ما هو روح القدس؟

ما هوَ روحُ القُدس؟

الجوابُ: 

روحُ القُدس: وهوَ روحٌ جعلَهُ اللهُ في الأنبياءِ والأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام)، غرسَهُ في ذواتِهم، ليؤيّدَهم ويسدّدهم.

وردَ في الرواياتِ الكثيرةِ أنَّ اللهَ جعلَ في الأنبياءِ والأئمّةِ خمسةَ أرواح، وفي المؤمنينَ أربعةَ أرواح، وفي أعداءِ الله ثلاثةَ أرواح.

قالَ الشيخُ الصّدوق: واعتقادُنا في الأنبياءِ والرسلِ والأئمّة (عليهم السلام) أنَّ فيهم خمسةَ أرواح: روحُ القُدس، وروحُ الإيمان، وروحُ القوّة، وروحُ الشهوة، وروحُ المدرج.

وفي المؤمنينَ أربعةَ أرواح: روحُ الإيمان، وروحُ القوّة، وروحُ الشهوة، وروحُ المدرج. 

وفي الكافرينَ والبهائم ثلاثةُ أرواح: روحُ القوّة، روحُ الشهوة، وروحُ المدرج. (الإعتقاداتُ للصّدوق، بابُ الإعتقادِ في النفوسِ والأرواح)

والأنبياءُ والأئمّةُ عليهم السلام، بروحِ القُدس صاروا معصومينَ مؤيّدينَ مُسدّدين، وبروحِ القُدسِ عرفوا الأشياءَ، وبروحِ القُدس حملَ الأنبياءُ أعباءَ النبوّة، والأئمّةُ أعباءَ الإمامة.

وعليهِ: فروحُ القُدس هوَ الفصلُ المقوّمُ للنبوّةِ والإمامة، وبها تميّزوا عن سائرِ الخلق.

وإليكَ بعضَ الرواياتِ التي أشارَت إلى جميعِ ذلك:

روى الكُليني بسندٍ صحيحٍ إلى جابر الجُعفي قالَ: قال أبو عبدِ الله عليهِ السلام: يا جابرُ، إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى خلقَ الخلقَ ثلاثةَ أصنافٍ وهوَ قولُ اللهِ عزَّ وجل : { وكنتُم أزواجاً ثلاثةً فأصحابُ الميمنةِ ما أصحابُ الميمنةِ وأصحابُ المشئمةِ ما أصحابُ المشئمةِ والسّابقونَ السّابقونَ أولئكَ المُقرّبون } فالسابقونَ هُم رسلُ الله عليهم السلام وخاصّةُ الله مِن خلقِه، جعلَ فيهم خمسةَ أرواح: أيّدَهم بروحِ القُدس فبه عرفوا الأشياءَ، وأيّدَهم بروحِ الإيمان، فبه خافوا اللهَ عزَّ وجلّ، وأيّدَهم بروحِ القوّةِ فبه قدروا على طاعةِ الله، وأيّدَهم بروحِ الشهوةِ فبهِ اشتهوا طاعةَ اللهِ عزَّ وجل وكرهوا معصيتَه، وجعلَ فيهم روحَ المدرجِ الذي به يذهبُ الناسُ ويجيئون. 

وجعلَ في المؤمنينَ وأصحابَ الميمنةِ روحَ الإيمانِ فبهِ خافوا الله، وجعلَ فيهم روحَ القوّةِ فبهِ قدروا على طاعةِ الله، وجعلَ فيهم روحَ الشهوةِ فبه اشتهوا طاعةَ الله، وجعلَ فيهم روحَ المدرَج الذي به يذهبُ الناسُ ويجيئون. (الكافي للكُليني: 1 / 271).

وروى الكُليني بسندِه عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: سألتُه عن علمِ العالم، فقالَ لي: يا جابرُ إنَّ في الأنبياءِ والأوصياءِ خمسةَ أرواح: روح القُدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوّةِ وروح الشهوة ، فبروحِ القُدسِ يا جابِر عرفوا ما تحتَ العرشِ إلى ما تحتَ الثرى، ثمَّ قال: يا جابرُ إنَّ هذه الأربعةَ أرواحٍ يصيبُها الحدثانِ إلّا روحُ القُدس فإنّها لا تلهو ولا تلعب. (الكافي للكُليني: 1 / 272).

