56

أريد معرفة قصة موسى وخضر ولو اختصار ؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،

ما يتعلّقُ بقصّةِ موسى (ع) معَ الخضر، فسنُبيّنُ ذلكَ مِن خلالِ ما وردَ في كُتبِنا المُعتبرة التي مِنها تفسيرُ عليٍّ بنِ إبراهيم ( 2/37 )، إذ قالَ: لـمّا أخبرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله قُريشاً بخبرِ أصحابِ الكهفِ، قالوا : أخبِرنا عن العالمِ الَّذي أمرَ اللَّهُ عزَّ وجلّ موسى أن يتّبعَه، وما قصّتُه ؟ فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلّ : « وإِذ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبرَحُ حَتَّى أَبلُغَ مَجمَعَ البَحرَينِ أَو أَمضِيَ حُقُباً » . قالَ : وكانَ سببُ ذلك ، أنّه لمّا كلَّمَ اللَّهُ موسى تكليماً وأنزلَ عليهِ الألواحَ وفيها كما قالَ اللَّهُ عزَّ وجلّ: وكَتَبنا لَهُ فِي الأَلواحِ مِن كُلِّ شَيءٍ مَوعِظَةً وتَفصِيلاً لِكُلِّ شَيءٍ . رجعَ موسى عليهِ السّلام إلى بني إسرائيل ، فصعدَ المنبرَ فأخبرَهم أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلّ قد أنزلَ عليَّ التّوراةَ وكلَّمَه ، قالَ في نفسِه : ما خلقَ اللَّهُ تعالى خلقاً أعلمَ منّي . فأوحى اللَّهُ عزَّ وجلّ إلى جبرئيلَ عليهِ السّلام: أن أدرِك موسى فقَد هلكَ ، وأعلِمهُ أنَّ عندَ مُلتقى البحرينِ عندَ الصّخرةِ رجلاً أعلمَ مِنك فصِر إليه وتعلَّم مِن عِلمه، فنزلَ جبرئيلُ عليهِ السّلام على موسى وأخبره ، فذلَّ موسى في نفسِه ، وعلمَ أنّهُ أخطأ ، ودخلَه الرّعبُ ، وقالَ لوصيّهِ يوشع بنِ نون : إنَّ اللَّهَ - عزَّ وجلّ - قد أمرَني أن اتّبعَ رجلاً عندَ مُلتقى البحرين وأتعلَّمَ مِنه . فتزوّدَ يوشعُ حوتاً مملوحاً وخرجا ، ولمّا خرجا وبلغا ذلكَ المكانَ وجدا رجلاً مُستلقياً على قفاهُ فلَم يعرفاه ، فأخرجَ وصيُّ موسى عليهِ السّلام الحوتَ وغسّلَه بالماءِ ووضعَه على الصّخرةِ ومضيا ونسيَ الحوتَ ، وكانَ ذلكَ الماءُ ماءَ الحيوان، فحييَ الحوتُ ودخلَ في الماء ، فمضى موسى عليهِ السّلام، ويوشعُ معهُ حتّى عييا [أي أصبحا مُرهقَينِ منَ التعب]. فقالَ موسى لوصيّه: « آتِنا غَداءَنا لَقَد لَقِينا مِن سَفَرِنا هذا نَصَباً » ، أي :عناء . فذكرَ وصيّهُ السّمكةَ ، فقالَ لموسى عليهِ السّلام: إنّي نسيتُ الحوتَ على الصّخرةِ . فقالَ موسى عليهِ السّلام: ذلكَ الرّجلُ الَّذي رأينا عندَ الصّخرةِ هوَ الَّذي نريدُه . فرجعا على آثارِهما قصصاً إلى عندِ الرّجلِ وهوَ في صلاتِه ، فقعدَ موسى عليهِ السّلام حتّى فرغَ مِن صلاتِه فسلَّمَ عليهما .

