الرد على شبهه معصية آدم لربه

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته الشيخ الفاضل ارجوا الرد على شبهه عصيان ادم لربه ارجوا ان يتوسع البحث ولايقتصر على العصيان للأمر الارشادي وليس المولوي

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

الإجابةُ التي أشارَ لها السائلُ وطلبَ عدمَ الاكتفاءِ بها تقومُ على أنَّ هناكَ فرقاً بينَ الأمرِ الإرشادي والأمرِ المولوي، بمعنى أنَّ اللهَ عندَما أمرَ آدمَ بعدمِ الأكلِ منَ الشجرةِ كانَ ذلكَ إرشاداً لِما فيهِ مصلحتُه، ولم يكُن أمراً تشريعيّاً يستوجبُ الإثمَ والعقابَ إذا خالفَه، وعلى ذلكَ يكونُ آدمُ خالفَ أمراً إرشاديّاً لا يتعارضُ معَ عِصمتِه بعكسِ إذا كانَت مُخالفتُه لأمرٍ تشريعيٍّ، والذي يؤكّدُ ذلكَ أنَّ ما حدثَ لآدم عليهِ السلام كانَ في الجنّة، والجنّةُ ليسَت مقاماً للتكليفِ، فقبلَ نزولِ آدمَ إلى الأرضِ لم يكُن مُكلّفاً بتشريع، ولم تتوجَّه في حقِّه أوامرُ مولويّةٌ يجبُ طاعتُها ويُحرمُ مُخالفتُها، والحديثُ عن العصمةِ يرتبطُ بالدّنيا التي هيَ دارُ التشريعِ والتكليف، وفي هذهِ الدنيا لم يصدُر عن آدمَ أيُّ فعلٍ يقدحُ في عِصمتِه، والذي وقعَ مِنه في الجنّةِ لا يُنافي عصمتَه لأنّه لم يكُن تكليفاً مولويّاً يجبُ الالتزامُ به شرعاً. 

وما يؤكّدُ هذا المعنى ما جاءَ في أمالي الصّدوقِ عن أبي الصّلتِ الهروي، قالَ: لمّا جمعَ المأمونُ لعليّ بنِ موسى الرضا عليهِ السلام: أهلَ المقالاتِ مِن أهلِ الإسلامِ والدياناتِ منَ اليهودِ والنصارى والمجوسِ والصابئينَ وسائرِ أهلِ المقالات فلم يقُم أحدٌ حتّى ألزمَ حُجّتَه كأنّه ألقمَ حجراً فقامَ إليهِ عليٌّ بنُ مُحمّدٍ بنِ الجهم فقالَ له: يا بنَ رسولِ الله أتقولُ بعصمةِ الأنبياء؟

قالَ: بلى، قالَ: فما تعملُ بقولِ اللهِ عزَّ وجل: (وعصى آدمُ ربَّه فغوى؟)، فقالَ مولانا الرّضا عليهِ السلام: ويحكَ يا عليّ اتّقِ اللهَ ولا تنسِب إلى أنبياءِ اللهِ الفواحشَ ولا تتأوَّل كتابَ اللهِ عزَّ وجل برأيك فإنَّ اللهَ عزَّ وجل يقول: (وما يعلمُ تأويلَه إلّا اللهُ والراسخونَ في العلم) أمّا قولهُ عزَّ وجل في آدم: (وعصى آدمُ ربَّه فغوى) فإنَّ اللهَ عزَّ وجل خلقَ آدمَ حُجّةً في أرضِه وخليفةً في بلادِه لم يخلُقه للجنّة، وكانَت المعصيةُ مِن آدم في الجنّةِ لا في الأرض - لتتمَّ مقاديرُ أمرِ الله عزَّ وجل فلمّا أهبطَ إلى الأرضِ وجعلَ حُجّةً وخليفةً عصمَ بقولِه عزَّ وجل: (إنَّ اللهَ اصطفى آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيم وآلَ عمران على العالمين)

