38

هل أخذت قواعد اللغة العربية من القرآن ام من المعلقات الشعرية لأنه كلما ناقشنا أحد وقال هناك أخطاء لغوية في القرآن فقلت له القرآن أساس القواعد قال لي لا بل المعلقات هي الأساس

الجوابُ:

منَ المؤكّدِ أنَّ قواعدَ اللغةِ العربيّة كُتبَت مؤخّراً، وقد كانَ العربُ يتكلّمونَ بالعربيّةِ على السليقةِ دونَ الرجوع لقواعدَ مكتوبة، ومنَ المؤكّدِ أيضاً أنَّ القرآنَ نزلَ بلسانٍ عربيٍّ لا عوجَ فيه، قالَ تعالى: (قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُم يَتَّقُونَ)، حيثُ نزلَ هذا القرآنُ على مسامعِ أربابِ الفصاحةِ والبلاغةِ مِن قُريش ولم يُسجِّل لنا التاريخُ اعتراضاً واحداً على لغةِ القرآنِ وفصاحتِه، بل العكسُ هو الذي حدث، حيثُ انتدبَت قريشُ الوليدَ بنَ المُغيرة ليستمعَ إلى ما يتلوهُ رسولُ الله منَ القرآنِ لكونِه أفصحَ العرب، وما أن سمعَ بعضَ الآياتِ وهيَ تخرجُ كاللآلئِ المنظومةِ مِن فم رسولِ الله حتّى رجعَ مُسرعاً إلى قومِه وهوَ يقولُ: (واللهِ لقد سمعتُ مِن محمّدٍ آنفاً كلاماً؛ ما هوَ مِن كلامِ الأنسِ ولا مِن كلامِ الجنِّ؛ واللهِ إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليهِ لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه)، فمعَ أنَّ كفار قريش لم يتركوا أتهاماً إلا وقالوه في حقَّ القرآنِ الكريم فقالوا: شعرٌ، وسحرٌ، وأساطيرُ الأوّلين، مكذوبٌ، أضغاثُ أحلام، إلّا أنّهم لم يقدحوا أبداً في لغتِه وفصاحته.

وبذلكَ يصبحُ القرآنُ هوَ النصُّ المقياسي لقواعدِ اللغةِ العربيّة وليس المُعلّقات التي تواضعَت أمامَ بلاغةِ القرآن وفصاحتِه، وقد تسالمَ لهذه الحقيقةِ كلُّ علماءِ اللغةِ وفصحاءِ العرب، ولذا لم نسمَع مِن جهابذةِ اللغةِ العربيّة وواضعي أصولِها وقواعدِها مَن أشكلَ على لغةِ القرآن وفصاحتِه، وكلُّ ما يثارُ في هذا الشأنِ هوَ مِن بعضِ المُلحدينَ والمسيحيّينَ للتقليلِ مِن قداسةِ القرآن، معَ أنّهم ليسَ لهُم خبرةٌ واختصاصٌ بهذا الفنّ وإنّما مُجرّدُ مُتطفّلينَ بدافعِ الحسدِ والحقد.

 وحتّى لو افترضنا وجودَ بعضِ الاختلاف في إعرابِ القرآن وإملائِه عن بعضِ القواعدِ المعروفة، فإنَّ ذلكَ لا يكونُ حاكماً على القرآن؛ لأنَّ القرآنَ بذاتِه يمثّلُ مرجعاً لقواعدِ اللغةِ إعراباً وإملاءً، فما هوَ موجودٌ مِن قواعدِ اللغةِ العربيّة ليسَ مورِداً للاتّفاقِ بينَ جميعِ اللغويّين، فقد اتّسعَت الخلافاتُ بينَ البصريّينَ والكوفيّينَ حتّى كادَت تشملُ كلَّ شيءٍ، والقرآنُ هوَ الكتابُ الوحيد ُالذي يصلحُ أن يكونَ مرجعاً وحكماً لجميعِ تلكَ الاختلافات، والحالُ نفسُه فيما يتعلّقُ بقواعدِ الإملاء، حيثُ وقعَ الاختلافُ بينَ مجمعِ اللغةِ العربيّةِ المصري،ّ ومجمعِ اللغةِ العربيّةِ السوري، بل حتّى الكلماتُ التي اتّفقا على إملائِها وخالفَهم الرسمُ القرآنيّ لا تعني وجودَ تحريفٍ أو خطأ في القرآنِ وإنّما يدلُّ على استخدامِ القرآنِ لأحدِ اللغاتِ الفُصحى عند العرب.