« فَوَجَدا عَبداً مِن عِبادِنا » : وهوَ الخضرُ ، وفي مجمعِ البيان ( 3/483 ) : وإنّما سُمّيَ خِضراً ، لأنّه إذا صلَّى في مكانٍ أخضرَّ ما حوله .

واُختلِفَ في هذا العبد ، فقالَ بعضُهم إنّه كانَ ملكاً أمرَ اللَّهُ موسى أن يأخذَ عنهُ ما حمّلَه إيّاه مِن علمِ بواطنِ الأشياء . وقالَ الأكثرونَ : إنّه كانَ مِنَ البشرِ ، ثمَّ اختلفوا، فقالَ الجبّائيُّ وغيرُه : إنّه كانَ نبيّاً ، لأنّه لا يجوزُ أن يتّبعَ النّبيُّ مَن ليسَ بنبيٍّ ليتعلَّمَ منهُ العلم ، لِما في ذلكَ منَ الغضاضةِ على النّبيّ .

وكانَ ابنُ الأخشيد يجوّزُ أن لا يكونَ نبيّاً ويكونُ عبداً صالحاً ، أودعَه اللَّهُ مِن علمِ باطنِ الأمورِ ما لم يُودِعُه غيرَه .

« آتَيناهُ رَحمَةً مِن عِندِنا » : هيَ العلمُ ، أو النّبوّة .

« وعَلَّمناهُ مِن لَدُنَّا عِلماً » : مِمّا يختصُّ بنا ولا يعلمُ إلَّا بتوفيقِنا ، وهوَ علمُ الغيوب .

« قالَ لَهُ مُوسى هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِّمَنِ » : على شرطِ أن تُعلَّمَني . « مِمَّا عُلِّمتَ رُشداً » : علماً ذا رشد ، وهوَ إصابةُ الخير . « قالَ إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبراً »، وعلَّلَ ذلكَ واعتذرَ عنهُ بقولِه : « وكَيفَ تَصبِرُ عَلى ما لَم تُحِط بِهِ خُبراً، أي: كيفَ تصبرُ ، وأنتَ نبيٌّ ، على ما أتولَّى مِن أمورٍ ظاهرُها مناكيرُ وباطنُها لم يُحِط بها خبرُك . « قالَ سَتَجِدُنِي إِن شاءَ اللَّهُ صابِراً » : غيرَ مُنكرٍ عليك . « ولا أَعصِي لَكَ أَمراً »، أي : ستجِدُني صابراً وغيرَ عاص. « قالَ فَإِنِ اتَّبَعتَنِي فَلا تَسئَلنِي عَن شَيءٍ»: فلا تُفاتِحني بالسّؤالِ عن شيءٍ أنكرتَه مِنّي ولم تعلَم وجهَ صِحّتِه .« حَتَّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكراً » : حتّى أبتدِئكَ ببيانِه .

وفي تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم (2/38 ) : حدّثني محمّدٌ بنُ عليٍّ بنِ بلال ، عن يونس قالَ : اختلفَ يونسُ وهشامٌ بنُ إبراهيم في العالمِ الَّذي أتاهُ موسى عليهِ السّلام أيُّهما كانَ أعلم ، وهل يجوزُ أن يكونَ على موسى حُجّةٌ في وقتِه وهوَ حُجّةُ اللَّهِ عزَّ وجلّ على خلقِه ؟ فقالَ قاسم الصّيقل : فكتبوا إلى أبي الحسنِ الرّضا عليهِ السّلام يسألونَه عَن ذلك . فكتبَ في الجواب : أتى موسى العالمَ فأصابَه في جزيرةٍ مِن جزائرِ البحرِ إمّا جالساً وإمّا مُتّكئاً ، فسلَّمَ عليهِ موسى - عليهِ السّلام - فأنكرَ السّلامَ ، إذ كانَ بأرضٍ ليسَ فيها سلامٌ . قالَ : مَن أنت ؟ قالَ : أنا موسى بنُ عمران . قالَ : أنتَ موسى بنُ عمران الَّذي كلَّمَه اللَّهُ تكليماً ؟ قالَ : نعم .قالَ: فما حاجتُك ؟ قالَ : جئتُ لتُعلَّمَني مِمّا عُلَّمتَ رشداً . قالَ : إنّي وُكّلتُ بأمرٍ لا تطيقُه ، ووكّلتَ أنتَ بأمرٍ لا أطيقُه .

