هل يشوه الإسلام الغريزة الجنسية؟

السؤال: تشير بعض الدراسات التي أوردها الباحث داريل ري في كتابه (الجنس والإله: كيف يشوّه الدين الغريزة الجنسية) أن العديد من صور التدين تؤثر بشكل سلبي على جودة الجنس بسبب ترسيخها مفاهيم تشوّه حميمية التواصل والاتصال الجس دي مثل: الكبت، الخزي الجسدي والشعور بالذنب، وصمة العار والمعايير المزدوجة التي ترسخها بعض التعاليم الدينية على مستوى العقل الباطن.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أولاً: لم نجد بحسب بحثنا وتتبعنا أي كتاب للأمريكي داريل ري يحمل هذا العنوان: (الجنس والإله: كيف يشوّه الدين الغريزة الجنسية)، أو أي كتاب قريب من ذلك في عنوانه أو موضوعه، والسبب الذي دفعنا للبحث عن هذا الكتاب هو الوقوف على الدراسات والابحاث التي زعم السائل أنها تدل على أن العديد من صور التدين تؤثر بشكل سلبي على جودة الجنس، حيث جاء في مقدمة سؤاله: "تشير بعض الدراسات التي أوردها الباحث داريل ري في كتابه (الجنس والإله: كيف يشوّه الدين الغريزة الجنسية) أن العديد من صور التدين تؤثر بشكل سلبي على جودة الجنس"، ومع هذا الادعاء لم يشير السائل إلى أي صورة من هذه الصور المزعومة، وبدون بيان السائل لتلك الصور التي قامت عليها الدراسات في دعوها لا يمكننا الاجابة على سؤاله؛ لأنه مجرد ادعاء ليس له حجة تدعمه.

ثانياً: أننا مكلفين برد الشبهات التي توجه للإسلام، ولا نعتني بالشبهات التي تعتمد في دعواها على الديانات الارضية أو الديانات السماوية المحرفة مثل المسيحية واليهودية، فما لا نقبله هو تصنيف جميع الاديان في خانة واحدة ومن ثم محاكمتها بالجملة، وعليه لا نقبل مصادرة الاديان بشكل عام بحجة أن هناك دين من الاديان له اعتقادات خاطئة أو ممارسات منحرفة.

ثالثاً: لابد أن نفرق بين الاعراف والعادات الاجتماعية وبين الاحكام والتشريعات الدينية، فلو افترضنا أن هناك مجتمعاً إسلامياً له عادات وتقاليد تحمل تصوراً مشوهاً للمرأة أو للرجل أو للعلاقة بينهما، فلا يجوز أن نحمّل ذلك للإسلام، ومن هنا لا نقبل نتائج الدراسات المعادية للإسلام إذا اعتمدت في دعواها على عادات المجتمعات الإسلامية في شرق الارض وغربها.

رابعاً: الإنسان ليس مجرد حيوان غريزي حتى نطالبه بالتعامل مع غرائزه كما تتعامل الحيوانات، وإنما هو حيوان عاقل تحركه القيم وتحكمه الاخلاق، أي أنه يتميز عن الحيوان بإنسانيته، وهنا نكشف حجم المفارقة بين الإسلام الذي يؤكد على الجانب الإنساني في الإنسان، وبين الثقافة الغربية التي تؤكد على الجانب الحيواني في الإنسان، ومما لا شك فيه ان الإنسان بجانبه المادي والغرائزي بعيداً عن العقل والروح والاخلاق لا يختلف عن أي حيوان آخر، ومن هنا كانت الثقافة الغربية المادية مسؤولة عن تصدير نموذج الإنسان الجسماني الشهواني الذي تحركه دوافع اللذة والشهوة فقط.

ومن خلال هذه المفارقة يمكننا أن نقول إن الإسلام اضاف بعداً قيمياً واخلاقياً للعلاقة الطبيعية والغرائزية التي تجمع بين المرأة والرجل، فلا يندفع الإنسان في الثقافة الإسلامية للجنس كما يندفع الحيوان، وإنما يقيمها على أسس من القيم والغايات والاهداف التي تحكم مجمل حياته ككائن عاقل ومسؤول، ومن هذا البعد حرم الإسلام أي علاقة جنسية خارجة عن إطار الزواج الشرعي بين الرجل والمرأة، فالزواج في نظر الإسلام ليس مجرد شهوة ورابط جنسي بين الطرفين، وإنما هو حلقة مهمة واساسية تقع في طريق تحقيق اهداف الحياة وفلسفة وجود الإنسان فيها، ومن اجل تحقيق ذلك اوصى الإسلام على أن تقوم العلاقة الزوجية على أساس المودة والرحمة، بوصفها شرطاً أساسياً لاستقرار الاسرة ومن ثم استقرار المجتمع، يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٢١) [الروم:21].

فالإسلام لم يصادر المتعة الجنسية ولم يدعوا لكبتها، وإنما فقط ارتقى بها إلى مستوى العفة والطهارة، والروايات الإسلامية في استحباب تمتع الزوج بزوجته كثيرة، ففي الحديث عن رسول الله عندما شكت له امرأة اعراض زوجها عنها فقال لها: أما لو يدرى ماله بإقباله عليك، قالت: وماله بإقباله علي؟ فقال: أما انه إذا أقبل اكتنفه ملكان وكان كالشاهر سيفه في سبيل الله، فإذا هو جامع تحات عنه الذنوب كما يتحات ورق الشجر، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب" (وسائل الشيعة ج 20 ص 109)