مَن هوَ صاحبُ الأرضِ الشرعيُّ في أورشليم؟ اليهودُ أم الفلسطينيّونَ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : لا يوجدُ حتّى مُجرّدُ شُبهةٍ يمكنُ التمسّكُ بها لحقِّ الصهاينةِ في فلسطينَ عامّةً أو القدسِ خاصّةً، فكلُّ البحوثِ العلميّةِ والتاريخيّةِ والحفريّاتِ الأثريّةِ تنفي أيَّ حقٍّ تاريخيٍّ لليهودِ في أرضِ فلسطين، وما يتمسّكُ به الصهاينةُ هوَ نصوصٌ توراتيّةٌ لا يمكنُ التسليمُ بصحّتِها، وإذا صحَّت لا يمكنُ القبولُ بتفسيرِها وتأويلِها على أرضِ فلسطين، وقد بدأتِ النصوصُ التوراتيّةُ تتهاوى بالفعلِ أمامَ البحوثِ العلميّةِ لعلماءِ الآثارِ الغربيّين، وقد استشهدَ الباحثُ الفرنسي (روجيه غارودي) بأقوالِ الكثيرِ مِن علماءِ الآثارِ الغربيّينَ في كتابِه (الأساطيرُ المؤسّسةُ للسياسةِ الإسرائيليّة) الذي نُشرَ عامَ 1996، حيثُ أكّدَ في هذا الكتابِ أنَّ كلَّ ما يتمسّكُ به الصهاينةُ هوَ مُجرّدُ أساطيرَ لاهوتيّةٍ لا علاقةَ لها بالحقيقةِ العلميّةِ والتاريخيّة، فأسطورةُ الأرضِ الموعودةِ بحسبِ غارودي ليسَ إلّا ذريعةً للاستعمارِ والهيمنةِ على أرضِ الغير، وقد اعترفَ بذلكَ الحاخامُ (آلمر برغر) الرئيسُ السابقُ لرابطةِ مِن أجلِ اليهود، كما تعرّضَ لذلكَ (ألبير دي بوري) في رسالتِه للدّكتوراه حولَ الوعدِ الإلهيّ والخرافةِ الشعائريّةِ في أدبيّاتِ يعقوب، وخلصَ فيها إلى أنَّ تفسيرَ الوعدِ الإلهيّ بالمعنى الذي تروّجُ له إسرائيلُ ليسَ إلّا تبريراً لغزوِها لفلسطين. وقد توصّلَ عالمُ الآثارِ (كيث وايتلام) إلى نفسِ هذهِ النتيجة، في كتابِه (اختلاقُ إسرائيلَ القديمةِ وإسكاتُ التاريخِ الفلسطيني)، حيثُ أكّدَ فيه المحاولاتِ التي تمّت لطمسِ التاريخِ الحقيقيّ لدواعٍ سياسيةٍ. وأظهرَت الاكتشافاتُ الآثاريّةُ والتاريخيّةُ، على أيدي علماءِ آثارٍ وتاريخ، منهُم البروفيسور توماس طومسون في كتابِه (السردُ التوراتيُّ وتاريخُ فلسطين)، أنَّ التاريخَ المعروفَ لدى العالمِ المُعاصرِ عن إسرائيلَ والإسرائيليّينَ يستندُ إلى قصصٍ منَ العهدِ القديمِ مِن صُنعِ الخيال، وأنَّ نتائجَ التنقيباتِ، في العقدِ الأخير، برهنَت على أنَّ التسلسلَ الزمنيَّ لتاريخِ المنطقةِ يستندُ على مُدّعياتٍ أدبيّةٍ وسياسيّةٍ وإيديولوجيّة، غرضُها ترتيبُ العهدِ القديمِ وتأويله. وقد تناولَت الكثيرُ منَ الصّحفِ الأجنبيّةِ ما توصّلَ لهُ علماءُ الآثار، حيثُ نشرَت مجلّةُ التايم مقالاً بعنوان (هل التوراةُ حقيقةٌ أم خيال)، ونشرَت مجلّةُ لو نوفيل أوبسرفاتور الفرنسيّةُ تحقيقاً شملَ كلَّ هذهِ العناوين: (الطوفانُ، إبراهيمُ، موسى، الخروجُ، التوراة، الحقيقةُ والأسطورة، الاكتشافاتُ الجديدةُ لعلمِ الآثار)، كتبَه فيكتور سيجيلمان، وجان لوك بوتيه، وصوفيا لوران. وقد اجتهدَ علماءُ الآثارِ الإسرائيليّونَ مِن خلالِ الحفريّاتِ الأثريّةِ للبرهنةِ تاريخيّاً على ما جاءَ في التوراة، إلّا أنَّ النتائجَ جاءَت على عكسِ ما يتمنّونَ، حيثُ بيّنَت لهم الآثارُ أسطورةَ أرضِ الميعادِ، ومِن بينِ هؤلاءِ الباحثينَ الذينَ شكّكوا في حكاياتِ العهدِ القديم (إسرائيل فنكلشتاين) مِن جامعةِ تلّ أبيب، والمعروفِ (بأبي الآثار)، وقد نشرَ تقريراً في مجلّةِ (جيروزاليم ريبورت) الإسرائيليّة، أكّدَ فيه أنَّ علماءَ الآثارِ اليهودَ لم يعثروا على شواهدَ تاريخيّةٍ أو أثريّةٍ، تدعمُ بعضَ القصصِ الواردةِ في التوراةِ، ومِنها قصصُ الخروجِ والتيهِ في سيناء، وانتصار يوشعَ بنِ نون على كنعان. كما شكّكَ في قصّةِ داودَ التوراتيّة الأكثر ارتباطاً بالقدسِ بحسبِ مُعتقداتِ اليهود، وقالَ إنّه ليسَ مِن أساسٍ أو شاهدِ إثباتٍ تاريخيّ على وجودِ هذا الملكِ المُحاربِ الذي اتّخذَ القدسَ عاصمةً له، مؤكّداً أنَّ شخصيّةَ داود زعيماً يحظى بتكريمٍ كبير، لأنّهُ وحّدَ مملكتَي يهودا وإسرائيل، مُجرّدُ وهمٍ وخيالٍ لم يكُن لها وجودٌ حقيقي. وأكّدَ أنَّ وجودَ باني الهيكلِ سُليمانَ بنِ داود مشكوكٌ فيه أيضاً. وقالَ عالمُ الآثارِ في جامعةِ تل أبيب، البروفيسور زائيف هرتزوغ، الذي شاركَ في أعمالِ الحفر، إنَّ كلَّ الأحداثِ المذكورةِ في التوراةِ تتناقضُ تماماً معَ ما توصّلَ إليهِ علماءُ الآثار. وتوصّلَ أستاذُ التاريخِ في جامعةِ تلّ أبيب، شلومو ساند، في كتابِه (متى وكيفَ تمّ اختراعُ الشعبِ اليهودي)، إلى أنَّ الصهاينةَ الجُددَ وليسَ اليهودَ هُم الذينَ اخترعوا أرضَ إسرائيل، كما نفى وجودَ شعبٍ يهوديٍّ تمّ إرغامُه على الخروجِ منَ البلادِ إلى الشتاتِ، وأكّدَ أنَّ مُعظمَ يهودِ أوروبا الشرقيّةِ هُم مِن نسلِ مُجتمعاتٍ وأفرادٍ تهوّدوا خلالَ مراحلَ تاريخيّةٍ. وللوقوفِ على تفاصيلَ أكثر يمكنُ الرجوعُ إلى مقالٍ بعنوان (البحثُ الخائبُ عن فرضيّةِ أرضِ الميعاد) للكاتبِ محمود العلي، الذي نُشرَ في موقعِ العربي الجديد.
اترك تعليق