هَلْ لِلتَّوَسُّلِ كَيفِيَّةٌ خَاصَّةٌ وَمَا دَلِيلُهُ مِن القُرآنِ وَالسُّنَّةِ اَلثَّابتة؟
1188. ما هي كيفية التوسل؟ والدليل عليه من الكتاب أو من كلام النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم الثابت عنه؟
الجوابُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
دلّت الأدلّةُ القرآنيّةُ العديدة، والرواياتُ المُستفيضةُ عن النبي (صلّى اللهُ عليهِ وآله) على جوازِ التوسّلِ بالأنبياءِ والأئمّةِ والأولياء، وذُكِرَ له كيفيّاتٌ عديدةٌ، نذكرُ ذلكَ ضمنَ نقاط:
النقطة الأولى: وَرَدَ فِي اَلأخبار عَنْ الأئِمَّةِ الأطهار عِدَّةُ كَيْفِيَّاتٍ نَذكرُ منها:
1. مَا رَوَاهُ ثِقَةُ الإسلام الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عَن أَبِيه، عَنِ الحسين بْنِ سَعِيدٍ، عَن فَضَالَةَ، عَن أَبَانٍ ومُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالا: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله «عليهِ السلام» إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُقَدِّمُ إِلَيْكَ مُحَمَّداً «صلّى اللهُ عليهِ وآله» بَين يَدَي حَاجَتِي، وأَتَوَجَّه بِه إِلَيكَ، فاجعلني بِه وَجِيهاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، ومِنَ المُقَرَّبِينَ. اجعل صَلَاتِي بِه مَقبولةً، وذَنْبِي بِه مَغْفُوراً، ودُعَائِي بِه مُسْتَجَاباً، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم» (1).
2. وروى الشيخُ الكُليني عن عَلِيّ بن إِبراهِيمَ عَن أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَن مُعَاوِيَةَ بن عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبد الله «عليهِ السلام» ـ ابْتِدَاءً مِنه ـ: يَا مُعَاوِيَةُ، أمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَشَكَا الإِبْطَاءَ عَلَييه فِي الجَوَابِ فِي دُعَائِه، فَقَالَ لَه: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الدُّعَاءِ السَّرِيعِ الإِجَابَةِ؟! فَقَالَ لَه الرَّجُلُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسأَلُكَ بِاسْمِكَ العَظِيمِ الأَعْظَمِ، الأَجَلِّ الأَكْرَمِ، المَخْزُونِ المَكْنُونِ، النُّورِ الحَقِّ، البُرْهَانِ المُبِينِ...، وأَتَوَجَّه إِلَيكَ بِمُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِه، أَسْأَلُكَ بِكَ وبِهِم: أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وكَذَا (2).
3. وروى الشيخُ الكُليني عن عَلِيّ بن إِبْرَاهِيمَ، عَن أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ومُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَن صَفْوَانَ وابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَن مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَن أَبِي عَبْدِ الله «عليهِ السلام» قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَاغْتَسِلْ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا، أَو حِينَ تَدْخُلُهَا، ثُمَّ تَأْتِي قَبْرَ النَّبِيِّ عليه السلام، ثُمَّ تَقُومُ فَتُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله، ثُمَّ تَقُومُ عِند الأُسْطُوَانَةِ المُقَدَّمَةِ مِن جَانِبِ القبرالأَيْمَنِ عِنْدَ رَأْسِ القبر، عِنْدَ زَاوِيَةِ القبر، وأَنْتَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ ومَنْكِبُكَ الأَيْسَرُ إِلَى جَانِبِ القبر ومَنْكِبُكَ الأَيْمَنُ مِمَّا يَلِي المِنْبَرَ فَإِنَّه مَوْضِعُ رَأْسِ رَسُولِ الله «صلّى اللهُ عليهِ وآله» وتَقُولُ: ...اللَّهُمَّ أَعْطِه الدَّرَجَةَ والوَسِيلَةَ مِنَ الجَنَّةِ وابْعَثْه مَقَاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُه بِه الأَوَّلُونَ والآخِرُونَ.. اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: ﴿ولَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيم﴾، وإِنِّي أَتَيْتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِراً تَائِباً مِنْ ذُنُوبِي وإِنِّي أَتَوَجَّه بِكَ إِلَى اللَّه رَبِّي ورَبِّكَ لِيَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي. وإِنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَاجْعَلْ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله خَلْفَ كَتِفَيْكَ واسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وارْفَعْ يَدَيْكَ واسْأَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّكَ أَحْرَى أَنْ تُقْضَى إِنْ شَاءَ الله (3).
