لماذا بعض العرفاء يذكرون بخير الحلاج ويمدحون به كثيرًا .

الجوابُ:

منَ المؤكّدِ أنَّ الحلّاجَ عندَ مُجملِ علماءِ الشيعةِ مذمومٌ وملعون، وقد صدرَ اللعنُ في حقِّه منَ الإمامِ الحُجّةِ عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه على يدِ سفيرِه الثالثِ الحُسينِ بنِ روح، ففي الاحتجاجِ للشيخِ الطوسي قالَ: فخرجَ التوقيعُ يلعنُه مِن قِبلِ صاحبِ الأمرِ والزمان وبالبراءةِ مِنه، في جُملةِ مَن لعنَ وتبرّأ منه، وكذا كانَ أبو طاهرٍ مُحمّدُ بنُ عليٍّ بنِ بلال، والحسينُ بنُ منصورٍ الحلّاج، ومحمّدُ بنُ عليٍّ الشلمغاني المعروفُ بابنِ أبي العزاقري، لعنَهم الله.

وقد ردَّ كثيرٌ مِن عُلماءِ الشيعةِ على الحلّاجِ والحلاجيّة، كالجُنيدِ، والشيخِ الصّدوق، وشيخِ الطائفةِ الطوسي، والشيخِ الطبرسي، والشيخِ المُفيد، والسيّدِ المُرتضى علمِ الهُدى، والشيخِ جمالِ الدينِ المُطهّرِ الحِلّي، والسيّدِ ابنِ طاووس، والشيخِ أحمد بنِ فهدٍ الحلّي وغيرِهم الكثير، وقالَ المفيدُ في تصحيحِ اعتقاداتِ الإماميّة: "والحلاجيّةُ ضربٌ مِن أصحابِ التصوّف، وهُم أصحابُ الإباحةِ والقولِ بالحلول، ولم يكُن الحلّاجُ يتخصّصُ بإظهارِ التشيّعِ وإن كانَ ظاهرُ أمرِه التصوّف، وهُم قومٌ مُلحِدةٌ وزنادقةٌ يُموّهونَ بمُظاهرةِ كلِّ فرقةٍ بدينِهم ويدّعونَ للحلّاجِ الأباطيل، ويجرونَ في ذلكَ مجرى المجوسِ في دعواهم لزرادشت المُعجزات، ومجرى النصارى في دعواهُم لرُهبانِهم الآياتِ والبيّنات، والمجوسُ والنصارى أقربُ إلى العملِ بالعباداتِ مِنهم، وهُم أبعدُ منَ الشرائعِ والعملِ بها منَ النصارى والمجوس" وعليهِ فإنَّ الخطَّ العامَّ لعُلماءِ الشيعةِ هوَ ذمُّ الحلّاجِ ولعنُه والبراءةُ مِنه تبعاً لإمامِهم صاحبِ العصر والزمان، والواجبُ على المؤمنِ عدمُ الالتفاتِ للآراءِ المُخالفةِ لخطِّ أهلِ البيت (عليهم السلام) مهما كانَ صاحبُها؛ فالعِصمةُ عندَنا هيَ للأئمّةِ وحدِهم دونَ سِواهم، فالأسلمُ لعقيدةِ المؤمنِ ودينِه هوَ الالتزامُ بخطِّ أهلِ البيت (عليهم السلام) والابتعادُ عن التأويلاتِ الباطنيّةِ لكُفريّاتِ الصوفيّةِ وشطحاتِهم.