ثمَّ حدّثَه العالمُ بما يصيبُ آلَ مُحمّد - صلواتُ اللَّهِ عليهم - منَ البلاءِ وكيدِ الأعداء حتّى اشتدَّ بكاؤهما ، ثمَّ حدّثَه عن فضلِ آلِ مُحمّدٍ صلواتُ اللَّهِ عليهم حتّى ذكرَ فلاناً وفلاناً وفلاناً، ومبعثَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله إلى قومِه وما يلقى مِنهم ومِن تكذيبِهم إيّاه ، وذكرَ له تأويلَ هذهِ الآية : (ونُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وأَبصارَهُم كَما لَم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ). حينَ أخذَ الميثاقَ عليهم . فقالَ له موسى : « هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمتَ رُشداً » . فقالَ الخضر : « إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبراً ، وكَيفَ تَصبِرُ عَلى ما لَم تُحِط بِهِ خُبراً » . فقالَ موسى عليهِ السّلام : « سَتَجِدُنِي إِن شاءَ اللَّهُ صابِراً ولا أَعصِي لَكَ أَمراً » . قالَ الخضر : « فَإِنِ اتَّبَعتَنِي فَلا تَسئَلنِي عَن شَيءٍ حَتَّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكراً » يقولُ : لا تسألني عَن شيءٍ أفعلُه ولا تنكرُه عليَّ حتّى أخبركَ أنا بخبرِه . قالَ : نعَم . « فَانطَلَقا » : على السّاحلِ يطلبانِ السّفينة .

« حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها » : أخذَ الخضرُ فأساً فخرقَ السّفينةَ ، بأن قلعَ لوحينِ مِن ألواحِها . « قالَ أَخَرَقتَها لِتُغرِقَ أَهلَها » : فإنَّ خرقَها سببٌ لدخولِ الماءِ فيها ، المُفضي إلى غرقِ أهلِها . « لَقَد جِئتَ شَيئاً إِمراً» : أتيتَ أمراً عظيماً . مِن أمرِ الأمر : إذا عظُمَ . « قالَ أَلَم أَقُل إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبراً» : تذكيرٌ لِما ذكرَه قبل .

« قالَ لا تُؤاخِذنِي بِما نَسِيتُ »:، يعني : وصيّتَه بأن لا يعترضَ عليه . « قالَ أَلَم أَقُل لَكَ إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبراً» : زادَ فيهِ « لك » مُكافحةً بالعتابِ على رفضِ الوصيّةِ ، ووسماً بقلَّةِ الثّباتِ والصّبرِ لمّا تكرّرَ منهُ الاشمئزازُ والاستنكار ، ولم يرعوِ بالتّذكيرِ أوّلَ مرّةٍ حتّى زادَ في الاستنكارِ ثاني مرّة . « قالَ إِن سَأَلتُكَ عَن شَيءٍ بَعدَها فَلا تُصاحِبنِي » : وإن سألتَ صحبتُك: « فلا تصحَبني » ، أي : فلا تجعَلني صاحبَك . « قَد بَلَغتَ مِن لَدُنِّي عُذراً » : قد وجدتَ عُذراً مِن قِبلِي لمّا خالفتُكَ ثلاثَ مرّات .

وفي كتابِ أنوارِ التنزيلِ (2/21) عن رسولِ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله : رحمَ اللَّهُ أخي، موسى ، استحيا، فقالَ ذلك ، لو لبثَ معَ صاحبِه لأبصرَ أعجبَ الأعاجيب.

هذا باختصارٍ قصّةُ موسى (ع) معَ العبدِ الصالحِ الخِضر . ودُمتم سالِمين.