4. وروى الشيخُ الصّدوقُ عن جعفرٍ بنِ محمّدٍ بنِ مسرور، عن الحسينِ بنِ محمّدٍ بنِ عامر، عن عمّه عبدِ الله بنِ عامر، عن محمّدٍ بن أبي عُمير، عن أبان بنِ عثمان، عن أبان بنِ تغلب، عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ الباقر، عن أبيهِ «عليهما السلام»، عن جدِّه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: مَن أرادَ التوسّلَ إليَّ، وأن يكونَ لهُ عندي يدٌ أشفعُ لهُ بها يومَ القيامة، فليَصِلْ أهلَ بيتي، ويُدخِل السرورَ عليهم (4).
وسيأتي في حديثِ الضريرِ لها كيفيّةٌ أيضاً.
النقطةُ الثانية: أَدِلَّة اَلتَّوَسُّلِ من القرآن الكريم كَثِيرَةً، وَقَدْ صَنَّفَ عُلَمَاءُ اَلطَّائِفَةِ المُحِقَّةِ كتباً نَذْكُرُ جَانِباً ممّا اِسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى:
1. الآية الأولى: قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَهَ تَوَّابًا رَحِيمً﴾ [سورة النساء:64].
تشيرُ الآيةُ إلى أنَّ مِن شروطِ قبولِ التوبةِ التوسّلُ بالنبيّ الأعظمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ولم يقُل ولو أنّهم استغفروا اللهَ لكانَ اللهُ توّاباً رحيماً.
2. الآيةُ الثانية: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا يَستَغفِر لَكُم رَسُولُ اللهِ لَوَّوا رُءُوسَهُم وَرَأَيتَهُم يَصُدُّونَ وَهُم مُستَكبِرُونَ﴾ [سورةُ المنافقون:5].
تشيرُ الآيةُ إلى أهميّةِ طلبِ المُنافقينَ منَ الرسول صلّى اللهُ عليهِ وآله الإستغفارَ لهم، وأنَّ الإعراضَ عن هذا الطلبِ صدٌّ واستكبار.
3. الآيةُ الثالثة: وَقَوله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾ [سورةُ المائدة: 35].
تشيرُ الآية إلى أن يبتغوا كلَّ ما يوجبُ التقرّبَ إليه، ونيلَ مرضاتِه وثوابِه وقضاءِ الحوائجِ لديه.
وغيرها منَ الآياتِ المبسوطةِ في كتبِ العلماء.
النقطةُ الثالثة: اِستَدَلَّ عُلَمَاءُ اَلشِّيعَةِ لِإِلزَامِ اَلمُعتَرِضِينَ مِن مُخَالِفِينَا بِمَا وَرَدَ فِي كُتُبِهِم مِن أَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ نَذكُرُ مِنهَا:
1. مِنها ما رواه السيوطيُّ في تفسيرِه الدرُّ المنثور في تفسيرِ قوله تعالى : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ) [ البقرة : 37 ] قالَ : وأخرجَ ابنُ النجّار عن ابنِ عبّاس قالَ : « سألتُ رسولَ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله عن الكلماتِ التي تلقّاها آدمُ مِن ربّه فتابَ عليه ، قالَ : سألَ بحقِّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسين إلّا تبتَ عليّ ، فتابَ عليه »(5).
2. وفي صحيحِ البُخاري روى عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ "أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا استَسقَى بِالعَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسقِنَا قَالَ فَيُسقَونَ» (6).
حيثُ نرى في هذا الخبرِ أنّ عُمر بنَ الخطاب يخبرُ أنّهم كانوا يتوسّلونَ بالنبي (ص) في حياتِه، وأنّه الآنَ يتوسّلُ بعمِّ نبيّه (ص).
3. وروى أحمدُ والترمذي وغيرُهما بالإسنادِ الصّحيحِ عن عثمانَ بنِ حنيف أنَّ رجلاً ضريراً أتى النبيَّ (ص) فقالَ: يا نبيَّ الله ادعُ اللهَ أن يُعافيني. فقالَ (ص): إن شئتَ أخّرتُ ذلكَ فهو أفضلُ لآخرتِك وإن شئتَ دعوتُ لك.