فقولهُ: "فبروحِ القُدس يا جابرُ عرفوا ما تحتَ العرشِ إلى ما تحتَ الثرى" إنَّ روحَ القُدس جوهرُه وحقيقتُه العلمُ الذي أفاضَه اللهُ على أنبيائهِ ورسلِه.

وقولهُ: "إنّ هذه الأربعةَ أرواحٍ يصيبُها الحدثان إلّا روح القُدس فإنّها لا تلهو ولا تلعب." إنَّ روحَ القُدس شأنُه العصمةُ، فبه يعتصمُ النبيُّ والإمامُ ولا يُخطئ ولا يسهو ولا ينسى ولا يلهو ولا يلعب.

وروى الكُلينيُّ بسندِه عن المُفضّلِ بنِ عُمر، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: سألتُه عن علمِ الإمامِ بما في أقطارِ الأرضِ وهوَ في بيتِه مُرخىً عليهِ سِتره، فقالَ: يا المُفضّل إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى جعلَ في النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله خمسةَ أرواح: روحُ الحياةِ فبهِ دبَّ ودرج، وروحُ القوّةِ فبه نهضَ وجاهد، وروحُ الشهوةِ فبه أكلَ وشرب وأتى النساءَ منَ الحلال، وروحُ الإيمانِ فبه آمنَ وعدل، وروحُ القُدس فبهِ حملَ النبوّة، فإذا قُبضَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله انتقلَ روحُ القُدس فصارَ إلى الإمام، وروحُ القُدس لا ينامُ ولا يغفَل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعةُ الأرواحِ تنامُ وتغفلُ وتزهو وتلهو، وروحُ القُدس كانَ يرى به. (الكافي للكُليني: 1 / 272).

أقولُ: ومعنى انتقالِه إلى الإمامِ يعني إنتقالَ الإمامةِ إلى الإمامِ اللاحق، حيثُ إنّ روحَ القُدس موجودٌ مع الأنبياءِ والأئمّةِ مِن حينِ الولادة، كما في آية: { إذ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ اذكُر نِعمَتِي عَلَيكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذ أَيَّدتُكَ بِرُوحِ القُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهدِ وَكَهلًا } [المائدة: 110]

وقولهُ: "وروحُ القُدس فبهِ حملَ النبوّة" أنَّ النبوّةَ والإمامةَ لا يمكنُ حملُها من دونِ جعلِ روحِ القُدس في النبيّ والإمام. 

وروى الكُليني بسندٍ صحيحٍ عن فضيلٍ بنِ يسار قالَ: سمعتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام يقولُ لبعضِ أصحابِ قيسٍ الماصر: إنَّ اللهَ عزَّ وجل أدّبَ نبيّهُ فأحسنَ أدبَهُ فلمّا أكملَ لهِ الأدب قال: { إنّكَ لعُلى خُلقٍ عظيم }، ثمَّ فوّضَ إليه أمرَ الدينِ والأمّةِ ليسوسَ عبادَه ، فقالَ عزَّ وجل : " ما آتاكُم الرسولُ فخذوه وما نهاكُم عنه فانتهوا " وإنَّ رسولَ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله كانَ مُسدّداً موفّقاً مؤيّداً بروحِ القُدس، لا يزلُّ ولا يخطئُ في شيءٍ ممّا يسوسُ بهِ الخلق، فتأدَّب بآدابِ الله. (الكافي للكُليني: 1 / 266).

وفي روايةٍ رواها الكُليني بسندِه عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): ... فبروحِ القُدس بُعثوا أنبياءَ مُرسلينَ وغيرَ مُرسلين، وبها عُلّموا الأشياء. (الكافي للكُليني: 1 / 266).

