هل خُلقَ الكون من أجل الإنسان؟

يقولُ المتديّنونَ أنَّ الوجودَ خُلقَ لأجلِ الإنسان! هل يمكنُ اعتبارُ أنَّ الكونَ مُصمّمٌ مِن أجلنا إذا كانَ مُعظمَه لا يدعمُ الحياةَ بل يحاولُ قتلها؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

لا يقتصرُ الاعتقادُ بأنَّ الكونَ خُلقَ لأجلِ الإنسانِ على المُتديّنينَ فقط، فهناكَ عددٌ منَ الفلاسفةِ والعلماءِ والمُفكّرينَ الذين يرونَ أنَّ هناكَ مؤشّراتٍ وأدلّةً على أنَّ الكونَ صُمّمَ خصيصاً ليكونَ مُناسباً للحياةِ وللإنسان، ويشيرُ بعضُهم إلى أنَّ الكونَ يحتوي على العديدِ منَ الظواهرِ الطبيعيّةِ والثوابتِ الفيزيائيّةِ والكيميائيّةِ والحيويّةِ التي تساعدُ في الحفاظِ على الحياةِ ودعمِها وتطوّرِها.

فمُضافاً إلى احتواءِ الكونِ على جميعِ العناصرِ التي تدعمُ الحياةَ بشكلٍ عامٍّ فإنَّ الكونَ صُمّمَ بالشكلِ الذي يجعلهُ قابلاً للفهمِ والتفسيرِ أيضاً، والإنسانُ هوَ الحيوانُ الوحيدُ القادرُ على هذه المُهمّة، وبمعنىً آخر إنَّ الإنسانَ هوَ الوحيدُ مِن بينِ الأحياءِ الذي يمكنُه فهمُ الكونِ وتحليلهُ واستكشافُه، الأمرُ الذي يدلُّ على وجودِ تناغمٍ بينَ الكونِ والإنسان، وهذا يُعزّزُ الفكرةَ بأنَّ الكونَ تمَّ تصميمُه خصّيصاً ليكونَ بمثابةِ بيئةٍ مُناسبةٍ للإنسانِ وللحياةِ بشكلٍ عام.

والأدلّةُ العلميّةُ التي تؤكّدُ صلاحيّةَ النظامِ الكونيّ لحياةِ الإنسانِ كثيرةٌ، ومنها:

1- ثوابتُ الطبيعة: تشيرُ العديدُ منَ الأبحاثِ العلميّةِ إلى أنَّ هناكَ عدداً منَ الثوابتِ الفيزيائيّةِ التي تتحكّمُ في النظامِ الكوني ومن دونِها تستحيلُ الحياةُ فيه، ومِن هذهِ الثوابتِ الفيزيائيّةِ الهامّةِ ثابتُ بلانك الذي يعودُ اكتشافُه إلى العالمِ الألمانيّ ماكس بلانك عام 1900 م، وهوَ يُمثّلُ أصغرَ وحدةٍ للشغلِ في الكون، أي لا يوجدُ ما هوَ أقلُّ منها، وهيَ تلعبُ دوراً أساسيّاً في السلوكِ الفيزيائيّ للمادّةِ والطاقة، وكذلكَ ثابتُ السرعةِ الضوئيّة، وثابتُ الجذرِ التربيعيّ لقوّةِ الجاذبيّة. وجميعُ هذهِ الثوابتِ الفيزيائيّةِ يجبُ أن تكونَ ضمنَ قيمٍ مُحدّدةٍ دقيقةٍ لضمانِ وجودِ الحياة.

2- البُنيةُ الكيميائيّة للكون: تحتوي العناصرُ الكيميائيّة في الكونِ على الموادِّ اللازمةِ لدعمِ الحياة، مثلَ الكربونِ والأوكسجينِ والهيدروجينِ والنيتروجينِ والكالسيوم والفوسفور والحديدِ والنّحاسِ وغيرِها. وهذهِ العناصرُ تدخلُ في تكوينِ المُركّباتِ الحيويّةِ مثلَ البروتيناتِ والأحماضِ النوويّةِ والدهونِ والكربوهيدرات.

3- التكيّفُ الحيوي: يتحدّدُ التكيّفُ الحيويّ للكائناتِ الحيّةِ بالظروفِ البيئيّةِ المُحيطةِ بها، وتتمكّنُ الكائناتُ الحيّةُ منَ التكيّفِ معَ هذه الظروفِ بفضلِ تغييراتِها الجينيّة. ويعتقدُ البعضُ أنَّ الظروفَ البيئيّةَ على الأرضِ تمَّ اختيارُها خصيصاً لدعمِ الحياة، بما في ذلكَ الأشعّةُ الشمسيّةُ والتركيبُ الجوّي والدورةُ المائيّةُ والتكوينُ الجيولوجي.

4- تكاملُ العواملِ التي تدعمُ الحياة: يتكاملُ الكونُ بشكلٍ مُذهلٍ لدعمِ الحياة، فهناكَ العديدُ منَ الظواهرِ الطبيعيّةِ والثوابتِ الفيزيائيّةِ والكيميائيّةِ والحيويّةِ التي تعملُ بشكلٍ مُتناغمٍ لدعمِ الحياةِ وتطوّرِها.

على سبيلِ المثال، الشمسُ توفّرُ الطاقةَ اللازمةَ للحياةِ على الأرضِ، والغلافُ الجوّي يحمي الحياةَ منَ الإشعاعاتِ الضارّةِ ويوفّرُ الأكسجينَ الضروريَّ للتنفّسِ، والمياهُ توفّرُ الرطوبةَ والعناصرَ الأساسيّةَ للحياة، والقوانينُ الفيزيائيّةُ المُعقّدةُ تسمحُ للكائناتِ الحيّةِ بالاستفادةِ مِن هذهِ الظروفِ المناسبةِ للحياةِ والتكيّفِ معَها.

بالإضافةِ إلى ذلك، يوجدُ أيضاً توازنٌ دقيقٌ بينَ العواملِ المُختلفةِ في الكون، مثلَ كميّةِ الأكسجينِ وثاني أكسيدِ الكربون في الغلافِ الجوّي وتركيزِ العناصرِ المُختلفةِ في الأرض، وهذا التوازنُ يجعلُ الحياةَ مُمكنةً ويساعدُ على الحفاظِ عليها وتطوّرها.

هذهِ بعضُ الأدلّةِ العلميّةِ التي تؤكّدُ صلاحيةَ النظامِ الكوني لدعمِ الحياةِ وتطوّرِها وبالتالي ليسَ الأمرُ خاصّاً بالمُتديّنين.

أمّا التفسيرُ الدينيُّ فيقومُ على أساسِ الغايةِ منَ الخلق، وقد ثبتَ بالنصِّ الدينيّ وبالتأمّلِ العقليّ إنَّ الإنسانَ هوَ محورُ الخلقِ وغايتُه، وعندَها لا يكونُ مُستغرباً القولُ إنَّ الكونَ خلقَ مِن أجلِ الإنسان.