ومعَ أنَّ هذه الإجابةَ كافيةٌ في ردِّ هذه الشبهة، إلّا أنَّ السائلَ طلبَ مزيداً منَ التفصيل، ولكَي يتّضحَ الأمرُ لابد أن نُشيرَ إلى أنَّ اللهَ خلقَ آدمَ ليكونَ خليفتَه في الأرض، قالَ تعالى: (وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً)، وما حصلَ بينَ آدمَ عليهِ السلام وإبليسَ في الجنّةِ هوَ بمثابةِ تجربةٍ عمليّةٍ لِما سيحصلُ مِن صراعٍ في الأرضِ معَ الشيطان، قالَ تعالى: (إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ)، والمقصودُ مِن تلكَ التجربةِ هُم ذُرّيّةُ آدمَ وليسَ شخصُ آدم عليهِ السلام، والدليلُ على ذلكَ أنَّ إبليسَ توعّدَ إضلالَ ذُرّيّتِه في قولِه تعالى: (قَالَ أَرَأَيتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمتَ عَلَيَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إِلَىٰ يَومِ القِيَامَةِ لَأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)، ومعَ أنَّ إبليس ليسَ لهُ سُلطةٌ على آدم عليهِ السلام إلّا أنَّ آدمَ عاشَ التجربةَ بنفسِه لتكونَ حُجّةً على ذُرّيّتِه، فاللهُ خلقَ الإنسانَ للجنّةِ ولم يخلُقه للنارِ ومُهمّةُ إبليس هيَ إخراجُهم منَ الجنّةِ وإدخالُهم في النار، والتجربةُ العمليّةُ لذلكَ هي إخراجُ آدمَ عليهِ السلام منَ الجنّة، قالَ تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنهَا فَأَخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلنَا اهبِطُوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ).

وفي المُحصّلةِ يمكنُنا القولُ أنَّ هبوطَ آدم إلى الأرضِ يُمثّلُ البدايةَ لخلافتِه على الأرض، ولكَي يقفَ آدمُ على دورِ الشيطانِ في إضلالِ ذُرّيّتِه كانَ لابدَّ منَ الوقوفِ على ذلكَ بشكلٍ عَملي، وعليهِ لم يكُن هبوطُه إلى الأرضِ عقوبةً لذنبٍ ارتكبَه، بل هوَ المسارُ الطبيعيُّ والحتميُّ لخلافتِه.

وبناءً على ذلكَ فإنَّ آدمَ عليهِ السلام كانَ يعلمُ بدورِه ومُهمّتِه، كما كانَ يعلمُ بمُعارضةِ إبليس لهذا الدّور، أي أنَّ الصّورةَ كانَت واضحةً بالشكلِ الذي لا يمكنُ أن يُخطئَ فيه التقدير، وعندَما أسكنَه اللهُ الجنّةَ كانَ آدمُ يعلمُ بأنّها مرحلةٌ تسبقُ نزولَه إلى الأرض؛ لأنّه كانَ يعلمُ منذُ البدايةِ أنّه خُلقَ ليكونَ خليفةَ اللهِ في أرضِه، إلّا أنَّ اللهَ أرادَ أن يكونَ نزولُ آدمَ إلى الأرضِ باختيارِه، فخيّرَه بينَ أن يعيشَ في تلكَ الجنّةِ بما فيها مِن نعيم، وعندَها يكونُ آدمُ قد تخلّى عن مُهمّتِه التي خُلقَ مِن أجلِها وهيَ خلافةُ اللهِ في الأرض، وبينَ أن يختارَ تركَ الجنّةِ والنزولَ إلى الأرضِ بما فيها مِن شقاء، ويكونُ بذلكَ قامَ بالدورِ الذي خُلقَ مِن أجلِه، ونفهمُ مِن ذلكَ أنَّ خلافةَ آدمَ في الأرضِ كانَت تكليفاً يقومُ على القبولِ والاختيارِ وليسَ على الجبرِ والإلزام، وقد تحقّقَ اختيارُ آدمَ لهذا التكليفِ مِن خلالِ تخييرِه بينَ العيشِ في الجنّةِ وبينَ النزولِ إلى الأرض، وبذلكَ يكونُ آدمُ عليهِ السلام قد وضعَ بالفعلِ في امتحانٍ حقيقيٍّ وهوَ التخلّي عن نعيمِ الجنّةِ والانتقالِ إلى شقاءِ الدنيا.

ومنَ المؤكّدِ أنَّ آدمَ كانَ يعلمُ بأنَّ الفعلَ الذي يخرجُه منَ الجنّةِ وينزلهُ إلى الأرضِ هوَ الأكلُ منَ الشجرة، والدليلُ على ذلكَ أنَّ اللهَ حذّرَ آدمَ مِن إبليس الذي سيعملُ على إخراجِه مِنها، حيثُ قالَ له: (فَقُلنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوجِكَ فَلَا يُخرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشقَىٰ)، ومنَ المعلومِ أنَّ آدمَ لم يمنَعه اللهُ مِن شيءٍ سِوى الأكل مِن تلكَ الشجرة، وبالتالي ليسَ لإبليس إلّا مدخلٌ واحدٌ وهوَ تحريضُه على مخالفةِ أمرِ اللهِ بالأكلِ منَ الشجرة، قالَ تعالى: (فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لَّا يَبلَىٰ)، ولا يمكنُ أن نفترضَ أنَّ آدمَ كانَ غافلاً عن هذا الأمرِ وأنّه وقعَ ضحيّةَ خداعٍ مِن إبليس، والدليلُ على أنَّ خُدعةَ إبليس كانَت مكشوفةً هوَ أنّه حاولَ أن يُغريَ آدمَ بالخُلدِ ومُلكٍ لا يبلى، فكيفَ يغريهِ بذلكَ وقد كانَ ذلكَ مُتحقّقاً بالفعلِ لآدمَ عليهِ السلام؟ قالَ تعالى: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظمَأُ فِيهَا وَلَا تَضحَىٰ).

وبناءً على ذلكَ يمكنُنا أن نستنتجَ أنَّ آدمَ معَ عِلمه بأنَّ الأكلَ منَ الشجرةِ سيخرجُه مِن نعيمِ الجنّةِ إلّا أنّه خالفَ مصلحتَه بالعيشِ في الجنّةِ في سبيلِ القيامِ بمُهمّةِ خلافتِه في الأرض، ولذلكَ أقدمَ على الأكلِ منَ الشجرة، أمّا مُخالفةُ النهي الإلهي بعدمِ الأكلِ منَ الشجرة، فإنَّ آدمَ كانَ يعلمُ بأنّه نهيٌّ إرشاديّ بسببِ ما يلاقيهِ آدمُ مِن شقاءِ في الأرض، أي أنَّ اللهَ أرشدَه إلى ما فيهِ مصلحتُه الشخصيّةُ وهوَ البقاءُ في الجنّة، ومعَ ذلكَ اختارَ آدمُ تكليفَ الخلافةِ التي خُلقَ مِن أجلِها على البقاءِ من دونِ شقاءٍ في الجنّة، وبذلكَ يكونُ اختيارُ آدم كانَ على بصيرةٍ وإدراكٍ بكلِّ الحيثيّاتِ التي تحيطُ باختياراته.

 والمُستفادُ مِن ذلكَ أنَّ خلافةَ آدم في الأرضِ كانَت تكليفاً اختياريّاً، وحتّى يتمَّ ذلكَ لابدَّ مِن تخييرِ آدمَ بينَ أمرين لكي يتحقّقَ الامتحان، ومِن هُنا كانَت الجنّةُ التي عاشَ فيها آدمُ أوّلاً هيَ الخيارُ الآخر، وعليهِ كانَ بإمكانِ آدمَ البقاء في تلكَ الجنّة، كما كانَ بإمكانِه اختيارُ خلافةِ اللهِ في أرضِه، والأمرُ الذي يرجّحُ أحدَ الخيارينِ هوَ الأكلُ منَ الشجرةِ أو عدمُ الأكلِ مِنها، فاختارَ آدمُ عليهِ السلام تحمّلَ مسؤوليّةِ تكلّفِ الخلافةِ فأكلَ منَ الشجرة.

أمّا كلمةُ عصى في قولِه: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) فلا تدلُّ على ارتكابِه ذنباً لأنّها تُطلَقُ أيضاً على مُخالفةِ الأمرِ الإرشادي، كما أنَّ الغوايةَ في الآيةِ لا تعني الغوايةَ مِن الهُدى إلى الضلالِ وإنّما تعني الغوايةَ منَ الراحةِ إلى العناءِ ومنَ السعادةِ إلى الشقاء، ويؤيّدُ ذلكَ قولُ ابنُ الأعرابي: غوى، أي فسدَ عليهِ عيشُه، وصارَ منَ العزِّ إلى الذلِّ، ومنَ الراحةِ إلى التعب.

أمّا لماذا وسوسَ لهُ إبليس إذا كانَ تكليفُ آدم هوَ الخلافةُ في الأرض؟ أي منَ المُفترضِ أن يمنعَ إبليسُ آدمَ الأكلَ منَ الشجرةِ حتّى لا يقومَ آدمُ بتكليفِه، والجوابُ على ذلكَ أنَّ مصلحةَ إبليس كانَت أيضاً في إخراجِ آدمَ منَ الجنّة؛ لأنَّ ذلكَ هوَ الذي يُمكّنُ إبليسَ منَ القيامِ بدورِه وهوَ إضلالُ ذُريّةِ آدمَ عليهِ السلام، قالَ تعالى: (َقالَ أَنظِرنِي إِلَىٰ يَومِ يُبعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغوَيتَنِي لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِرَاطَكَ المُستَقِيمَ) 

واللهُ العالِم.