ماذا سيحصل بعد وفاة الامام المهدي؟ ومن سيخلفه؟

سؤال: هل قيام الدولة المهدوية ينتهي الشر والظلم تماماْ وماذا يكون الحال بعد وفاته.. ومن سيخلفه؟ وهل ستبقى الأرض تعيش في عدل من يخلفه أم تعود الغلبة لأهل الشر؟

: السيد علي المشعشعي

الجوابُ:

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

تواترَتِ الأخبارُ مِن طرقِ الخاصّةِ والعامّة بخُروجِ رجلٍ مِن أهلِ بيتِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وآله- في آخرِ الزّمانِ يَملأُ الأرضَ بالعدلِ، وهو المهديُّ المُنتظَر (ع).

ففي طرقِ الخاصّةِ مثلَ حديث: «لو لم يبقَ منَ الدّنيا إلّا يومٌ لبعثَ اللهُ رجلاً مِن أهلِ بيتي يملأ الأرضَ قسطًا وعدلاً كما مُلئَت ظُلمًا وجورًا» (1).

وحديثُ " أما واللهِ ليغيبنَّ عنكُم مهديّكم حتّى يقولَ الجاهلُ مِنكم: ما للهِ في آلِ محمّدٍ حاجة ، ثمَّ يُقبلُ كالشهابِ الثاقبِ فيملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئَت جوراً وظُلماً " (٢).

وحديثُ: " هذا صاحبُكم مِن بعدي وخليفتي عليكم ، وهوَ القائمُ الذي تمتدُّ إليهِ الأعناقُ بالانتظار ، فإذا امتلأت الأرضُ جوراً وظُلماً خرجَ فملأها قسطاً وعدلاً " (٣).

وفي طرقِ العامّة: مثلُ حديث: "لَتُملَأَنَّ الأرضُ ظلمًا وعدوانًا ، ثُمَّ لَيَخرُجَنَّ رجلٌ مِن أهلِ بيتِي ، حتَّى يملأَها قِسطًا وعدلًا ، كما مُلئَت ظلمًا وعدوانًا" (٤).

وحديثُ: لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلَّا يومٌ لطوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليومَ حتَّى يَبعثَ فيهِ رجلًا منِّي - أو مِن أَهلِ بيتي يملأُ الأرضَ قِسطًا وعدلًا ، كما مُلئَت ظُلمًا وجَورًا .

وفي لفظٍ لا تذهبُ - أو لا تَنقضي - الدُّنيا حتَّى يملِكَ العربَ رجلٌ من أَهلِ بيتي ، يواطئُ اسمُهُ اسمي (٥).

وأمّا الحالُ بعدَه فمنَ المعلومِ أنَّ الدولةَ الخاتمةَ التي تملأُ الأرضَ قسطًا وعدلاً كما مُلئَت ظُلمًا وجورًا هيَ دولةُ المُخلّصِ المهديّ لكنّه إنسانٌ سيموتُ فمَن يعقبُه في دولتِه قبلَ قيامِ السّاعة؟

هناكَ ثلاثةُ آراء في المسألة:

الرأيُ الأوّل: أنّه يموتُ قبلَ قيامِ الساعةِ بأربعينَ يوماً، ويحصلُ الهرجُ والمرجُ، وتعيشُ الناسُ فوضى، وهوَ آخرُ الدّول، وهذا ما أشارَ إليه الشيخُ المُفيد في كتابِه «الإرشاد».

قلتُ: وهذا الرّأي لا يتّفقُ معَ عقيدةِ الإماميّةِ مِن أنّ الأرضَ لا تخلو مِن حُجّةٍ يوماً واحداً، فكيفَ تخلو الأربعينَ يومًا، كما وردَ عن أميرِ المؤمنينَ عليّ : ”بلى واللهِ لابدّ للهِ مِن حُجّةٍ في الأرضِ لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلَّا يومٌ لطوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليومَ “

الرأيُ الثاني: يحكمُ إثنا عشرَ مهديّاً بعدَ المهدي مِن وِلد المهديّ، كما وردَ في بعضِ الروايات.

قلتُ: وهذا الرأيُ مخالفةٌ للمشهور، على ما حكاهُ المجلسي في «بحارِ الأنوار» وكذا الحرُّ العامليّ في كتابِه «الإيقاظُ منَ الهجعةِ في البرهانِ على الرّجعة»

قالَ: وأمّا أحاديثُ الاثني عشر بعدَ الإثني عشر - يعني: إثنا عشرَ مهديّاً بعدَ اثني عشرَ إمامًا - فلا يخفى أنّها غيرُ موجبةٍ للقطعِ واليقينِ لندورِها وقلّتِها وكثرةِ مُعارضتِها، وقد تواترَت الأحاديثُ بأنّ الأئمّةَ إثنا عشر - يعني: ليسوا أكثر - وأنّ دولتهم ممدودةٌ إلى يومِ القيامة، وأنّ الثاني عشر خاتمُ الأوصياءِ والأئمّةِ والخلف، وأنَّ الأئمّةَ هُم وِلدُ الحُسين إلى يومِ القيامة.