وروى الصّدوقُ بسندِه عن جابرٍ الجُعفي عن الإمامِ الباقر (عليهِ السلام) قال: ...

لا يفارقهم روحُ القدسِ ولا يفارقونهُ، ولا يفارقونَ القرآنَ ولا يفارقهم صلواتُ الله عليهم أجمعين. (علل الشرائع: 1 / 124، باب 103).

والظاهرُ من هذه الرواياتِ وغيرها أنّ روحَ القدسِ غيرُ جبرئيل، حيث أنّ هذه الرواياتِ تتحدثُ أنّ روح القدس مجعولٌ فيهم، ومغروسٌ في ذواتهم، لا يفارقهم لحظةً، وبه عُصموا، وجبرئيلُ ملكٌ مكلفٌ بإيصالِ الوحي إلى الأنبياء، ويفارقهم، وهو غيرُ روح القدسِ المذكور في الآياتِ والروايات.

والرواياتُ كثيرةٌ جداً، يمكنُ مراجعةُ بصائر الدرجات أيضاً.

روحُ الأمر:

وردَ في الرواياتِ الكثيرة – ولا يبعدُ تواترها – أنّ خاتمَ الأنبياء وسيّدهم (ص) والأئمةَ المعصومينَ من بعده (ع) لهم طبقاتٌ من الأرواح أعلى وأشرف من روح القدس، فإنّ روحَ القدس طبقةٌ مشتركةٌ بين الأنبياء والأئمة، ولكنّ النبيّ وأهلَ بيتهِ اختصّهم اللهُ تعالى بأرواح أشدّ قدسيةً، وأطهرَ وأنقى وأعلى رتبةً من روح القدس، تسمّى بروح الأمر، كما وردَ ذلك في القرآن والأحاديثِ، وروحُ الأمر ليسَ من الملائكة، وهو خلقٌ أعظمُ من جبرئيلَ وميكائيل. 

وبما أنّهُ أعلى رتبةً من الملائكةِ ومن روح القدس، فالعصمةُ من خلالهِ أشدّ من العصمةِ بروح القدس، والعلمُ الذي يكونُ به أوسعُ وأعلى وأشرفُ من العلم الذي يكونُ من خلالِ روح القدس.

قال الشيخُ الصدوق: وأمّا قولهُ تعالى: { ويسئلونكَ عن الرّوح قلِ الرّوحُ من أمر ربّي } فإنّهُ خلقٌ أعظمُ من جبرئيلَ وميكائيل، كان مع رسول الله والأئمةِ (عليهم السلام)، وهو من الملكوت. (الإعتقادات للصدوق، باب الإعتقاد في النفوس والأرواح)

قال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِن أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52]

روى الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن أبي بصير قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن قول اللهِ تبارك وتعالى : { وكذلكَ أوحينا إليكَ روحاً من أمرنا ما كنتَ تدري ما الكتابُ ولا الايمان } قال : خلقٌ من خلق الله عزّ وجلّ أعظمُ من جبرئيلَ وميكائيل ، كان مع رسول اللهِ صلى الله عليه وآله، يخبرهُ ويسدّده، وهو مع الأئمة من بعده. (الكافي للكليني: 1 / 273).

وروى الكلينيّ بسندٍ صحيح عن أبي بصيرٍ قالَ : سألتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام عن قولِ الله عزّ وجل : { يسألونَك عن الروحِ قُل الروحُ مِن أمرِ ربّي } قالَ : خلقٌ أعظمُ مِن جبرئيلَ وميكائيل ، كانَ معَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وهوَ معَ الأئمّة ، وهوً منَ الملكوت. (المصدرُ السابق)

قالَ العلّامةُ المجلسي: والخبرُ يدلُّ على أنّهُ خلقٌ عظيم ، وظاهرُه أنّه ليسَ منَ الملائكة ، بناءً على أنَّ جبرئيلَ أعظمُ مِن سائرِ الملائكة . (مرآةُ العقول: 3 / 172),

