لماذا المُختارُ لم يُسلِّم الحُكمَ للإمامِ السجّادِ عليه السلام؟

: - اللجنة العلمية

الجوابُ:

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

روى المؤرّخُ المسعوديّ في [مروجِ الذهب ج3 ص74] أنَّ المُختارَ الثقفيّ كتبَ كتاباً إلى عليٍّ بنِ الحُسينِ السجّاد (عليهِ السلام) يريدُه أن يُبايعَ له ويقولَ بإمامتِه ويظهرَ دعوتَهُ، وأنفذَ إليه مالاً كثيراً، ولكنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) أبى أن يقبلَ ذلكَ منه، وخرجَ للمسجدِ وسبَّهُ على رؤوسِ الأشهاد.

وقد ذكرَ العلّامةُ السيّدُ الجلاليّ في كتابِه [جهادُ الإمامِ السجّاد ص236]:

« الإمامُ (عليهِ السلام) كانَ حكيماً في تعاملِه معَ المُتحرّكينَ أولئك، فلم يُعلِن عن ارتباطِه المُباشرِ بهم، وكذلكَ لم يُعلِن عن رفضِ حركتِهم كما واجهَ ابنَ الزّبير، بل أصدرَ بياناً عامّاً، يصلحُ لتبريرِ الحركاتِ الصّالحة، مِن دون أن يتركَ آثاراً سيّئةً على الإمامِ (عليهِ السلام)، فقالَ لعمِّه محمّدِ بنِ الحنفيّة: (يا عم، لو أنَّ عبداً تعصّبَ لنا أهلَ البيت، لوجبَ على الناسِ مؤازرتُه، وقد ولّيتُكَ هذا الأمر، فاصَنع ما شئت) [بحارُ الأنوار ج45 ص265].

إنَّ توليةَ الإمامِ (عليهِ السلام) لعمِّه في القيامِ بأمورِ الحركاتِ الثوريّةِ تِلك كانَ هوَ الطريق الأصلح، حيثُ إنّ محمّدَ بنَ الحنفيّة لم يكُن مُتّهماً مِن قبلِ الدولة بالمُعارضة، ولم يُعرَف مِنه ما يشيرُ إلى التصدّي للإمامةِ لنفسِه، بينَما الإمامُ (عليهِ السلام) كانَت الدولةُ تتوجّسُ منهُ خيفةً باعتبارِه صاحبَ الدّمِ في كربلاء، والمؤهّلَ للإمامة، لعلمِه وتقواه وشرفِه، ولم يخفَ على عيونِ الدولةِ أنَّ جمعاً منَ الشيعةِ يعتقدونَ الإمامةَ له.

وبذلكَ كانَ الإمامُ (عليهِ السلام) قد حافظَ على وجودِه مِن أذى الأمويّين، واستمرَّ على رسمِ خُططِه، والتأكيدِ على منهجِه لإحياءِ الدينِ وتهيئةِ الأرضيّةِ للحُكمِ العادِل.

وهوَ معَ ذلكَ لم يقطَع الدعمَ عَن تلكَ الحركاتِ التي انتهجَت الثأرَ لأهلِ البيت (عليهم السلام). فلمّا أرسلَ المُختارُ برؤوسِ قتلةِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) إلى الإمامِ السجّاد (عليهِ السلام)، خرَّ الإمامُ ساجداً، ودعا له ، وجزّاهُ خيراً [رجالُ الكشّيّ ص125].

وقامَ أهلُ البيت كافّةً بإظهارِ الفرح، وتركِ الحِدادِ والحُزن، ممّا يدلُّ على تعاطفِهم - عمليّاً، وعلنيّاً - معَ المُختارِ وحركتِه.

ولو نظَرنا إلى هذا العمل، نجدُه لا يثيرُ منَ الأمويّينَ كثيراً منَ الشكوكِ تجاهَ الإمام، إذ منَ الطبيعيّ أن يفرحَ الموتورُ بقتلِ ظالمِه، ويدعو لمَن قتلَهُ وانتقمَ منه وثأرَ لدماءِ الشهداء. خصوصاً، إذا اقترنَ معَ رفضِ الإمام (عليهِ السلام) لقبولِ هدايا المُختارِ المادّيّة. فإنّ ذلكَ يدلُّ بوضوحٍ على أنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) لا يريدُ التورّطَ سياسيّاً مع حركةٍ بعيدةٍ عنهُ جُغرافياً، ولم تلتقِ معَ أهدافِه بعيدةِ المدى حضاريّاً وتاريخيّاً، ولا تعدو أن تكونَ فوزاً أو بروزاً مقطعيّاً فقط » إلى آخرِ كلامِه الماتع.