اذا كان الإيمان افضل من الإسلام فلماذا لا نجد الانبياء يتمنون أن يكونوا مؤمنين؟ كقوله تعالى: (رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ) , وايات اخرى؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يدورُ الأمرُ مدارَ المُفاضلةِ بين الإسلامِ والإيمانِ، وإنّما يدورُ مدارَ ما بينَهما مِن صلةٍ وتكاملٍ؛ بحيثُ لا يستغنى أحدُهما عنِ الآخر، فالإسلامُ الحقيقيّ لا يكونُ إلّا بالإيمانِ، والإيمانُ بدورِه لا يُفضي إلّا إلى الإسلامِ، وللوقوفِ على حقيقةِ الإيمانِ والإسلامِ والعلاقةِ بينَهما لابُدَّ منَ الرّجوعِ للآياتِ القُرآنيّة التي إشتملَت على ذكرِهما.
الإيمانُ في اللّغةِ يُقصدُ به التّصديقُ ومحلّهُ القلبُ، أمّا الإسلامُ فهوَ إعلانُ الإستسلامِ ويكونُ باللّسانِ، وعلى ذلكَ لابُدَّ أن يكونَ كلُّ مؤمنٍ مُسلِماً وليسَ كلُّ مسلمٍ مؤمناً، وقَد يُستدلُّ على ذلكَ بقولِه تعالى: (قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّم تؤمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم) فقد دلَّت الآيةُ على أنَّ القلب هوَ مكانُ الإيمانِ وهذا ما يفتقدُه الأعرابُ ممّا يعني أنّهم أسلمُوا ظاهراً بألسنتِهم ولم تُصدِّق قلوبُهم، إلّا أنَّ هذا النّوعَ منَ التّمييزِ قد لا يشملُ جميعَ استخداماتِ القُرآنِ لهذينِ اللّفظين. فقد يُفهمُ من بعضِ الآياتِ أنَّ الإيمانَ لا يكونُ كافياً من دونِ الإسلامِ، مثلَ قولِه تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَومِ إِن كُنتُم آَمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُسلِمِينَ)، فالإيمانُ والتّوكّلُ لا يحدثُ إلّا بعدَ الإسلامِ، وكذلكَ قولُه تعالى: (يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيْكُمُ الْيَومَ وَلا أَنْتُم تَحزَنُونَ، الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ) فعدمُ الخوفِ يومَ القيامةِ يتحقّقُ للمؤمنِ الذي كانَ مُسلماً في الدّنيا، وبالتّالي نرى أنَّ الإسلامَ جاءَ كشرطٍ للإيمانِ، وفي آياتٍ أُخرى قد يفهمُ أنَّ الإسلامَ جاءَ كنتيجةٍ طبيعيّةٍ للإيمانِ مثلَ قولِه تعالى: (قُل آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أنزِلَ عَلَينَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ وَالأَسبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَبِّهِم لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ) فبعدَ أن تحقّقَ إيمانُهم باللهِ وما أُنزلَ على الأنبياءِ قالوا نحنُ مُسلمونَ، فكانَ الإسلامُ ثمرةً لذلكَ الإيمانِ، والخطابُ في الآيةِ مُوجّهٌ إلى النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) وأصحابِه المؤمنينَ برسالتِه بحيثُ يأمرُهم أن يُعلنوا إسلامَهم، ولذا جاءَت الآيةُ بعدَها (وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِن الخَاسِرِينَ)، الأمرُ الذي يعني أنَّ الإسلامَ يستبطنُ الإيمانَ ويتقوّمُ به، والإسلامُ بهذه الدّلالةِ يعني الدّينَ بتمامِه وهوَ ما جاءَ بهِ الأنبياءُ والمرسلونَ، قالَ تعالى: (مِلَّةَ أَبِيكُم إبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ). وهذا ما يؤكّدُه قولُه تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلامُ.. إلى أن يقول.. فَإِن حَاجُّوكَ فَقُل أسلَمتُ وَجهِي لِلَّهِ وَمَن اتَّبَعَنِي، وَقُل لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسلَمتُم فَإِن أسلَمُوا فَقَد اهتَدَوا، وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ) وعليهِ تشملُ كلمةُ الإسلامِ الدّينَ الحنيفَ أو دينَ إبراهيم.
وبناءً على ما تقدّمَ يمكنُنا الجمعُ بينَ المعنى الواسعِ للإسلامِ الذي يعني تمامَ الدّينِ وبينَ المعنى اللّغويّ الذي يجعلُ الإسلامَ قولاً باللّسانِ والإيمانَ تصديقاً بالقلبِ، وذلكَ مِن خلالِ الموقفِ العمليّ للإنسانِ، فمَن صدّقَ بالدّينِ تصديقاً يلامسُ قلبَه وكلَّ كيانِه فهوَ مؤمنٌ، وإذا إستتبعَ ذلكَ إعترافٌ بالجوارحِ فقَد أعلنَ إسلامَه، أمّا مَن أعلنَ ذلكَ باللّسانِ مِن غيرِ أن يُصدّقَ بهِ بقلبِه فهوَ مُسلمٌ بحسبِ الظّاهرِ فقَط ولمّا يدخُل الإيمانُ في قلبِه، بالتّالي بحسبِ موقفِ الإنسانِ يمكنُ أن يكونَ الإسلامُ غيرَ كافٍ، أمّا بحسبِ الواقعِ فإنَّ حقيقةَ الإسلامِ والإعترافَ بالدّينِ لا يكونُ إلّا بعدَ الإيمانِ، ولِذا نجدُ آياتِ القرآنِ وصفَت الإيمانَ ببعضِ الأفعالِ الكاشفةِ عَن تصديقِ القلبِ كقولِه تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) وقولِه تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آَيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقّاً لَهُم دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغْفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ) فالإيمانُ الحقُّ يعرفُ مِن خلالِ إنعكاسِه على الجوارحِ ولِذا قيلَ الإيمانُ تصديقٌ بالقلبِ وعملٌ بالجوارحِ.
وإذا إتّضحَ ما تقدّمَ يتّضحُ أنَّ الإسلامَ هوَ الإعترافُ بالدّينِ والتّصديقُ به وبالتّالي هوَ التّرجمةُ العمليّةُ للإيمانِ الحقيقيّ، أو هوَ الثّمرةُ الواقعيّةُ للإيمانِ، وعليهِ فمنَ الطّبيعيّ أن يكونَ دُعاءُ الأنبياءِ بأن يكونوا مُسلمين.
وهذا خلافُ الإسلامِ الظّاهريّ الذي لا ينمُّ عَن إيمانٍ حقيقيّ كما قالَ رسولُ اللهِ (مَن قالَ لا إلهَ إلّا اللهُ عصمَ مالَه ودمَه وعرضَه وحسابُه على الله).
اترك تعليق