وروى الكُلينيُّ والصفّارُ بسندٍ صحيح عن أبي بصيرٍ قال : سمعتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام يقول : { يسألونَك عن الرّوحِ قُل الرّوحُ مِن أمرِ ربّي } قالَ : خلقٌ أعظمُ مِن جبرئيلَ وميكائيل ، لم يكُن معَ أحدٍ ممَّن مضى ، غير محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله وهوَ معَ الأئمّةِ يُسدّدُهم ، وليسَ كلُّ ما طُلبَ وجِد . (الكافي للكُليني: 1 / 273، بصائرُ الدرجات للصفّار: 2 / 819)

ورواه الصفّارُ في البصائر: 2 / 818: بسندٍ صحيحٍ عن هشامٍ بنِ الحكمِ أيضاً. 

وروى الكُليني والصفّار بالإسنادِ عن سعدٍ الإسكاف [عن الأصبغِ بنِ نباتة] قالَ: أتى رجلٌ أميرَ المؤمنين عليهِ السلام يسألُه عن الروحِ، أليسَ هوَ جبرئيل ؟ فقالَ له أميرُ المؤمنين عليهِ السلام : جبرئيلُ عليهِ السلام منَ الملائكةِ والرّوحُ غيرُ جبرئيل ، فكرّرَ ذلكَ على الرجلِ فقال له : لقد قلتَ عظيماً منَ القول ، ما أحدٌ يزعمُ أنَّ الرّوحَ غيرُ جبرئيل فقالَ له أميرُ المؤمنين (ع) : إنّكَ ضالٌّ تروي عن أهلِ الضلال ، يقولُ اللهُ تعالى لنبيّه صلّى اللهِ عليه وآله : { أتى أمرُ الله فلا تستعجلوه سبحانَهُ وتعالى عمّا يُشركون ، ينزّلُ الملائكةَ بالرّوح } والرّوحُ غيرُ الملائكة صلواتُ اللهِ عليهم . (الكافي للكُليني: 1 / 274، بصائرُ الدرجات: 2 / 823).

وروى الصفّارُ بسندٍ مُعتبَر عن زرارةَ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام في قولِ اللهِ عزَّ وجل { وكذلكَ أوحينا إليكَ روحاً مِن أمرِنا ما كنتَ تدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ ولكن جعلناهُ نوراً نهدي به مَن نشاءُ مِن عبادنا } فقالَ أبو جعفرٍ عليهِ السلام: لقد أنزلَ اللهُ ذلكَ الرّوحَ على نبيّه، وما صعدَ إلى السماءِ منذُ أُنزِل، وإنّه لفينا. (بصائرُ الدرجات: 2 / 814).

ورواهُ الكُلينيّ والصفّارُ بسندٍ آخرَ عن الإمامِ الصّادقِ عليهِ السلام.

وروى الكُلينيّ والصفّارُ بالإسنادِ إلى عليٍّ بنِ رئاب رفعَهُ إلى أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام قالَ : قالَ أميرُ المؤمنين عليهِ السلام : إنَّ للهِ نهراً دونَ عرشِه ودونَ النهرِ الذي دونَ عرشِه نورُ نورِه وإنَّ في حافّتي النهرِ روحينِ مَخلوقين : روحُ القُدس وروحٌ مِن أمره.

وإنَّ للهِ عشرَ طينات ، خمسةٌ منَ الجنّةِ وخمسةٌ منَ الأرض ، ففسّرَ الجنانَ وفسّرَ الأرض ، ثمَّ قال : ما مِن نبيٍّ ولا ملكٍ مِن بعدِه جبلَهُ إلّا نفخَ فيه مِن إحدى الرّوحينِ وجعلَ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله مِن إحدى الطينتين ، قلتُ لأبي الحسنِ الأوّل عليهِ السلام ما الجَبْلُ فقالَ : الخلقُ غيرُنا أهلَ البيت ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجل خلقَنا مِنَ العشرِ طينات، ونفخَ فينا منَ الروحينِ جميعاً فأطيّب بها طيباً. (الكافي للكُليني: 1 / 389، بصائرِ الدرجات: 2 / 799). فتأمَّل جيّداً.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.