مكانُ دفن عليّ الأكبر وعبد الله الرّضيع والقاسم

أينَ مدفونٌ الإمامُ عليٌّ الأكبر وعبدُ اللهِ الرّضيع والقاسمُ بالضّبط؟ هل صحيحٌ أنّهم مدفونونَ عندَ رِجلي الإمامِ الحُسين عليهِ السلام؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

أشَرنا في بعضِ الأجوبةِ السابقةِ إلى وجودِ خلافٍ في كيفيّةِ دفنِ الشهداء، أنَّ جميعَ الشهداءِ دُفنوا في حفيرةٍ واحدة، أم أنَّ شهداءَ بني هاشمٍ دُفنوا في حفيرةٍ واحدة وأمّا سائرُ الشهداءِ فدُفنوا مُجتمعينَ في حفيرةٍ أخرى أو دُفنوا مُتفرّقينَ حوله، ومَن شاءَ التفصيلَ فليُراجع. 

أمّا سيّدُنا عليٌّ بنُ الحُسين الأكبر (عليهِ السلام): 

ففي كيفيّةِ دفنِه خلافٌ على قولين: 

القولُ الأوّلُ: أنّه دُفنَ في قبرٍ خاصٍّ عندَ رِجليّ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، قالَ في [الإرشاد ج2 ص114]: « ودفنوا الحُسينَ (عليهِ السّلام) حيثُ قبرُه الآن، ودفنوا ابنَه عليّاً بنَ الحُسين الأصغرِ عندَ رِجليه، وحفروا للشّهداءِ... »، ومُرادُه بالأصغرِ هوَ سيّدُنا الأكبر؛ لأنّه يرى أنَّ الإمامَ السجّادَ (عليهِ السلام) هوَ أكبرُ ولدِ سيّدِ الشهداء (عليهِ السلام). وظاهرُ كلامِه أنّ الأكبرَ (عليهِ السلام) دُفنَ في قبرٍ مخصوصٍ عندَ رِجلي الإمامِ (عليهِ السلام).

القولُ الثاني: أنَّ شهداءَ بني هاشم (عليهم السلام) دُفنوا جميعاً في حفيرةٍ واحدةٍ مُجتمعين، ومِن جُملتِهم سيّدُنا الأكبر (عليهِ السلام)، وهوَ أقربُهم مِن سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، قالَ في [الإرشاد ج2 ص126]: « فهؤلاءِ سبعةَ عشرَ نفساً مِن بني هاشم.. كُلّهم مدفونونَ مِمّا يلي رِجليّ الحُسينِ (عليهِ السلام) في مشهدِه، حُفرَ لهم حفيرةٌ وألقوا فيها جميعاً... وليسَ لقبورِ إخوتِه وأهلِه الذينَ سُقناهم أثرٌ، وإنّما يزورُهم الزائرُ مِن عندِ قبرِ الحُسين (عليهِ السلام)، ويومئُ إلى الأرضِ التي نحوَ رجليهِ بالسّلام، وعليٌّ بنُ الحسين (عليهما السلّام) في جُملتهم، ويقالُ: إنّه أقربُهم دفناً إلى الحُسينِ (عليهِ السلام) ».

والظاهرُ منَ الزياراتِ الواردةِ لسيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) ـ حيثُ تضمّنَت زيارةُ سيّدنا الأكبرِ (عليهِ السلام) ـ امتيازُ موضعِ دفنِ الأكبرِ (عليهِ السلام) عن سائرِ الشهداء، وهذا قد يُرجّحُ القولَ الأوّل، وهذهِ بعضُ الزيارات: 

مِنها: ما في [كاملِ الزيارات ص390] عن الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام): « .. ثمَّ تقومُ فتأتي ابنَه عليّاً (عليهِ السلام) وهوَ عندَ رِجليه فتقولُ: السَّلامُ عَلَيكَ يَابنَ رَسُولِ اللهِ... ». 