الرأيُ الثالث: يحكمُ بعدَه الأئمّةُ مِن آبائِه، ممَّن يرجعونَ إلى الحياة، كما دلّت الأخبارُ بذلكَ فقد روى الشيخُ المُفيد في كتابِه «الإرشاد»: عن عبدِ الكريمِ الخثعمي، قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله الصّادق –عليهِ السلام-: كم يملكُ القائم ؟ قالَ: ”سبعَ سنين، تطولُ له الأيّامُ والليالي، حتّى تكونَ السنةُ مِن سنيّهِ مقدارَ عشرِ سنين مِن سنيّكم، فتكونُ سنينُ مُلكِه سبعينَ سنةً مِن سنيّكم هذه، وإذا آنَ قيامُه - يعني: قبلَ قيامِه - يمطرُ الناسُ في جُمادى الآخرة وعشرةِ أيّامٍ مِن رجب مطرًا لم يرَ الخلائقُ مثلَه، فينبتُ اللهُ به لحومَ المؤمنينَ وأبدانَهم في قبورِهم - يعني: يشيرُ إلى قضيّةِ الرّجعةِ - فكأنّي أنظرُ إليهم مُقبلينَ مِن قِبَلِ جهينةَ ينفضونَ شعورَهم منَ التراب“.

وكذا روايةُ أحمدَ بنِ عُقبة عن أبيهِ عن أبي عبدِ الله: سألتُه عن الرجعةِ أحقٌّ هيَ؟ قالَ: نعم، فقيلَ له: مَن أوّلُ مَن يخرج؟ مَن أوّلُ مَن يرجعُ منَ القبور؟ قالَ: ”الحسينُ يخرجُ على إثرِ القائم“ يعني: بعدَ خروجِ القائمِ هوَ يخرج، قلتُ: ومعَه الناسُ كلّهم؟ قالَ: لا، بل كما ذكرَ اللهُ تعالى في كتابِه: ﴿يَومَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأتُونَ أَفوَاجًا﴾ [19] قومٌ بعدَ قوم.

وأيضًا روايةُ حمرانَ بنِ أعين: سمعتُ أبا عبدِ الله يقولُ: ”أوّلُ مَن تنشقُّ الأرضُ عنه ويرجعُ إلى الدّنيا الحسينُ بنُ علي ، وإنّ الرجعةَ ليسَت بعامّةٍ، وهيَ خاصّة، لا يرجعُ إلّا مَن محضَ الإيمانَ محضًا أو محضَ الشركَ محضًا“.

قلتُ: وهذا الرأيُ أصوبُ وعليه مذهبُ الإماميّةِ وقد ذكرَ العلّامةُ المجلسيّ في البحارِ أنّ أحاديثَ الرّجعةِ تقاربُ "مئتي حديثٍ صحيح، رواها نيّفٌ وأربعونَ منَ الثقاةِ العِظام، والعلماءِ الأعلام (٦).

قالَ السيّدُ المُرتضى: "اعلَم أنَّ الذي تذهبُ الشيعةُ الإماميّةُ إليه أنّ اللهَ تعالى يعيدُ، عندَ ظهورِ إمامِ الزّمان المهديّ عليهِ السلام، قومًا ممَّن كانَ قد تقدّمَ موتُه مِن شيعتِه، ليفوزوا بثوابِ نُصرتِه ومعونتِه ومشاهدةِ دولتِه. ويعيدُ أيضًا قومًا مِن أعدائِه، لينتقمَ منهم،

فيلتذّوا بما يشاهدونَ مِن ظهورِ الحقِّ وعلوّ كلمةِ أهلِه"(٧).

وقالَ الشيخُ المُفيد في أوائلِ المقالات: "القولُ في الرجعةِ...أنّ اللهَ تعالى يردُّ قومًا منَ الأمواتِ إلى الدّنيا في صورِهم التي كانوا عليها، فيعزُّ مِنهم فريقًا، ويذلُّ فريقًا.. (٨).

والحمدُ لله أوّلاً وآخراً..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- بحارُ الأنوار ج ٥۲ ص ۳۹۰ ب ۲۷ ح ۲۱۲

2- كمالُ الدين : ج ۲ ص ۳٤۱ ب ۳۳ ح ۲۲

3- كمالُ الدين : ج ۲ ص ٤۳۱ ب ٤۲ ح ۸

4- صحيحُ الجامعِ رقمُ الحديث: 5074

5- صحيحُ أبي داود رقمُ الحديث: 4282 والترمذيّ (2231) مُختصراً

6- بحارُ الأنوار، ج53، ص 122

7- رسائلُ الشريفِ المُرتضى ج1، 125.

8- أوائلُ المقالات، ص 78.