ولو سلّمنا جدلاً بما يقولهُ مُثيرو هذه الشبهةِ وافترَضنا أنَّ القرآنَ مِن عندِ رسولِ الله وليسَ وحياً منَ الله، فبرغمِ ذلك لا يخرجُ القرآنُ عن دائرةِ الاحتجاجِ في العربيّة؛ لأنَّ كلامَ الرسولِ بنفسِه حُجّةٌ في النحوِ والصرفِ والبلاغة، حيثُ كانَ أفصحَ العرب بشهادةِ مَن عاصرَه مِن فُصحاءِ العرب، وقد جاهرَ رسولُ الله بذلكَ بقولِه: (أنا أفصحُ مَن نطقَ بالضادِ بَيدَ أنّي مِن قريش)، وقالَ: (أعطيتُ فواتحَ الكلمِ وخواتمَهُ وجوامعه)، وفي بحارِ الأنوار أنَّ أعرابيّاً أتاهُ فقال: يا رسولَ الله أيدالِكُ الرجلُ امرأتَه؟ قالَ: نعم إذا كانَ ملفجاً، فقالَ: يا رسولَ الله مَن أدّبَك؟ قالَ: اللهُ أدّبني، وأنا أفصحُ العرب، بيدَ أنّي مِن قُريش، وربّيتُ في الفخرِ مِن هوازن بني سعدٍ بنِ بكر، ونشأت سحابةٌ فقالوا: هذهِ سحابةٌ قد أظلّتنا، فقالَ: كيفَ ترونَ قواعدَها؟ فقالوا: ما أحسنَها وأشدَّ تمكّنَها؟ قالَ: وكيفَ ترونَ رُحاها؟ فقالوا: ما أحسنَها وأشدَّ استدارتَها؟ قالَ: وكيفَ ترونَ البرقَ فيها وميضاً أم خفوّاً أم شقَّ شقّاً؟ فقالَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله: قد جاءَكم الحياءُ، فقالوا: يا رسولَ الله ما رأينا أفصحَ مِنك، قالَ: وما يمنعُني وأنا أفصحُ العرب، وأنزلَ اللهُ القرآنَ بلُغتي وهيَ أفضلُ اللغات).

وقالَ السيوطيّ في كتابِه المُزهر في اللغة: أفصحُ الخَلقِ على الإطلاق سيّدُنا ومولانا رسولُ اللّه حبيبُ ربِّ العالمين جلَّ وعلا.

وقالَ الخطابي: اعلَم أنَّ اللّهَ لمّا وضعَ رسولهُ موضعَ البلاغِ مِن وَحيه ونَصَبهُ مَنصبَ البيان لدينِه اختارَ له منَ اللغاتِ أعربَها ومنَ الألسُنِ أفصحَها وأبينَها ثمَّ أمدَّه بجوامعِ الكَلم .. ثمَّ قال: ومِن فصاحتِه أنّه تكلّم بألفاظٍ اقتَضَبَها لم تُسمَع منَ العربِ قبلَه ولم توجَد في مُتقَدّمِ كلامِها كقوله: ماتَ حَتفَ أَنفِه، وحَميَ الوطيسُ، ولا يُلدَغُ المؤمنُ مِن جُحرٍ مرَّتين.. في ألفاظٍ عديدةٍ تجري مجرى الأمثالِ.

ويكفي شاهداً على فصاحةِ القرآن وفصاحةِ رسولِ الله أنّها خرّجَت أعظمَ فصحاءِ العرب، فأميرُ المؤمنينَ والسيّدةُ الزهراء والأئمّةُ مِن أهلِ البيتِ عليهم جميعاً سلامُ الله، هُم أفصحُ العرب بشهادةِ الموافقِ والمُخالف، ومازالَت كلماتُهم وخُطبُهم ومناجاتُهم شاهدةً على أنّها دونَ القرآنِ وفوقَ كلامِ البشر.