قالَ: لا، بل ادعُ اللهَ لي. فأمرَه أن يتوضّأ وأن يُصلّي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهمَّ إنّي أسألُك وأتوجّهُ إليكَ بنبيّكَ محمّدٍ (ص) نبيّ الرحمةِ يا مُحمّد إنّي أتوجّهُ بكَ إلى ربّي في حاجتي هذهِ فتُقضى وتُشفّعني فيه وتُشفّعَه فيَّ قالَ فكانَ يقول هذا مراراً ثمَّ قالَ بعدَ أحسب أنّ فيها أن تُشفّعني فيه قالَ ففعلَ الرّجلُ فبرأ. (مسندُ أحمد: 4 / 138، سننُ الترمذي: 5 / 229، المُستدركُ للحاكم: 1 / 313، صحيحُ ابنِ خزيمة: 2 / 225، وغيرُها منَ المصادر)
ونرى في هذا الحديثِ أنَّ الأعمى طلبَ منَ النبي (ص) أن يدعوَ له، ولكنَّ النبيَّ (ص) علّمَه التوسّل.
ونفسُ هذا التوسّلِ علّمَه الصحابيُّ الجليلُ عثمانُ بنُ حنيف لرجلٍ في خلافةِ عُثمان بنِ عفّان، فدعا الرّجلُ به، فقُضيَت حاجتُه، فيما رواهُ الطبراني قالَ: حدّثنا طاهرٌ بنُ عيسى بنِ قيرس المصريّ التميميّ حدّثنا أصبغ بنُ الفرج حدّثنا عبدُ الله بنُ وهب عن شبيبٍ بنِ سعيدٍ المكيّ عن روحٍ بنِ القاسم عن أبي جعفرٍ الخطمي المدني عن أبي أمامةَ بنِ سهلٍ بنِ حنيف عن عمِّه عثمان بنِ حنيف أنَّ رجلاً كانَ يختلفُ إلى عثمان بنِ عفّان رضيَ اللهُ عنه في حاجةٍ له فكانَ عُثمان لا يلتفتُ إليه ولا ينظرُ في حاجتِه فلقيَ عثمانَ بنَ حنيف فشكا ذلكَ إليه فقالَ له عُثمان بنُ حنيف ائتِ الميضأةَ فتوضّأ ثمَّ ائتِ المسجدَ فصلِّ فيهِ رَكعتين ثمَّ قُل اللهمَّ إنّي أسألُك وأتوجّهُ إليكَ بنبيّنا محمّد صلّى اللهُ عليه وسلّم نبيّ الرّحمة يا محمّد إنّي أتوجّهُ بكَ إلى ربّك وربّي عزّ وجلّ فيقضي لي حاجتي وتذكرُ حاجتَك ورح إليّ حتى أروح معك فانطلقَ الرجلُ فصنعَ ما قالَ لهُ عُثمان ثمَّ أتى بابَ عثمان فجاءَ البوّابُ حتّى أخذَ بيدِه فأدخلَه عثمانُ بنُ عفان فأجلسَه معَه على الطنفسةِ وقالَ حاجتُك فذكرَ حاجتَه فقضاها له ثمّ قالَ له ما ذكرتَ حاجتَك حتّى كانَت هذه الساعة وقالَ ما كانَت لكَ مِن حاجةٍ فأتِنا ثمَّ إنَّ الرّجلَ خرجَ مِن عندِه فلقيَ عثمانَ بنَ حنيف فقالَ له جزاكَ اللهُ خيراً ما كانَ ينظرُ في حاجتي ولا يلتفتُ إلي حتّى كلّمتُه فيّ فقالَ عثمانُ بنُ حنيف واللهِ ما كلّمته ولكن شهدتُ رسولَ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم وأتاه ضريرٌ فشكا عليهِ ذهابَ بصره فقالَ له النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم أفتصبرُ فقالَ يا رسولَ الله إنّه ليسَ لي قائدٌ وقد شقَّ عليّ فقالَ له النبي (ص) إيتِ الميضأةَ فتوضّأ ثمَّ صلِّ ركعتين ثمَّ ادعُ بهذهِ الدعوات قالَ عثمان فواللهِ ما تفرّقنا وطالَ بنا الحديث حتّى دخلَ علينا الرجلُ كأنّه لم يكُن به ضررٌ قط.
قالَ الطبراني بعدَ ذكرِ طرقِ الحديث: والحديثُ صحيح. (المعجمُ الكبيرُ للطبراني: 1 / 183، الترغيبُ والترهيبُ للمُنذري: 1 / 474،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكافي، ج3 ص309، ومرآةُ العقول، ج15 ص96.
2- الكافي، ج2 ص582، ومرآةُ العقول، ج12 ص456.
3- الكافي، ج4 ص550 ـ 551، وكاملُ الزيارات، ص48.
4- أمالي الصّدوق، ص462، وبحارُ الأنوار، ج6 ص227.
5- الدرُّ المنثور في التفسيرِ بالمأثور ج1ص147.
6- صحيحُ البُخاري ج3ص1360 رقمُ الحديث: 3507
اترك تعليق