66
مَن قالَ: أنا جدٌّ للمُتّقين، رسولُ الله (ص) أم الإمامُ الحُسين (ع)؟
الجواب :
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله:
هذا الخبرُ وردَ بلفظينِ منسوبينِ إلى الرسولِ الأكرم (ص)، أحدُهما: أنا جدُّ كُلّ تقيٍّ، والآخرُ: آلُ محمّدٍ كلُّ تقيٍّ. وكِلا اللّفظينِ مِن طُرقِ العامّةِ، ويذهبُ جمهورُ علمائِهم عدا مَن شذّ منهُم إلى أنَّ هذا الحديثَ ضعيفٌ ولا أصلَ له، وهَاكَ بيانَ ذلك.
قالَ العجلونيُّ في كتابِه (كشفُ الخفاءِ) عندَ تعليقِه على الحديثِ رقم (17).
قالَ السّيوطيّ: لا أعرفُه، وقالَ في الأصلِ: رواهُ الدّيلميّ وتمّام بأسانيدَ ضعيفةٍ، فلفظُ تمّام عن أنس: سُئلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: مَن آلُ مُحمّد؟ فقالَ: كلُّ تقيّ مِن أمّةِ مُحمّدٍ، ولفظُ الدّيلميّ: آلُ محمّدٍ كلّ تقيّ، ثمّ قرأ: {إِن أولِيَاؤُهُ إِلَّا المُتَّقُونَ} 3 ولكنَّ شواهدَهُ كثيرةٌ، منها ما في الصّحيحينِ مِن قولِه -صلّى اللهُ عليهِ وآله: "إنَّ آلَ أبي فُلانٍ ليسُوا لي بأولياء، إنّما وليّي اللهُ وصالحُ المؤمنينَ"، وقالَ الشّيخُ مُحمّد الزّرقانيّ في مُختصرِ المقاصدِ الحسنةِ: هوَ حسنٌ لغيرِه، انتهى. وقالَ النّجمُ: وفي لفظٍ: سُئلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله: مَن آلُ مُحمّدٍ؟ فقالَ: كلُّ تقيّ، قالَ: ورويَ عَن عليٍّ -رضيَ اللهُ عنه- وأنّهُ السّائلُ، وأسانيدُه ضعيفةٌ، ولكنَّ لهُ شواهدَ، قالَ: ورأيتُه في بعضِ كتبِ النّحو بلفظِ: آلي كلُّ مؤمنٍ تقيّ، ويُستشهدُ بهِ على إضافةِ الآلِ إلى الضّميرِ. إنتهى، وقَد بيّنَ السّخاويّ شواهدَه في كتابِه إرتقاءُ الغُرفِ، وقَد حملَ الحليميّ الحديثَ على كلِّ تقيٍّ مِن قرابتِه خاصّةً دونَ عمومِ المؤمنينَ، لحديثِ أنّه -صلّى اللهُ عليهِ وآله- كانَ إذا ضحّى أتى بكبشينِ، فذبحَ أحدَهما عَن أمّتِه مَن شهدَ للهِ بالتّوحيدِ وشهدَ لهُ بالبلاغِ، وذبحَ الآخرَ عَن محمّدٍ وآلِ محمّد. انتهى، وأقولُ: ينبغي حملُ هذهِ الأحاديثِ وما أشبهَها على الكاملينَ مِن آلِه، وإلّا فلا شكَّ أنَّ مَن صحَّت نسبتُه إليهِ فهوَ مِن آلِه وإن لم يكُن تقّيّاً حيثُ كانَ مؤمنًا؛ لأنّ العقوقَ لا يقطعُ النّسبَ. وقد أوردَ الألبانيّ هذا الخبرَ في كتابِه (سلسلةُ الأحاديثِ الضّعيفةِ والموضوعةِ) (ج1/ص65)، حديث رقم (9). هذا هوَ مجملُ كلامِهم على هذا الحديثِ، ولكنَّ بعضَ المُنصفينَ المُعاصرين مِن أهلِ السّنّةِ تنبّهَ إلى أمرٍ مُهمٍّ حينَ علّقَ على هذا الخبرِ، وهوَ المُحقّقُ الشّيخُ حسن بنُ عليٍّ السّقّاف، إذ ذهبَ إلى أنّ هذا الخبرَ إنّما هوَ من وضعِ النّواصبِ المُبغضينَ لأميرِ المؤمنينَ عليه السّلام ولأهلِ بيتِه الأطهارِ سلامُ اللهِ عليهم أجمعين، وأنقلُ لكَ كلامَه بفصّهِ ونصّه لتكونَ على بيّنةٍ من حقيقةِ هذا الأمرِ، إذ يقولُ في كتابِه (صحيحُ شرحِ العقيدةِ الطّحاويّةِ)، في الصّفحةِ (656): وقد حاولَ النّواصبُ وهُم المبغضونَ لسيّدنا عليّ رضوانُ اللهِ عليه ولذُرّيّته - وهُم عترةُ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم الأطهارِ - أن يصرفوا النّاسَ عَن محبّةِ آلِ البيتِ التي هيَ قُربةٌ منَ القُرَبِ فوضعُوا أحاديثَ في ذلكَ وبنوا عليها أقوالاً فاسدةً منها : أنّهم وضعوا حديثَ : " آلُ محمّدٍ كلُّ تقيّ"، وحديثُ: " أنا جدُّ كلُّ تقيّ" ونحو هذهِ الأحاديثِ التي هيَ كذبٌ مِن موضوعاتِ أعداءِ أهلِ البيتِ النّبويّ. إنتهى كلامُه. وما ذهبَ إليهِ هذا المُحقّقُ ليسَ بعيداً، إذ طالما حاولَ النّواصبُ والمُدلّسونَ بوسائلَ شتّى أن يقفوا سدّاً منيعاً ضدَّ كلِّ ما يمكنُ أن يُوصلَ إلى أحقّيّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام وكونهم الأحقَّ بالإتّباعِ مِن غيرِهم، وقد ساعدَهُم على ذلكَ الطّامعونَ في كُرسيّ الخلافةِ مِن حُكّامِ الجورِ والظّلمةِ وغيرِهم على مرّ العصورِ، ولا يزالُ التّشويهُ والتدليسُ على مذهبِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام وأتباعِهم النّجباءِ مُستمرّاً إلى يومِنا هذا ، ولكن يأبى اللهُ تعالى إلّا أن يُتِمَّ نورَ العترةِ الطّاهرةِ، ولو كرهَ المُدلّسونَ الحاقدونَ. ودمتُم سالمين.
اترك تعليق