هل فكرة الإيمان فكرة هشة؟
(5)يقول البعض إنّ فكرة الإيمان بالله هي فكرة هشّة ضعيفة أمام النقد، ولذلك يحيطونه بجدار سميك من الاحترام، وهذا النوع من الاحترام يختلف كليّاً عمّا نعامل به بعضنا. ولقد عبّر عن ذلك دوغلاس آدمز بقوله: إنّ نواة الدين هي بعض الأفكار التي نسمّيها بالمقدّسة أو ما شابه، وذلك يعني أنّ هذه الفكرة لا يحق لأحد أن ينتقدها، وهذا كلّ شيء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك مغالطات في هذا النص نجدها واضحة من خلال عدم الانسجام بين المقدمات والنتائج، ولكي يتضح ذلك نجمل الرد في شكل نقاط.
أولاً: قوله إن الإيمان فكرة هشة لا يعدو أن يكون مجرد ادعاء فارغ، ويبدو أن حبه لهذه الفكرة ورغبته الشخصية فيها هو الذي دفعه على اطلاقها بدون دليل يدل عليها، وبالتالي لا يمكن مناقشة التمنيات الشخصية والرغبات الذاتية لكل متنطع لا يهتم إلا برص الكلمات، فمجرد قوله ان الدين فكرة هشة لا يُصيرها هشة، بل قد يكون ذلك دليلاً على هشاشة عقله وسطحية فكره، فالمصادرة على المطلوب من المغالطات الشائعة عند الملحدين، وهي جعل المدعى دليل على نفس المدعى، فإذا كان مورد الخلاف هو (هل الدين فكرة هشة في قبال النقد) لا يمكن أن يكون الدليل هو تكرار نفس هذه المدعى، ومن هنا قامت طريقة العقلاء على اسناد كل دعوى بالأدلة والبراهيم التي تدعمها وهذا ما لم يفعله بل ارسل دعوته ارسال المسلمات.
ثانياً: الدين بشكل مختصر هو الإيمان بوجود خالق للكون، وهذه الفكرة قائمة على مستند عقلي متين وهو (أن كل معلول لابد له من علة) والتشكيك في ذلك تشكيك في العقل نفسه. فكيف بعد ذلك يمكن أن نتصور أن العقل يأتي مرة أخرى ليهد اركانه بالقول أن الكون جاء من دون علة وبلا صانع؟ وعليه فإن الإلحاد هو الفكرة الهشة التي لا تصمد امام النقد.
ثالثاً: نجده قد رتب حكم أخر على الدعوى التي أطلقها وهو قوله: (ولذلك يحيطونه بجدار سميك من الاحترام)، وقد ارتكب بذلك مخالفة منطقية لا تغتفر وهي ترتيب شيء على شيء من غير ان يبين وجهة الملازمة بينهما، فحتى لو سلمنا جدلاً بان الدين فكرة هشة فهذا لا يعني أبداً أنه يؤدي بالضرورة إلى احاطته بالاحترام، بل من المفترض أن يحدث العكس تماماً، فكل شيء هزيل في نفسه لا يمتلك مبررات الوجود والبقاء لا يكون محترماً، وهذا شبيه بمن يقول إن الحكومة السياسية هشة وفاقدة لمقومات الاستمرار ولذا يجب احترامها وتقديرها.
رابعاً: الاحترام حقيقة لها دلالة مفهومية واحدة سوى كان المقصود بالاحترام أمر غيبي أم كان المقصود امر حسي؛ لأن طبيعة الأشياء والمفاهيم واحدة لا تتغير بتغير المتعلق، ومع ذلك نجده يقول: (وهذا النوع من الاحترام يختلف كليّاً عمّا نعامل به بعضنا)، فطالما افترض أنه يختلف كلياً فلابد أن يفترض شيء اخر غير الاحترام؛ لأن الاحترام إذا اختلف كلياً عن الاحترام سينقلب إلى شيء اخر غير الاحترام.
خامساً: استشهد بكلام (دوغلاس نويل آدمز) وهو مجرد كاتب روائي ودرامي وموسيقار، أي ليس عالماً أو فيلسوفاً يمكن الاعتماد على كلامه، وحتى لو اعتبرناه فيلسوفاً متخصصاً لا يكون لقوله قيمة، لأنه يتعارض مع عشرات الاقوال الأخرى لفلاسفة كبار في أوربا أيضاً، وحينها يتحول الحوار إلى حوار صبياني يكتفي بسرد الأقوال المختلفة، ويضيع النقاش الأصلي وهو ما هو الدليل على أن الدين فكرة هشة؟ هذا ما نطالب به ولا نبحث عمن قال إن الدين فكرة هشة.
وفي الخلاصة: الدين بوصفه ارتباط بالله تعالى لا يمكن أن يكون فكرة هشة في قبال النقد، بل اساساً المعرفة البشرية لا يمكن أن تستقيم مالم تعتمد هذه المعرفة على فكرة وجود الله تعالى، فنقطة البداية في المعرفة هي الإيمان بالله بوصفه الحقيقة الأكثر ظهوراً عند الإنسان، وبدون الإيمان به الذي يعطي الموجودات واقعيتها لا يمكن الوثوق في وجودها، والإيمان بالله ليس موقفاً نظرياً يكون حاضراً في الذهن بالضرورة، وإنما هو جزء من كينونة الإنسان حتى لو لم يلتفت إليه أو صرح بعدمه. وبالتالي المصحح للمعرفة ليس العقل أو الحس بعيداً عن هذه الحقيقة المتعالية؛ بل الثقة في الموجودات المنبعثة من الإيمان بالله هي التي حققت الاطمئنان بهذه الإدراكات، فمعرفة الله كحقيقة فطرية تشكل إساس للعقل بوجود حقائق يجب الوثوق بها. ولذا نجد كل الفلسفات الواقعية تؤمن بالله بالضرورة حتى لو لم تصرح بذلك، وفي قبالها كل الفلسفات التشكيكية والسفسطائية ملحدة بالضرورة حتى لو لم تصرح بذلك.
اترك تعليق