ما صحة حديثُ ( نحنُ صنائعُ اللهِ والخلقُ صنائعُنا )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : وردَت هذهِ العبارةُ في رسالةٍ أرسلَها أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) إلى معاوية، وقد نقلَها الشريفُ المُرتضى في نهجِ البلاغةِ والشيخُ الطوسي في كتابِ الاحتجاج، وممّا جاءَ فيها قولهُ (عليهِ السلام): أمّا بعد، فقد بلغني كتابُك تذكرُ اصطفاءَ اللهِ تعالى محمّداً لدينِه وتأييدَه إيّاه بمَن أيّدَه مِن أصحابِه، فلقد خبّأ لنا الدهرُ منكَ عجباً إذ طفقتَ تخبرُنا ببلاءِ اللهِ عندَنا ونعمتَه علينا في نبيّنا - إلى أن قالَ: - فإنّا صنائعُ ربّنا والناسُ بعدُ صنائعُ لنا - الخ. وقد ذكرَ صاحبُ منهاجِ البراعةِ في شرحِ نهجِ البلاغةِ مَن روى هذه الرسالةَ مِنهم: أعثمُ الكوفي في الفتوحِ ترجمةُ الهروي طُبع بمبئي، وأبو العبّاسِ أحمدُ بنُ عليٍّ القلقشندي في صُبحِ الأعشى، وشهابُ الدينِ أحمدُ بنُ عبدِ الوهاب في نهايةِ الإرب. وعلّقَ العلّامةُ المجلسيّ على قولِ أميرِ المؤمنينَ (إنّا صنائعُ ربّنا والناسُ بعدُ صنائعُ لنا) بقولِه: هذا كلامٌ مُشتمِلٌ على أسرارٍ عجيبةٍ مِن غرائبِ شأنِهم التي تعجزُ عنها العقولُ، ولنتكلّمَ على ما يمكنُنا إظهارُه والخوضُ فيه فنقولُ: صنيعةُ الملِكُ مَن يصطنعُه ويرفعُ قدرَه، ومنهُ قولهُ تعالى: (واصطنعتُك لنفسي) أي اخترتُك وأخذتُك صنيعتي لتنصرفَ عن إرادتِي ومحبّتي. فالمعنى أنّه ليسَ لأحدٍ منَ البشرِ علينا نعمةٌ، بل اللهُ تعالى أنعمَ علينا فليسَ بينَنا وبينَه واسطةٌ، والناسُ بأسرِهم صنائعُنا فنحنُ الوسائطُ بينَهم وبينَ اللهِ سبحانَه، ويحتملُ أن يريدَ الناس بعضَهم، أي المُختار منَ الناسِ نصطنعُه ونرفعُ قدرَه. وعلّقَ ابنُ أبي الحديدِ عليهِ بقوله: هذا مقامٌ جليلٌ، ظاهرُه ما سمعتَ وباطنُه أنّهم عبيدُ اللهِ والناسُ عبيدُهم. كما وردَ ذكرُ هذه العبارةِ في التوقيعِ الصّادرِ عن مولانا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عليهِ السلام) وقد نقلَه الشيخُ الطوسي في كتابِ الغيبة، والشيخُ الطبرسي في كتابِ الاحتجاج، والعلّامةُ المجلسيّ في البحار، حيثُ جاءَ فيهِ: (.. لأنَّ اللهَ معنا فلا فاقةَ بِنا إلى غيرِه، والحقُّ معنا فلن يوحشَنا مَن قعدَ عنّا، ونحنُ صنائعُ ربِّنا، والخلقُ بعدُ صنائعنا..) ويؤيّدُ هذهِ العبارةَ الحديثُ المرويُّ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) الذي جاءَ فيه: (أنا منَ اللهِ والكلُّ مني)، وقولهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (باسمي تكوّنَت الكائناتُ وباسمي دُعيَ الأنبياء). وخلاصةُ المعنى يمكنُنا أن نقولَ إنَّ أهلَ البيتِ (عليهم السلام) هُم وسائطُ فيضِ اللهِ في الخلقِ والإيجادِ والعِلمِ والرّزق، وهناكَ الكثيرُ منَ الرواياتِ التي تؤكّدُ هذا المعنى، ففي الكافي عن الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام) قالَ: (إنَّ اللّهَ خلقنا فأحسنَ خلقنا، وصوّرَنا فأحسنَ صورَنا، وجعلَنا عينَه في عبادِه، ولسانَه الناطقَ في خلقِه، ويدَه المبسوطةَ على عبادِه بالرّأفةِ والرحمة، ووجهَه الذي يؤتى منه، وبابَه الذي يدلُّ عليه، وخزّانَه في سمائِه وأرضِه، بنا أثمرَت الأشجارُ وأينعَت الثمارُ وجرَت الأنهارُ، وبِنا ينزلُ غيثُ السماءِ ونبتَ عشبُ الأرض، وبعبادتِنا عُبدَ اللّه، ولولا نحنُ ما عُبدَ اللّه)، فاللّهُ هوَ الفاعلُ الذي منهُ الوجود، والإمامُ هوَ الفاعلُ الذي بهِ الوجود، وقد أشارَ المرجعُ السيّدُ صادقٌ الروحاني لهذا المعنى في تفسيرِه لهذهِ العبارةِ بقولِه: (المرادُ منَ الروايةِ الشريفةِ إجمالاً: أنَّ المعصومينَ (عليهم السّلام) قد أنعمَ اللهُ تعالى عليهم نعمةَ الوجودِ مِن غيرِ واسطةٍ بينَه وبينَهم، فهُم (عليهم السلام) صنائعُ اللهِ تعالى، بينَما قد أنعمَ (جلَّ جلالُه) نعمةَ الوجودِ على سائرِ خلقِه بواسطةِ الأئمّةِ (عليهم السلام) فالخلقُ صنائعُ لهم) .
اترك تعليق