 / 448). وروى الحاكمُ بسندِه عن عطاءَ عن ابنِ عبّاس رضيَ اللهُ عنهما قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم النجومُ أمانٌ لأهلِ الأرضِ منَ الغرق، وأهلُ بيتي أمانٌ لأمّتي منَ الاختلافِ فإذا خالفَتها قبيلةٌ منَ العربِ اختلفوا فصاروا حزبَ إبليس. قالَ الحاكمُ: هذا حديثٌ صحيحُ الإسنادِ ولم يُخرجاه. (المُستدركُ على الصّحيحين: 3 / 149).وروى الحاكمُ بسندِه عن محمّدٍ بنِ المُنكدر عن أبيهِ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أنّه خرجَ ذاتَ ليلةٍ وقد أخّرَ صلاةَ العشاءِ حتّى ذهبَ منَ الليلِ هنيهة أو ساعة والناسُ ينتظرونَ في المسجدِ فقالَ ما تنتظرونَ فقالوا ننتظرُ الصّلاةَ فقالَ إنّكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتموها ثمَّ قالَ أما إنّها صلاةٌ لم يُصلّها أحدٌ ممَّن كانَ قبلَكم مِنَ الأممِ ثمَّ رفعَ رأسَه إلى السّماءِ فقالَ النجومُ أمانٌ لأهلِ السّماءِ فإن طُمسَت النجومُ أتى السماءَ ما يوعدون وأنا أمانٌ لأصحابي فإذا قُبضتُ أتى أصحابي ما يُوعدون وأهلُ بيتي أمانٌ لأمّتي فإذا ذهبَ أهلُ بيتي أتى أمّتي ما يُوعدون.(المُستدرَك على الصّحيحين: 3 / 457). وروى الرويانيّ بسندِه عن إيّاسَ بنِ سلمة ، عن أبيه ، قالَ : قالَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم: النجومُ أمانٌ لأهلِ السّماء ، وأهلُ بيتي أمانٌ لأهلِ الأرض. (مسندُ الروياني: 2 / 258 رقم 1164). وروى الرّوياني بسندِه عن إياسَ بنِ سلمة، عن أبيه، أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم قالَ: النجومُ في السّماءِ أمانٌ لأهلِ السّماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأمّتي. (مُسنَدُ الروياني: 2 / 258 رقمُ 1165، المُعجَمُ الكبيرُ للطبراني: 7 / 22، المطالبُ العاليةُ لابنِ حجر، رقم 3972). وروى أحمدُ بنُ حنبل بسندِه عن عليٍّ بنِ أبي طالب قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ و سلّم: النجومُ أمانٌ لأهلِ السّماء إذا ذهبَت النجومُ ذهبَ أهلُ السّماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأهلِ الأرضِ فإذا ذهبَ أهلُ بيتي ذهبَ أهلُ الأرض. (فضائلُ الصحابةِ لاحمدَ بن حنبل: 2 / 671 رقم 1145). وروى ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشق بسندِه عن أميرِ المؤمنينَ (ع) في كلامِه يوم الشورى: الحمدُ للهِ الذي اتّخذَ مُحمّداً منّا نبيّاً وابتعثَه إلينا رسولاً فنحنُ بيتُ النبوّةِ ومعدنُ الحِكمةِ أمانٌ لأهلِ الأرضِ ونجاةٌ لمَن طلبَ لنا حقّاً إن نُعطِه نأخذُه وإن نمنَعهُ نركبُ أعجازَ الإبلِ وإن طالَ السّرى. (تاريخُ مدينةِ دمشقَ لابنِ عساكر: 42 / 429). وروى الصّدوقُ بسندِه عن جابرٍ بنِ يزيد الجُعفي، قالَ: قلتُ لأبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ علي الباقر عليهما السلام لأيّ شيءٍ يُحتاجُ إلى النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله والإمام؟ فقالَ لبقاءِ العالمِ على صلاحِه، وذلكَ أنَّ اللهَ عزَّ وجل يرفعُ العذابَ عن أهلِ الأرضِ إذا كانَ فيها نبيٌّ أو إمامٌ قالَ اللهُ عزَّ وجل: { وما كانَ اللهُ ليُعذّبَهم وأنتَ فيهم } وقالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله: النجومُ أمانٌ لأهلِ السّماءِ وأهلُ بيتي أمانٌ لأهلِ الأرضِ فإذا ذهبَت النجومُ أتى أهلَ السّماءِ ما يكرهونَ وإذا ذهبَ أهلُ بيتي أتى أهلَ الأرضِ ما يكرهون. (عللُ الشرائع: 1 / 124). وروى الصّدوقُ بسندِه عن عليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السلام قالَ: قالَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله: النجومُ أمانٌ لأهلِ السّماءِ فإذا ذهبَت النجومُ ذهبَ أهلُ السّماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأهلِ الأرضِ فإذا ذهبَ أهلُ بيتي ذهبَ أهلُ الأرض. (كمالُ الدينِ للصّدوق، ص205). والرواياتُ بهذا المعنى متواترةٌ في كتبِ الشيعةِ الإماميّة. وهذا المضمونُ صرّحَ به علماءُ العامّةِ أيضاً: قالَ السّمهوديّ في تنبيهاتِ حديثِ الثقلين: ثالثُها: إنَّ ذلكَ يُفهِمُ وجودَ مَن يكونُ أهلاً للتمسّكِ به مِن أهلِ البيتِ والعترةِ الطاهرةِ في كلِّ زمانٍ وجدوا فيه إلى قيامِ السّاعة، حتّى يتوجّهَ الحثُّ المذكورُ إلى التمسّكِ به، كما أنَّ الكتابَ العزيزَ كذلك، ولهذا كانوا - كما سيأتي - أماناً لأهلِ الأرضِ، فإذا ذهبوا ذهبَ أهلُ الأرض. (جواهرُ العقدين، ص244) وقالَ المناوي: شبّهَهم بنجومِ السّماءِ وهيَ التي يقعُ بها الاهتداءُ وهيَ الطوالعُ والغواربُ والسيّاراتُ والثابتات، فكذلكَ بهم الاقتداءُ وبهم الأمانُ منَ الهلاك. (فيضُ القديرِ في شرحِ الجامعِ الصغير: 6 / 386). وقالَ ابنُ حجر: وفي أحاديثِ الحثِّ على التمسّكِ بأهلِ البيتِ إشارةٌ إلى عدمِ انقطاعِ مُتأهّلٍ منهم للتمسّكِ به إلى يومِ القيامةِ كما أنَّ الكتابَ العزيزَ كذلك ولهذا كانوا أماناً لأهلِ الأرضِ كما يأتي. (الصواعقُ المُحرقة لابنِ حجر، ص151). وقالَ: الآيةُ السابعةُ: قولهُ تعالى: { وما كانَ اللهُ ليُعذّبَهم وأنتَ فيهم } الأنفالُ 33 أشارَ إلى وجودِ ذلكَ المعنى في أهلِ بيته وإنّهم أمانٌ لأهلِ الأرضِ كما كانَ هوَ أماناً لهم وفي ذلكَ أحاديثُ كثيرةٌ يأتي بعضُها. (الصواعقُ المُحرقة، ص152). والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق