حلفُ المعصومِ بغيرِ اللهِ تعالى وخصوصاً بمعصومٍ مثله
هل هناك روايات تدل على ان المعصمون و الائمة الاثنا عشر كانوا يحلفون بغير الله(بالاخص بأنفسهم) يعني امام يحلف بامام او معصوم او بالعكس ارجو ذكر الاحاديث من الجانبين وشكرا
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،الجوابُ: بعدَ البحثِ والتدقيقِ في كتبِ الحديثِ والرواياتِ وجَدنا رواياتٍ عن المعصومينَ عليهم السلام فيها تصريحٌ بالحلفِ بغيرِ الله تعالى في عدّةِ رواياتٍ مِنها: 1- قولُ الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام) في حديثٍ: (... لا وقرابتي مِن رسول الله .... ) (الكافي 1 / 144). فلاحِظ أنّ الإمامَ الرّضا (ع) يحلفُ بقرابتِه مِن رسولِ الله (ص). 2- وقولُ الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام) أيضاً: (... تعدّوا وبيتِ الله الحقَّ ... ) (الكافي 1 / 157). فلاحِظ أنّ الإمامَ الرّضا (ع) يحلفُ ببيتِ اللهِ تعالى. 3- قولُ أبي جريرٍ القمّي لأبي الحسنِ (عليهِ السلام): (جُعلتُ فداكَ، قد عرفتَ انقطاعي إلى أبيكَ ثمَّ إليك، ثمَّ حلفتُ له: وحقِّ رسولِ الله وحقِّ فلانٍ وفلان حتّى انتهيتُ إليه...) (الكافي 1 / 31). فلاحِظ قولَ الرّاوي أبي جريرٍ القمّيّ وحلفِه للإمامِ أبي الحسن (ع)، والإمامُ ساكتٌ لم يُنكِر عليه، وهذا معناهُ إقرارٌ منهُ على حلفِه بالمعصومينَ عليهم السلام. وهذا الموردُ وحدَه يكفي في الجوابِ عن سؤالِ السائل، خصوصاً أنّ سنّةَ المعصومِ تتحقّقُ بالقولِ منه أو الفعلِ أو الإقرار. 4- وأهمّ مِن ذلك أنّا وجدنا رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يحلفُ بغيرِ اللهِ تعالى، فقد أخرجَ مُسلمٌ في صحيحِه: عن أبي هُريرة، قالَ : "جاءَ رجلٌ إلى النبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله) فقالَ : يا رسولَ اللّه أيّ الصدقةِ أعظمُ أجراً ؟ فقالَ : أما ـ وأبيك ـ لتنبّأنّه ان تصدّقَ وأنتَ صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقرَ وتأملُ البقاء ) .(1) وأخرجَ أيضاً عن طلحةَ بنِ عُبيدِ اللّه ، قالَ : "جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللّه ـ مِن نجدٍ ـ يسألُ عن الاِسلام ، فقالَ رسولُ اللّهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله) : خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليل. فقالَ : هل عليَّ غيرهنَّ ؟ قالَ : لا ... إلا أن تطوّعَ ، وصيامُ شهرِ رمضان. فقالَ : هل عليَّ غيرُها ؟ قالَ : لا ... إلّا أن تطوّعَ ، وذكرَ له رسولُ اللّهِ الزكاةَ. فقالَ الرجلُ : هل عليَّ غيرُه ؟ قالَ : لا ... إلّا أن تطوّع. فأدبرَ الرجلُ وهوَ يقول : واللّهِ لا أزيدُ على هذا ولا أنقصُ منه. فقالَ رسولُ اللّه : أفلحَ ـ و أبيه ـ إن صدقَ. أو قالَ : دخلَ الجنّةَ ـ وأبيه ـ إن صدقَ. 4- وفوقَ ذلكَ كلِّه وجَدنا اللهَ سُبحانَه وتعالى نفسَه قد أقسمَ في كتابِه العزيزِ بعُمرِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كما في قولِ اللهِ تعالى: {لَعَمرُكَ إِنَّهُم لَفِي سَكرَتِهِم يَعمَهُونَ} [الحجر : 72]. 5- وأيضاً وجدنا اللهَ سُبحانَه حلفَ في سورةِ الشمسِ وحدَها بثمانيةِ أشياءٍ مِن مخلوقاتِه هيَ: الشمسُ ، ضُحاها ، القمرُ ، النهارُ ، الليلُ ، السماءُ ، الأرضُ ، والنفسُ الإنسانيّة. وكذلكَ وردَ الحلفُ بغيرِ اللّهِ في سورةِ النازعاتِ والمُرسلاتِ والطارقِ والقلمِ والعصرِ والبلدِ وإليكَ نماذجَ منَ الحلفِ بالمخلوقِ في غيرِ تلكَ السور. (وَالتِّينِ وَالزَّيتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ). (وَاللَّيلِ إِذَا يَغشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى). (وَالفَجرِ * وَلَيَالٍ عَشرٍ * وَالشَّفعِ وَالوَترِ * وَاللَّيلِ إِذَا يَسرِ). (وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنشُورٍ * وَالبَيتِ المَعمُورِ * وَالسَّقفِ المَرفُوعِ * وَالبَحرِ المَسجُورِ). وغيرِ ذلكَ منَ المواردِ التي تبيّنُ جوازَ الحلفِ بغيرِ اللهِ تعالى. وإذا أُشكلَ على ذلكَ بما وردَ مِن رواياتٍ مِن طُرقِ العامّةِ والخاصّةِ تنهى عن الحلفِ بغيرِ اللهِ تعالى، ونصُّ بعضِها: أنّ رسولَ اللّهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ : مَن حلفَ بغيرِ اللّهِ فقد أشرك. ومعَه كيفَ يجوزُ الحلفُ بغيرِ اللّهِ سُبحانه؟ فالجوابُ عن ذلك: أنّ رسولَ اللّهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله) يشيرُ في قولِه هذا إلى نوعٍ خاصٍّ منَ الحلفِ الرائجِ في ذلكَ العصرِ وهوَ الحلفُ بالأصنامِ كاللّاتِ والعزّى، ويدلُّ على ذلكَ ما أخرجَه النسائيُّ في سُننِه عن النبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله) أنّه قالَ : ( مَن حلفَ ، فقالَ في حلفِه باللّاتِ والعزّى ، فليقُل لا إلهَ إلاّ اللّه ). وأخرجَ أيضاً عن النبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ : لا تحلفوا بآبائِكم ولا بأُمّهاتِكم ولا بالأنداد. فلاحِظ أنَّ الحديثَ الأوّلَ يكشفُ عن رواسبَ جاهليّةٍ لا تزالُ عالقةً في بعضِ النفوس، فكانوا يحلفونَ بأصنامِهم، فأمرَهم النبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله) أن يقولوا بعدَ الحلفِ ( لا إلهَ إلاّ اللّه ) ، لأجلِ القضاءِ على تلكَ الخلفيّات. كما أنّ الحديثَ الثاني يشيرُ إلى أنّ وجهَ المنعِ عن الحلفِ بالآباءِ والاُمّهات لشركِهم، ويُؤيّدُ ذلكَ اقترانُها بقولِه ولا بالأنداد، والمرادُ منها الأصنامُ والأوثان.هذا وقد عرضَ كثيرٌ مِن علمائِنا لموضوعِ الحلفِ بغيرِ اللهِ تعالى، مِنهم الحرُّ العامليّ في الوسائلِ ( ج 23 / 259 الباب 30 من كتابِ الإيمان )، فجمعوا الأحاديثَ الواردةَ في هذا البابِ، ودرسوها وناقشوها، ووازنوا بينَها فوصلوا إلى نتيجةٍ مفادُها أنّ الأحاديثَ التي نهَت عن الحلفِ بغيرِ الله عزّ وجلّ لا تدلُّ على الحُرمةِ بل على عدمِ ترتّبِ آثارِ اليمين، فلا يكونُ يميناً أصلاً وليسَ عليهِ كفّارةٌ إن خالف، لأنّ الأساسَ في اليمينِ الذي تترتّبُ عليه الآثارُ وتجبُ بمُخالفتِه الكفّارةُ هوَ الحلفُ بالله وأسمائِه الخاصّة، ومِن هُنا يتبيّنُ لك التعبيرُ في الرسائلِ العمليّةِ بعبارة: لا يصحُّ الحلفُ بغيرِ الله، ولم يقولوا: لا يجوزُ . فالحكمُ في هذا البابِ وضعيٌّ لا تكليفيٌّ. ويؤيّدُ ذلكَ ما وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) حينَ سمعَ رجلاً يقول: لا والذي احتجبَ بسبعِ طباق، فقالَ له أميرُ المؤمنينَ: ( ويحَك إنّ اللهَ لا يحجبُه شيءٌ ولا يحتجبُ عن شيء )، قالَ الرجلُ: أنا أكفّرُ عن يميني يا أميرَ المؤمنين ؟ قالَ: ( لا، لأنّكَ حلفتَ بغيرِ الله) (الفصولُ المُختارة: 38، الإرشادُ للمُفيد: 120). ثُمَّ لو كانَ الحلفُ بغيرِ اللّهِ شركاً وأمراً قبيحاً ، فكيفَ يصدرُ منهُ سبحانَه وقد وصفَ الشركَ بالفحشاء ، وقالَ : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدنَا عَلَيهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُل إِنَّ اللَّهَ لَا يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ). والقبيحُ قبيحٌ مُطلقاً دونَ فرقٍ بينَ ارتكابِه مِن قِبل الخالقِ أو المخلوق، وهذا يُعربُ عن أنّ الحلفَ بغيرِ اللّهِ سبحانَه إذا كانَ لغايةٍ عقلائيّةٍ أمرٌ لا محذورَ فيه. ثمّ إنّ الغايةَ ـ غالباً ـ مِن حلفِه سبحانَه بالأمورِ الكونيّة هيَ الإشارةُ إلى الأسرارِ المكنونةِ فيها ودعوةُ الناسِ إلى الإمعانِ فيها وكشفِ رموزِها ، ولكنَّ الغايةَ في حلفِ الإنسانِ بالذواتِ القُدسيّةِ ـ وراءَ الإشارةِ إلى قُدسيّتهم ـ هيَ إمّا الترغيبُ أو الترهيبُ أو كسبُ ثقةِ المُقابل. [ينظر كتابُ: بحوثٌ قرآنيّةٌ في التوحيدِ والشرك / للعلّامةِ المُحققِ جعفر السبحاني]. ودُمتم سالِمين.
اترك تعليق