أمّا السببُ في تعظيمِ بعضِ العُرفاءِ للحلّاجِ فيعودُ إلى إيمانِهم بوحدةِ الوجود، والحلّاجُ في نظرِهم أكثرُ مَن عبّرَ عَن مقامِ الوحدة، ففي كتابِ (الحلّاجِ في ما وراءِ الخطِّ واللون) لسامي مكارم ينقلُ اعتذارَ الغزاليّ للحلّاجِ بقولِه: "العارفونَ بعدَ العروجِ إلى سماءِ الحقيقةِ اتّفقوا على أنّهم لم يروا في الوجودِ إلّا الواحدَ الحقَّ لكِنَّ مِنهم مَن كانَ لهُ هذهِ الحالُ عِرفاناً علميّاً ومِنهم مَن صارَ لهُ ذلكَ حالاً ذوقيّاً وانتفَت عنهم الكثرةُ بالكُليّةِ واستغرقوا بالفردانيّةِ المَحضة واستوفيَت فيها عقولُهم فصاروا كالمَبهوتينَ فيه ولم يبقَ فيهم مُتّسعٌ لا لذكرِ غيرِ الله ولا لذكرِ أنفسِهم أيضاً فلم يكُن عندَهم إلّا اللهُ فسكِروا سُكراً دفعَ دونَه سلطانَ عقولِهم. فقالَ أحدُهم: أنا الحقُّ!! وقالَ الآخر: سُبحاني ما أعظمَ شأني!! وقالَ آخر: ما في الجِبّةِ إلّا الله!! وكلامُ العُشّاقِ في حالِ السُّكرِ يُطوى ولا يُحكى، فلمّا خفَّ عَنهم سُكرُهم ورُدّوا إلى سُلطانِ العقلِ الذي هوَ ميزانُ الله في أرضِه عرفوا أنَّ ذلكَ لم يكُن حقيقةَ الاتّحادِ بل شِبهَ الاتّحادِ مثلَ قولِ العاشقِ في حالِ فرطِ عِشقه (أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا)" وكلُّ هذهِ الشطحاتِ التي أشارَ لها الغزاليّ هيَ مِن أقوالِ الحلّاج، وهذا النوعُ منَ الاعتذارِ لا يقبلهُ إلّا القائلونَ بوحدةِ الوجود، وقد بيّنّا في إجاباتٍ سابقةٍ أنَّ العرفانَ بجميعِ مدارسِه الإسلاميّةِ وغيرِ الإسلاميّة يقومُ على ركيزةٍ واحدةٍ وهيَ نفيُ الكثرةِ في الوجود، وهذا ما تصدّى صدرُ الدينِ الشيرازي لبيانِه والدفاعِ عنه، حيثُ كانَ يعتقدُ بأنَّ اللهَ بسيطُ الوجودِ وبالتالي هوَ كلُّ الأشياء، وفي نفسِ الوقتِ ليسَ شيئاً مِن هذهِ الأشياء؛ لأنَّ الوجودَ عندَه مقولةٌ مُشكّكة، أي أنَّ الوجودَ حقيقةٌ واحدةٌ بينَ الواجبِ والمُمكنِ والاختلافُ بينَهما اختلافٌ في المراتبِ الوجوديّة، وبذلكَ يصبحُ الأصيلُ هوَ الوجودُ الذي هوَ حقيقةٌ واحدةٌ بينَ الواجبِ والمُمكِن، أمّا الخلقُ فليسَ إلّا طوراً مِن أطوارِ الواجبِ وشأناً مِن شؤونِه، وهذا الاعتقادُ مُخالِفٌ لظواهرِ النصوصِ ولصريحِ العقيدةِ الإسلاميّةِ القائمةِ على البينونةِ الحقيقيّةِ بينَ الخالقِ والمخلوق، فالخلقُ لم يكُن حالةَ فيضٍ أو صدورٍ أو تنزّلٍ للخالقِ في مرحلةِ المخلوق، وإنّما الخالقُ في العقيدةِ الإسلاميّةِ مُباينٌ للمخلوقِ بينونةً حقيقيّةً مَفهوماً ومِصداقاً، والإنسانُ في تكاملِه لا يندكُّ في الخالقِ ولا يفنى فيهِ بأيّ معنىً مِن معاني الفناءِ والوحدةِ، وبذلكَ يُغلِقُ الإسلامُ البابَ أمامَ أيّ شطحةٍ مِن شطحاتِ العُرفاءِ والمُتصوّفةٍ التي ادّعوا فيها منازلَ ومقامات تقشعرُّ مِنها الأبدان.