ومِنها: ما في [كاملِ الزياراتِ ص395] عن الصادقِ (عليهِ السلام): « ثمَّ تحوّلُ عندَ رِجليه وتخيّر منَ الدعاء، وتدعو لنفسِك، ثمَّ تحوّلَ عندَ رأسِ عليٍّ بنِ الحُسين (عليهِ السلام) وتقولُ: سَلامُ اللهِ وسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ... ». 

ومِنها: ما في [كاملِ الزيارات ص446]: « ثمَّ صِر إلى قبرِ عليٍّ بنِ الحُسين، فهوَ عندَ رجلِ الحُسين، فإذا وقفتَ عليهِ فقُل: السَّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ رَسُولِ اللهِ... ثمّ انكبّ على القبر وضع يدك عليه وقل: سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ... ثمّ ضع خدّك على القبرِ وقُل: صَلَّى اللهُ عَلَيكَ يَا أَبَا الحَسَن... ». 

أمّا سيّدنا عبدُ اللهِ الرّضيع (عليهِ السلام): 

ففي كيفيّةِ دفنِه اختلافٌ أيضاً: 

ففي كتابِ [الاحتجاج ج2 ص25]: « فنزلَ الحُسينُ عن فرسِه، وحفرَ للصبيّ بجفنِ سيفِه، ورمّلَهُ بدمِه، ودفنَه »، وهذا ظاهرٌ أنَّ الإمامَ الحُسين (عليهِ السلام) دفنَه في موضعٍ خاصّ. وجاءَ في بعضِ المقاتلِ المُتأخّرة: أنَّ إحدى العشائر ـ مِن جيشِ ابنِ سعدٍ - لم تحصُل على رأسٍ مِن رؤوسِ الشهداء، فنبشوا قبرَ سيّدنا الرضيعِ (عليهِ السلام) وقطعوا رأسَه!!

في حينِ ذكرَ الشيخُ المفيدُ في [الإرشادِ ج2 ص108]: « ثمّ حملهُ حتّى وضعَه معَ قتلى أهلِه »؛ حيثُ أنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) كانَ خصّصَ خيمةً يضعَ فيها جثثَ شهداءِ بني هاشم، وظاهرُ كلامِه أنّ الإمامَ (عليهِ السلام) لم يدفِن ولدَه الرضيع. وبناءً عليه، ينبغي أن يكونَ مدفوناً معَ سائرِ شهداءِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام). 

نعَم، جاءَ في بعضِ كتبِ المُعاصرينَ أنّ الإمامَ السجّادَ (عليهِ السلام) دفنَ عبدَ اللهِ الرّضيع جنبَ سيّدِ الشهداء (عليهِ السلام) على صدرِه، ففي كتابِ [خصائصِ الطفلِ الرّضيع ص207]: « فأنزلَه ووضعَه على صدرِ الحُسين (عليهِ السلام) ». 

أمّا سيّدُنا القاسمُ بنُ الحسنِ المُجتبى (عليهما السلام):

فلم نظفَر بشيءٍ خاصٍّ حولَ كيفيّةِ دفنِه، فهوَ مدفونٌ مع بقيّةِ شهداءِ بني هاشمٍ ممّا يلي رجلي سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، على الخلافِ الذي أشَرنا إليه في البداية: مِن أنَّ جميعَ شهداءِ كربلاء دُفنوا في حفيرةٍ واحدةٍ ممّا يلي رِجلي سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، أم أنَّ شهداءَ بني هاشمٍ دُفنوا في حفيرةٍ واحدةٍ مِمّا يلي رِجلي سيّدِ الشهداء (عليهِ السلام) وأمّا سائرُ الشهداءِ فدُفنوا في حفيرةٍ أخرى ممّا يلي حفيرةَ شهداءِ بني هاشم أو أنّهم دُفنوا في قبورٍ مُتعدّدةٍ حولَ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام). 

على كلٍّ، فسيّدُنا القاسمُ (عليهِ السلام) مدفونٌ مِمّا يلي رِجلي سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) في حفيرةٍ معَ غيرِه منَ الشهداءِ الأبرار (رضوانُ اللهِ عليهم).